" إعادة تدوير" مرافيت المؤتمر الوطنى

محمد بشير ابونمو
[email protected]
(اس . ال . ام )
نشرت صحيفة “الجريدة” اليومية ليوم امس خبرا هذا نصه:
(كشف قيادي بالمؤتمر الوطني فضل حجب اسمه عن تكوين حزبه للجنة خاصة لتشغيل الدستوريين السابقين ، وقال القيادي للجريدة إن الحزب كون لجنة ضمن لجان تطويره التي تم تشكيلها مؤخرا لتشغيل الدستوريين السابقين وبرر الخطوة للاستفادة من خبراتهم وتوقع إنشاء مراكز بحثية و منظمات أو توظيفهم كملحقيين بالخارج).
شغل حزب المؤتمر الوطنى المراقبين فترة من الزمن بالتشكيل الحكومى الجديد والذى قال انهم سيأتون بشباب ودماء جديدة لادارة البلاد ، ولكن فى النهاية تمخض الجبل وولد فأرا كما يقولون . صحيح ان البشير قد اطاح برؤوس كبيرة فى اطار صراع مراكز القوى فى الحزب ، ولكن ذلك لا يعنى المواطن العادى من قريب او بعيد ، لان كل العملية بالنسبة للمواطن لا يتعدى اكثر من ذهاب احمد وقدوم حاج احمد ، لانه رغم اختفاء

 بعض الوجوه ، الا ان السياسات هى نفسها بلا تغيير ، الحرب الاهلية فى توسع وتصاعد ، الوضع المعيشى فى تدنى مخيف ، العُملة الوطنية فى مقابل العملات الرئيسية فى تدهور مستمر ، الفساد صار محمى بالقانون وتقارير المراجع العام اصحبت لا يعتد بها فى المحاكم ، وتأكيدا على هذه النقطة الاخيرة فقد برأت احدى المحاكم قبل ايام المتهمين فى اوضح قضية فساد عرفها الشعب فى عهد الانقاذ ، وهى قضية وزارة الاوقاف التى اتهم فيها المراجع العام وزير الاوقاف السابق ازهرى التجانى وامين عام الوزارة الطيب مختار ، وقد قامت المحكمة بشطب القضية وتبرئة المتهمين وذلك (لعدم وجود بينة مبدئية تؤدي لاتهام المتهمين) ، رغم ان التهم قد تم توجيهها بناء على تقارير المراجع العام حسب ما سبق الاشارة اليه اعلاه ، والقصة معروفة وقد تناولتها الصحافة المحلية بكثافة ، الا ان الملفت فى هذه القضية ان وزير العدل السابق الاستاذ عبدالباسط سبدرات كان هو محامى الدفاع (لزملائه) المتهمين!
هذا كان من امر التشكيل الحكومى الذى شغل به المؤتمر الوطنى الناس وانتهى فى النهاية الى لا شئ ، ولكن ما اوردته الصحيفة فى الخبر اعلاه يمثل “الفساد المقنن ” بعينه ، والا كيف يتبنى حزب ، امر تشغيل اعضائه الذين قضوا ردهاً من الزمن فى وظائف تنفيذية واقتضى تغييرهم فى اطار التعديلات العادية واخذوا استحقاقاتهم بالكامل لقاء خدمتهم السابقة ، وليس ذلك فحسب وبل يكون الحزب لجنة لاستيعابهم مرة اخرى فى وظائف حكومية وكأن السودان ملك للمؤتمر الوطنى ولا يوجد احد غيرهم.
الدستوريون السابقون الذين يتحدث عنهم “المصدر ” والذى رفض الكشف عن نفسه فى الجريدة هم امثال على عثمان طه ، نافع على نافع ، وعوض الجاز ، اسامة عبدالله وامين حسن عمر ، والى اقل دستورى فى الولايات النائية مثل “المعتمدين ” الذين تم تغييرهم فى التشكيل الاخير وهم بالعشرات على اقل تقدير ، والا لما فكر الحزب لتكوين لجنة لاستيعابهم . الم يكن من مسئولية الموظف(السابق) الشخصية البحث عن عمل جديد لنفسه بعد تركه للعمل العام ، فى اى مجال يراه مناسبا حسب تخصصه وبالتالى يخضع للمنافسة العادلة مع المتقدمين لنفس الوظيفة من الآخرين ، سواء كان فى العمل العام مرة اخرى او الخاص ؟ لماذا يتولى الحزب هذا الامر بالنيابة عنهم ؟ المجالات التى ذكرها المصدر لاستيعاب الدستوريين السابقيين هى مراكز بحوث ومنظمات يتم انشاؤها خصيصا لهؤلاء ، او يتم الحاقهم بوزارة الخارجية وابتعاثهم كملحقين فى مجالات مختلفة ، والخارجية بالطبع قطاع حكومى غير حزبى ، من المفترض الا يتحكم فى تعييناتها حزب ، سواء كان حزب حاكم او فى المعارضة ، ولكن هكذا الاحوال فى عهد الانقاذ فقد (تتشابه البقر) على حزب المؤتمر الوطنى ، ويصبح لا يميز بين ما هو عام ، وبالتالى ملك لكل الشعب وما هو خاص يهم المؤتمر الوطنى لوحده . لا احد يعترض بالطبع من انشاء المؤتمر الوطنى لمراكز بحوث ومنظمات خاصة به واستيعاب منسوبيه ، سواء كانوا دستوريون سابقون او موظفون عاديون ، ولكن التجارب التى امامنا الآن تحكى ان كل المنظمات التى انشأها المؤتمر الوطنى يتم تمويلها من المال العام بشكل مباشر اوغير مباشر (مدغمس) ، ودونكم حزب المؤتمر الوطنى نفسه ، كل تمويله من الخزينة العامة ، وهذه الحقيقة يعرفها القاصى والدانى . على كل حال ، شخصيا فقد فهمت الآن فقط معنى حديث الدكتور نافع على نافع عندما قال اننا قد ” صفرنا العداد ” وان من بعدهم سيستمروا فى تصفير العداد الى ان “يصفر عزرائيل ” ، فالرجل يعنى (وهو اصدق الفاسدين ) انهم – اى اهل الانقاذ – سيتناوبون على حكم هذه البلاد الى قيام الساعة ، وهذا يعنى ان التنفيذى منهم لو اُعفى من منصبه سيعاد الحاقه فى وظيفة حكومية اخرى ، اى ان المرفوت منهم سيعاد تدويره فى الحكم حتى الممات!
اللهم انا لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف فيه
آمين

محمد بشير ابونمو
لندن
الخميس 9 يناير 2014 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *