*مصطفى ابوالعزائم*
مرّتْ ذكرى يومٍ لا نشُكّ إنه كان الأطول في ذاكرة الذين عاشوا تفاصيله ، الأطول في تاريخ الصراع السياسي والقتالي بين النّظام السابق ، وبين أحد أقوى خصومه ، ونقصد بذلك حركة العدل والمساواة ، التي أسسها وقادها المغفور له الدكتور خليل إبراهيم ، الذي خرج على النّظام وهو يُقدِّم طرحاً ورؤية جديدة للحُكْم في السودان ، كان نتاج ذلك الطرح وتلك الرؤية ، إنشاء حركة العدل والمساواة ، وتأسيس جيشها الذي إستهانت به السلطات ، إلى أن قام بتنفيذ عملية الذراع الطويلة في العاشر من مايو عام 2008 م ، وهي العملية التي كشفت عن مواطن ضعف في الغطاء الأمني ، حاول النظام بعد ذلك معالجتها في أكثر من إتجاه ، وبنى عليها مواقف أمنية وسياسية ودبلوماسية جديدة ، خاصة مع الدّول التي لعِبت دوراً في تسليح الحركة أو تقديم مساعدات عسكرية أو فنية أو لوجستية لها لتمدّ ذراعها الطويلة عبر الصحراء الفاصلة بين السودان وليبيا ، لتصل إلى مركز الحُكْم دون معاناةٍ ، وهو ما ترتّب عليه بعد ذلك تغييراتٍ في كثير من أجهزة الدولة .
إثنا عشر عاماً مرّتْ على ذلك اليوم المشهود ، لا زالت ذاكرة الكثيرين تحفظ وتحتفظ بالتفاصيل الخاصة به ، وقد عِشتُ تفاصيل ذلك اليوم وما تلاه ، وإرتبط في ذاكرتي على المستوى الخاص ، بوفاة سيّدي الوالد الأستاذ محمود ابوالعزائم ، والتي جاءت بعد عملية غزو أم درمان ، بيومين إثنين ، ووفاة عددٍ من الأعلام في تلك الأيام ، أذكر منهم المغفور لهم بإذن الله تعالى الأساتذة محجوب عمر باشري ، ومصطفى سند ومحي الدين فارس ، وغيرهم حتى أن أستاذنا الكبير الراحل حسن ساتي أطلق على ذلك العام إسم عام الفقد .
تحركت السلطات تطارد الذين تيسّر لهم أمر الخروج من أرض المعركة بالإنسحاب التكتيكي ، رغم فقد الحركة لعددٍ من قادتها ، وبعض منسوبيها آنذاك ، ثُمّ فقدها لاحقاً لمؤسسها وقائدها الدكتور خليل إبراهيم ، رحمه الله في غارة إستهدفته وقصفت موقعه وهو ما زاد شقة الخلاف بين الحكومة والحركة المعارضة ، والتي كانت ولا تزال أكبر حركة مسلحة ، كما أنها ما زالت تحْمِل مشْرُوعاً سياسياً متكاملاً يرتبط ببرنامجٍ وطني بعيداً عن الاُطر الإقليمية والجهوية الضيِّقة والمحدودة . وقد جلست إلى عدد من قيادات الحركة قبل الآن في طرابلس بليبيا ، وتلمّست الملامح الرئيسية لما يمكن أن نطلق عليه( منفستو) الحركة ، مع وجهة نظر خاصة من جانبي برفض أي تعدّيات على المواطنين الآمنين وقراهم ومزارعهم في مناطق النزاعات والصراع ،سواءً كان ذلك من جانب الحكومة أو من جانب الحركة .
الآن وبعد هذه السنوات وبعد نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام السابق الذي ناصبته حركة العدل والمساواة العداء لسنوات ، وبعد أن حجزتْ الحركة مقعدها على طاولة التفاوض ، يقول رئيسها السيّد جبريل إبراهيم إنه مستعِدٌ لدخول الخرطوم مرة أخرى من بوابات التفاوض ، في طريق السلام الشّامل حال التوقيع على إتفاق سلام يجري التباحث أو التفاوض حوله من خلال منبر جوبا ، في دولة جنوب السودان .
لم يكن ما قال به السيد جبريل إبراهيم ، مفاجئاً للمراقبين داخل وخارج السودان ، فالرجل عًرِفَ عنه الإعتدال بعيداً عن الشّطط السياسي ، أو المتاجرة بقضايا أهله سواءً كان ذلك في دارفور الكبرى أو في السودان بأكمله ، فللحركة مشروع و برنامج لا ينحصِر في الاُطر الجهوية أو القبلية أو العنصرية الضيقة .. ولكن هل يكون الطريق مًعبّداً أمام حركة العدل والمساواة السودانية لتصل إلى أهدافها السياسية المعلنة من خلال برنامجها الوطني (؟)
ستصِلُ بلا شكّ ولكنها حتماً ستجد من يضع العراقيل أمامها ، لأسباب منها الغيرة السياسية ومنها التنافس على كسب الشعبية المناطقية أو العامة في سودان ما بعد الثورة ، وقد يسعى الخصوم والمنافسون إلى إستخدام أسوأ الأسلحة السياسية الصدئة ، خاصةً سلاح الشائعات ، مثلما حدث قبل أسابيع قليلة بإتهام حركة العدل والمساواة السودانية ، بالقتال إلى جانب حركة بوكو حرام في الغرب الاغريفي الكبير ، خاصة ضد القوات الحكومية في دولة تشاد الشقيقة لإفساد العلاقة بين الحركة وبين السلطات التشادية ، والجميع يعلم أن أبواب القيادات في انجمينا ظلت على الدوام مفتوحة أمام الحركة وقياداتها للتعاون المستمر من أجل إحلال سلام دائم في المنطقة ينعكس أثره الإيجابي على كل المنطقة والإقليم ويسهم في استقرار كل الإقليم .