هل يجوز الحديث عن “يهودية “دولة الشمال السوداني المفترضة بعد الإنفصال ؟

هل يجوز الحديث عن “يهودية “دولة الشمال السوداني المفترضة بعد الإنفصال ؟
 محجوب حسين: رئيس حركة التحرير و العدالة السودانية

بما أنه عنوان إستفهامي ، إستنكاري ، كما هي دعوة إستنكارية و مضادة ، لا يجوز بالطبع ، لأن المؤكد ليست هناك أي مرجعية دينية أو فلسفية تدفع بالإنسان في أن يقوم بمثل هكذا دعوة – سياسيا أو أيدولوجيا أو دينيا أو أخلاقيا – أي إلي دولة يهودية فيما تبقي من أراض السودان المختلف حوله و فيه، و بالتالي الأمر كله يقع في دائرة البطلان القطعي، و بالضرورة غير قابل للطعن او النقض.
هذا البطلان القطعي و بقوة قانون الاشياء هو ذاته إمتد و تمدد ليشمل كل أركان ما تبقي من أراض و ثقافات و جغرافيات و شعوب سودانية متناثرة و في مجموعها متباينة أو متقاطعة أو متنافسة أو متخاصمة أو تابعة منقادة !! لم ترتقي لمفهوم الأمة السودانية بعد ، تعيش في المساحة المصنفة حتي اللحظة جغرافيا ب ” الشمال السوداني ” ، لذا هناك أسئلة شرعية جديدة يجب أن تفتح و تخضع للتفكيك و التشريح لإدارة أزمة الصراع فيما تبقي من أراض السودان ما دمنا نعيش في أهم مظهر من مظاهر إنتقال التدحرج التاريخي السوداني بعدما فشل” مشروع الدولة السودانية الوطنية ” و إنتقل متدحرجا إلي “مفهوم الدولة التفكيكية ” عبر صيغة الفصل ، و الذي تعتبره سلطة النيل الإسلاموية الحاكمة في ما يعرف بالشمال السوداني- كمجال مفترض في معالمه و تاريخه و شعوبه و جغرافيته – صيغة نهائية لحل أزمة الشعوب و الحضارات السودانية في السودان ، لتتسم بالإطلاق وعدم القبول بالمراجعة – علي ما يبدو – من خلال أدبيات “دولة ما بعد الإنهزام السودانية ” ، في غياب تام لجدولة جديدة أو حتي الإستفادة من أرشيف صناعة تدحرج التاريخ السوداني ماضيا و راهنا، مع أن الحقيقة الدالة تفيد بأن إنتقال السودان تجاه الدولة التفكيكية هو معناه ، و كحاصل قيمة سياسي نحن أمام وطن سوداني إفتراضي آخر ، بعد السقوط السوداني ، كما سقط أيضا معني إستقلاله ، وحدته ، و سلطته….إلخ

دولة الشمال الإفتراضية
إذا وفقا لكل الصيغ و الدلالات و التبريرات نحن أمام شمال إفتراضي أو وطن سوداني/ شمالي إفتراضي ، و بالتالي لا يمكن العبور من ” دولة سودانية إفتراضية” إلي “مفهوم دولة واقعية” إلا بصياغة شرعية جديدة في كل شىء قائمة علي المواءمة و التطابق ، لأن التاريخ السوداني أكد لنا نحن الشعوب السودانية مختلفون في كل شىء و لا نتعارف و لسنا متفقون في شىء إلا في شىء واحد و هو صناعة الإستبداد و إنتاجه بإعادته أو تدويره أو تزويره عبر تكنيك الحراسة من فوق و نظرية الكولنيالية “فرق/تسد” و ذلك قصد المزيد من صناعة الإستحواذ علي تاريخ الشعوب السودانية عبر منطق ميتافيزيقي ، مع التأكيد أن التكييف القانوني و السياسي لسودان ما بعد إعلان الفصل النهائي يتطلب الطرح أو التقدم بمقترح لصياغة عقد إجتماعي جديد كمدخل أساسي و عقلاني للإنتقال بالشمال السوداني نحو الدولة ، حيث خلاف ذلك سيبقي الأمر بابا من أبواب إجتهادات” الفقيه السياسي” السوداني لإغتصاب حراك التاريخ السوداني مرة ثانية قصد تمرير إستدامة صيغة الإحتلال الداخلي لحكم السودان ، علما أن التاريخ السوداني يؤرخ لمرحلتين و هما مرحلة الإستعمار الخارجي و مرحلة الإستعمار الخارجي ، حيث الأول إنتهي بمقتل “غردون” الإنجليزي ، فيما الثاني و الذي بدأ بعد سقوط الإستعمار الخارجي في منتصف القرن الماضي ما زال مستمرا و بأدوات مختلفة وهي كانت سببا في فصل السودان في آخر نتاجات أيدلوجيته العرقية و الدينية في القرن الحادي و العشرين

 

ثورة الإنفصال السودانية
في هذا الإتجاه قد تعرف جدلية الصراع في دولة الشمال المفترضة تبدلات عمودية و افقية في المعيار و الهدف و الإدارة خصوصا و أن مقومات بلورتها و تغذيتها متوفرة من أي وقت مضي و بأسانيد و مرجعيات جديدة ، خصوصا في ظل خطاب السلطة الإسلاموية النيلية الجديدة و الذي حدد عبر – الوحي الإسلاموي النيلي – معالم المرحلة و بدأت تأسس لشرعنة ما أسميه ب ” ثورة سلطة الإنفصال الإسلاموية النيلية الجديدة ” بعد موت سلطة ” الحكم الثنائي السوداني” – حكم الشريكين- و تبعه في وقت سابق ” ثورة الإنقاذ الوطني” بإعتباره المدخل لإنهيار التاريخ السياسي السوداني الحديث، لتتحول سلطة ثورة الإنفصال اليوم إلي ملهاة حقيقية ، فنجد زعاماتها و قياداتها المختلفة تحولوا من ساسة إلي دعاة و فقهاء ، بل أئمة مساجد و حواري و مريدين من خلال خطبهم و تبريراتهم و قراءاتهم لما هو كائن و ما يجب أن يكون ، و في هذا السياق بتنا لا نفرز بين إمام المسجد أو الرئيس أو الزعيم السياسي. كما لا أفرز دوما بين ما تنفذه سلطة الإنفصال من سياسيات ضد الشعوب السودانية و ما ينفذه المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، و الجديد في هذا الشأن و بمقاربة بسيطة نجد أن الإستراتيجيا الصهوينية تجاه إبادة الشعب الفلسطيني هي نفس الإستراتيجيا التي تنتهجها سلطة الإنفصال السودانية و كلاهما يعمل علي الثنائية الصلبة، ممثلة في مرجعية الدولة الدينية فضلا عن مرجعية الدولة العرقية ، فقط الفارق يكمن في أن الفلسطيني واقعا تحت إحتلال خارجي و السوداني واقعا تحت سلطة إحتلال داخلي بدرجة أقرب ما تكون إلي قانون الوصاية أو الحماية أو الإنتداب الإستعماري ، كصيغ إستعمارية عرفت إبان التاريخ الإستعماري القديم فيما نحن أمام تجديد مفاهيم إستعمارية و تبيئتها لتتناسب و الحالة النشاذ في السودان

يهودية إسرائيل و السودان الشمالي
إن الدعوة التي يقدمها متطرفو الصهوينة العالمية للإعتراف بيهودية إسرائيل- كدولة دينية يهودية – قد لا تختلف كثيرا عن الدعوة التي تقدمها النخبة الإسلاموية النيلية لدولة دينية إسلامية في مشروع دولة الشمال السودانية المفترضة ، أساسها العرق و بعدها الدين مع إلغاء تام لمفهوم التعدد ، و يلحظ أن هذا يتم و يعلن دون شرعية سياسية أو دستورية غير شرعية القهر و التي نجمت عنها الملاجىء و المنافي و المخيمات و هي كثيرا في أصقاع السودان القائم أصلا علي مشروعية إلغاء الآخرين كمشروع للدولة التي سقطت و الدولة القادمة كمشروع لم يبلغ مفهوم الدولة بعد ، و هو ما يدفعنا إلي القول و بشكل مضاد وفي ظل اللاشرعية في كل شىء سوداني اليوم ، هل يجوز لنا الدعوة إلي يهودية دولة الشمال السوداني كمشروع قيد النظر ؟!!إنه سؤال التضاد في سلطة قررت إلغاء الآخرين و كل الآخرين
نقلا عن جريدة القدس اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *