عبدالعزيز النور
[email protected]
هل فعلا هناك صراع لحكومة السودان مع جمهورية جنوب السودان؟؟
قد يبدو للوهلة الأولى للمواطن السوداني العادي أن لحكومة المؤتمر الوطني في السودان مشكل وصراع حقيقي مع جمهورية جنوب السودان خصوصا عندما يسمع ويشاهد راديو وتلفزيون السودان أو بالأحرى وسائل الإعلام الحكومي في السودان وهي تردد أسطوانات حرب الحكومة السودانية العربية الإسلامية ضد الشعب السوداني في جنوب السودان كما في تسعينيات القرن الماضي إبان المراهقة السياسية والسلطوية التي كانت تمر الجبهة القومية الإسلامية و قبل أن تنقلب على رشدها في الآونة الأخيرة، والتي بلغته على يد الدكتور جون قرنق دي مبيور بعد عبوره ورفاقه صيفا على صيف عبورهم ، مرورا بكورسات نيفاشا والذي غرس جون قرنق من خلالها بعض الروح العلمية في ادمغة مرتادوها، بعد أن كانت الحركة الإسلامية قد أجادت صياغتهم وفق متطلبات المؤسسسات الديماغوجية الحماسية الغيبية العاطفية و غيرالمنطقية ولكن ما أسس على لاشئ ساقط لا محالة وهذا ما كان جليا في علي عثمان طه نائب رئيس المؤتمر الوطني (في الحكومة) ورئيس لجنة الحرب (التعبئة) والذي يحرك الناس الآن لمحاربة ما كان قد بصم عليه بنفسه ولكن ، هل فعلا يريد المؤتمر الوطني الدخول في حرب حقيقية مع جمهورية جنوب السودان لطالما سعوا هم أنفسهم لفصلها من جمهورية السودان من خلال بث الروح العنصرية والحقد والكراهية وسط شعب جنوب السودان كما يردد خال المشير البشير(رئيس الحكومة) في زفراته، أو كما قال الدكتورغازي العتباني مستشار رئيس حكومتهم” مسيحيي أثيوبيا وأريتريا أقرب إليهم من مسلمي جنوب السودان” ـ وعلى ما أظن إنها كانت دعوة صريحة لكل السود بترك الإسلام ـ أو على حد مسئول الدفاع الشعبي السابق و وزير خارجية حكومة المؤتمر الوطني الحالي علي كرتي في تلفزيون قناة الجزيرة العربية عندما وضعه مقدم البرنامج (في الصميم) فرد دون تردد “هل ترضى بأن يحكمك من هو غير عربي وغير (مسلم؟)” مستنجدا بذات الروح العنصرية ومخاطبا الجانب النفسي لمقدم البرنامج وبنفس الطريقة التي ظلوا يخاطبون ويصرفون بها القوى المعارضة إن لم تكن مستعرضة ، ولكن نعود ونكرر السؤال مرات ومرات هل فعلا يريد المؤتمر الوطني حربا مع جمهورية جنوب السودان ؟ وهل المؤتمر الوطني الذي فقد أكثر من عشرة ألف دبدوب (دباب) في معركة هجليج تبقت لديه قوة لحرب أخرى؟ أم فقط يريد المؤتمر الوطني ووسائل إعلامه صرف الشعب السوداني عن ما أوصل (هو) البلد إليه وعن ضنك العيشة التي أوجدها لهم حتى يتفادى الثورة الشعبية؟؟
حكومة الحركة الإسلامية في السودان ومنذ إعلانها الحرب الجهادية على شعب جنوب السودان في تسعينات القرن الماضي كانت على علم بالأوضاع في جنوب السودان بل وكانت على دراية تامة بتحركات وأماكن تمركز الجيش الشعبي لتحرير السودان ولكنها على عادتها كانت تتفادى مواجهته وتفضل البقاء في المدن وبالتالي إستهداف المواطنين العزل وتصنيفهم على أساس إنهم متمردين وخونة وطابورخامس بحسب قاعدة (يا معانا يا ضدنا) حتى يسهل إستغلالهم لصالحها ، فكان من المستحيل لكائن من كان أن يرى شمس غد اليوم التالي إذا كان قد ذهب للزراعة أو التجارة أو لأي عمل في المناطق التي لا يتواجد فيها جيش الحكومة أو مليشياتها السبب الذي جعل معظم الشباب المتواجد آنذاك في الأماكن والمدن التي كانت تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية عاطلين عن العمل، كما شلت حركة الزراعة النباتية بالكامل مع تخصيص حركة النقل والحركة التجارية لكبار ضباط الجيش الحكومي وأمراء المجاهدين مستغلين في ذلك آلالات النقل العسكرية، في الوقت الذي كانت فيه مليشيات الدفاع الشعبي والهجانة تعمل على نهب الثروات الحيوانية والبشرية، كما ذكر الدكتور لوكا بيونق عقب الأحداث الأخيرة في منطقة أبيي “ونحن نتحدث الآن عن السلام لدينا أكثر من أربعين ألف مسترق بواسطة المليشيات التابعة للحكومة السودانية”، وهذا ما كان واضحا في توفير كميات ضخمة من الثروة الحيوانية في أواسط السودان في بداية تسعينات القرن الماضي مما مكن حكومة الإنقاذ من إنشاء ما أطلقت عليه الأمن الغذائي ووضع أسعار خاصة باللحوم وحينها أسمته بـ (الرواسي)، هذا المنهج الإستعماري إضافة لعوامل وسلوكات أخرى كثيرة ظلت تمارسها الدولة ضد الهامش السوداني ـ ضمنها التمييز المجتمعي للسودانيين الجنوبيين على غرار ما يحدث لجميع أبناء الهامش السوداني في كل من دار فور والنيل والأزرق وجبال النوبة بل وحتى في هامش الوسط الجغرافي على كل المستويات في الريف والحضر التي يقطنها غالبية تعود أصول المذكورين أعلاه إليها ـ علاوة على التعالي العرقي الذي يستند في الأساس على بعض النصوص الدينية العنصرية، جعلت من أنباء الهامش السوداني الذين لا تربطهم أي صلات حقيقية أو إفتراضية مع مجتمعات النخب التي تحكم السودان، و تحديدا شعب جنوب السودان أن يتخذ قراره بوضوح في الإستفتاء الخاص بتقرير المصير 9/يناير/2011م والقاضي بفك الإرتباط غير الحقيقي مع مركز الدولة الإستعماري، وهذا بالضبط ما كانت تخطط له تلك النخب حتى تتمكن من تأسيس دولة عربية إسلامية عنصرية كما جاء في مخرجات المؤتمر الإقتصادي لحكومة الحركة الإسلامية في العام2004م أو في ما يعرف بمثلث حمدي (الأبيض ـ دنقلا ـ سنار) الذي يعتمد نظرية (البتر والإزاحة) التي لا يختلف عليها أي من النخب المذكورة في عملية قيام الدولة المعنية من خلال تقليل الوجود الزنجي، وهذا ما سيقودنا للإجابة للجزء الأول من سؤالنا فيما إذا كان فعلا هناك صراع سياسي للمؤتمر الوطني مع جمهورية جنوب السودان ام لا؟ ولكن إذا هناك فعلا للمؤتمر الوطني والنخب التي سبقته في قيادة الدولة مشكل حقيقي الآن مع جمهورية جبوب السودان، لماذا كدوا لإيجادها من خلال نفس الممارسات التي قضت على الدولة الدينية الإستعمارية الإستيطانية في كل من الشاطئ المتوسطي الأروبي وبلاد الهلال الخصيب؟ ولماذا سمحوا بقيام الكرنفالات بذبح البهائم التي يتطابق لونها ومجتمع الهامش من داخل بيوت السلطة قبل حسم المعركة ودعم وسائل الإعلام التي تنادي الآن ببتر ما تبقى من السودان الإجتماعي الأصيل؟.
بالوقوف على وضعية الحكومة الحالية في السودان يتأكد لنا أنها ليست في الموقف الذي يمكنها من خوض صراع حقيقي و جاد مع جنوب السودان سواء أكان سياسيا أو عسكريا بعد الهزائم التي منيت القوات الحكومية السودانية من قبل جيش جمهورية جنوب السودان على إمتداد المناطق الحدودية ناهيك عن ما ظلت تتجرأته القوات العسكرية السودانية ومليشياتها الدفاع شعبية والجنجويدية على يد الثوار السودانيين من حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة السودانية وجبهةالخلاص الوطني في غرب السودان منذ بداية الألفية الحالية ولا سيما صيف أم درمان مايو 2008م وحديثا في كل من كردفان والنيل الأزرق، أما سياسيا ليس هناك صليح لحزب السلطة، فعلى المستوى الخارجي ظل رئيس الحزب والسلطة منبوذا ومرفوضا ومطاردا من معظم دول العالم بفعل جرائم الحرب و جرائم الإبادات الجماعية وجرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبها في درافور بمعاونة رفقاء درب المستقبل إلى المحكمة الجنائية الدولية مع كل من وزير الداخلية السابق ووزير الدفاع الحالي الفريق عبدالرحيم محمد حسين ومولانا أحمد هارون وزير الدولة بالداخلية الأسبق و والي ولاية جنوب كردفان الحالي الذي مازال يباشر هوايته وتخصصه في الجرائم السالفة الذكر وسط شعب جبال النوبة في جنوب كردفان، وبالطبع هناك آخرون ضمن قائمة الـ(54) الذين لم يعلن عنهم بعد ، أما داخليا فليس للمؤتمر الوطني إلا من هو على شاكلته من الأفراد الذين تم بيعهم من كل من حزب الأمة (الصادق المهدي وإبنه) والإتحادي الديمقراطي (كثر) وبعض الذين تأبطوا موكب الثورة بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان أمثال (غازي)والشعبية الإستسلامية (اللواء دانيال) ، كل هذا في مواجهة قوى ثورية متعددة ومجربة في مقارعة المركز على كافة الأصعدة أبرزها القيادة العسكرية للجبهة الثورية السودانية التي جاءت كنواة حقيقية للكتلة التاريخية التي وردت ضمن نبوءات الدكتور أبكر آدم إسماعيل في مخطوطته جدلية الهامش والمركز، الأمر الذي جعل من حكومة المركز في وضع المضطر لإستخدام (قاعدة إهبل تربح) التي تعتمد بالأساس على سياسة رد الفعل وليس الفعل بالضغط على شعب جنوب السودان من خلال إعلان الحرب عليه وبالتالي إحراج حكومة جمهورية جنوب السودان و وضعها هي الأخرى في صف جمهورية تشاد وإفريقيا الوسطى وكذلك إريتريا للتضييق على الفارين من جحيمها وهي (الحكومة) تدرك تماما أن الشارع السوداني الآن معلقا آماله على القوى الثورية التي تتوهم أنها ستقضي عليها بفرض طوق أمني بمعاونة دول الجوار حتى تتمكن من سحق الأصوات التي تنادي بالدخول إلى الشارع لمواجهة النظام كما حدث إثر إغتيال زعيم الهامش السوداني وزعيم إفريقيا الدكتور جون قرنق دي مبيورـ الذي وضع أسس إزالة إنطمة المركز سياسيا وعسكريا ـ مما يعكس حقيقة صراع حكومة المؤتمر الوطني في السودان مع جمهورية جنوب السودان وهذا ما يتجلى في إصرار المؤتمر الوطني لوضع أولوية للقضايا الأمنية في المفاوضات الحالية والتي بدأت بتاريخ 29/ مايو /2012م، بعد أن كان قد الغى كل ما من شأنه أن يؤدي لمصلحة شعبي البلدين في إتفاق الحريات الأربعة في الجولة السابقة من مفاوضات القضايا العلقة وقضايا ما بعد إستقلال جمهورية جنوب السودان في 9/يوليو/2012م.
أعتقد أن مشكل حكومة المؤتمر الوطني في السودان في الأساس هي مع شعوب الهامش في ما تبقى من سودان و هي إمتداد طبيعي لمشروع الجبهة الوطنية الإفريقية في السودان أو ما يعرف إصطلاحا بـ (السودان الجديد) الذي إستطاع أن يجعل من جنوب السودان ملاذ آمن لكل من منحته الحياة سحنة هذا الوطن الجميل، هذا على خلاف ما كان يتوقعه المؤتمر الوطني بعد أن ظل يخطط لزعزعة البلد التي روي ترابها بدماء الشهداء الذين أثبتوا إستحالة قهر الإنسان الزنجي كما فعل بني جلدتهم في كل من أمريكا ، غينيا سكياتوري ، جنوب إفريقيا وفي أي مكان آخر في العالم، وهم رفاقة الزعيم الأوحد والمناضل الحقيقي البطل عبد العزيز الحلو الذي أرّق مضاجع المركز بتحريكه بيادق الفعل ـ الذي لا يفهم المؤتمر الوطني غيره ـ بنفسه في ميادين الحسم الثورية منذ إعلانه معركة الكرامة في جنوب كردفان في يونيو 2011م والذي يمكن أن توفر الحماية للثورة الشعبية ومن ثم إسقاط حكومة الخرطوم لبناء مجتمع حر معافى حالي من العقد والتعقيدات المجتمعية والنفسية وبالتالي، تأسيس دولة قوامها القيم الإنسانية النبيلة، يكون الولاء لها والكرامة لشعبها.