هل الصادق المهدي كذاب كما يتهمه الدكتور منصور خالد ؟

ثروت قاسم

[email protected]
1- الدكاترة منصور خالد ؟
في يوم ، وصف الطيب صالح السيد الامام ، وعن حق ، بانه ( آخر العمالقة ) ، وبدورنا نوصف الدكتور منصور خالد بانه في زمرة العمالقة ، لمعارفه الموسوعية ، وكتاباته التي تقطر شهداً وقمحاً ووعداً وتمني .
نسجل ادناه سبعة من كتب الدكتور منصور ، التي ندعو القارئ الكريم لمراجعتها لأهميتها :

كتاب ( حوار مع الصفوة ) ، كتاب ( لا خير فينا إن لم نقلها) ، كتاب ( السودان والن

فق المظلم) ، كتاب ( الفجر الكاذب ) ، كتاب ( جنوب السودان في المخيلة العربية) ، كتاب ( النخبة السودانية وإدمان الفشل) ، كتاب ( قصة بلدين ) ، كتاب ( الثلاثية الماجدية: صور من أدب التصوف في السودان) … غيض من فيض كتب واوراق ومقالات وبحوث الدكتور منصور خالد .وكل كتاب ايقونة في موضوعه .

ايقونات الدكتور منصور المذكورة اعلاه مثال من بين عشرات يؤكد موسوعية ووساع بحور الدكتور منصور الفكرية .

2- حوار الساعة ؟

في يوم الخميس 22 والاثنين 26 فبراير 2018 ، نشر الاستاذ عثمان ميرغني في صحيفة التيار الغراء ( حوار الساعة ) ، الذي اجراه مع العالم العلامة الحبر الفهامة الدكتور منصور خالد .

سوف نحاول قراءة سطور حوار الدكتور منصور ، متجنبين ما تحت وما فوق السطور ، وقطعاً ما يحسبه البعض معان كامنة ، أو ظلالاً خفية بين السطور . ونحسب ان هذا الحوار التاريخي قد هز بعض الثوابت المستقرة ، وايقظ بعض العقول الخدرة ، في زمن كثرت فيه الزعازع ، وقلت فيه الأوتاد .

تناول الدكتور منصور في حواره المفيد والممتع في آن كثيراً من المواضيع التي تستحق وقفات طويلات مع تدبر وتأمل وتمحيص . ولكننا سوف نكتفي في هذه الحلقة الاولى من المقالة بمناقشة إتهام الدكتور منصور للسيد الامام بالكذب .

3- الدكتور منصور خالد والصادق المهدي ؟

في حواره ، إتهم الدكتور منصور خالد السيد الامام بالكذب ، في مسألة الفيدرالية ، وقال نصاً :

( … كيف يجرؤ ان يقول مثل هذا الكلام ؟ وهو ( الصادق المهدي ) رجل متعلم . هو ليس جاهلاً . لكنه يكذب على الناس . )

ونحن تلامذة الدكتور منصور خالد ، نقول :

اولاً :

الكذب يكون بتزييف الحقائق ، بان تنكر وقوع واقعة انت تعلم انها قد وقعت فعلاً ، او تؤكد وقوع واقعة انت تعلم إنها لم تقع اصلاً .

في المقابل ، قد يوصف الرأي في مسألة عامة ، كالفيدرالية ، بأنه خاطئ أو فاسد . لكن لا يوصف بأنه كاذب . ولا يوصف معتنقه وقائله بأنه كاذب … إنا إذاً لظالمون .

قد يرى السيد الامام الفيدرالية غير ملائمة للسودان ، ولكن هذا لا يجعل رأي السيد الامام كاذباً ، ولا يجعل السيد الامام كاذباً … هذا ربما يجعل راي السيد الامام حول الفيدرالية فاسداً أو خاطئاً ولكن ليس كاذباً .

ثم والحق نقول ، فالوزن يؤمئذن الحق ، إن السيد الامام لم يرفض الفيدرالية ، بل نادى بها في كتابه الذي نشره في ابريل 1964 ، والذي كان القداحة التي اشعلت نيران اكتوبر 21 .

ولهذا السبب ، ضمن اسباب اخرى ، خرجت الجماهير في يوم الخميس 22 اكتوبر 1964 ، تهتف بأعلى الاصوات :

الصادق أمل الامة .

وفي نفس يوم الخميس 22 اكتوبر 1964 ، ام ( امل الامة ) المصلين في ميدان عبدالمنعم على جنازة ابي الشهداء القرشي العظيم . وبعدها قاد ( امل الامة ) ، مع آخرين ، المفاوضات مع الرئيس عبود ومساعديه ، على اساس مانفستو اكتوبر 21 ، الذي كتبه ( امل الامة ) بيديه اللتين لم يمض عليهما في الحياة الدنيا 30 حولاً .

هل هذه سلوكيات رائد يكذب على اهله ؟

( افتوني في امري ، ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ) ؟

هذا الاتهام غير المؤسس يدمر صدقية المؤرخ منصور خالد ، ولم ( يفش غبينة ) السياسي منصور خالد ؟ بل حاكى البومرانق الاسترالي الذي يرتد لصدر مطلقه .

ثانياً :

الرجل الذي يكذب ، هو الرجل الذي يخاف ويرتجف ويرتعش ، فيتوارى خلف ستارة الكذب ، بتزييف الحقائق والنفاق … فكل كذاب منافق ، فآية الكذاب النفاق .

فهل السيد الامام منافق كذاب ؟

دعنا نرى :

في عام 1987 ، وهو رئيس وزراء ، زار السيد الامام الرئيس صدام حسين في بغداد ، والحرب العراقية – الايرانية على اشدها . وقتها كان صدام الطفل المدلل للامريكان وللعرب والعاربة والمستعربة .

إستنكر السيد الامام عدوان صدام على الثورة الاسلامية الوليدة في ايران ، التي تدعم القضية الفلسطينية النبيلة وكل قضايا المهمشين والمساكين … وطالب بوقف فوري للحرب .

شيطن صدام ومعه الاعراب والامريكان السيد الامام ، وسمعنا بعدها براجمات الكرمك التي اهداها صدام للسيد الميرغني … كيتن في الصادق وعشان تاني .

هل هذه سلوكيات رجل يكذب في مواضيع عامة ، ومسموح بالإختلاف حولها ؟

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ.

ثالثاً :

الكذب من علامات الساعة وهو محرم ، كما قالت به 28 غافر :

( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب . (.

يقذف الدكتور منصور بهذه التهمة ، التي هي من الكبائر ، وبدون بينة ، وفي حق رمز من رموز الوطن ، مما يستوجب منه الإعتذار للسيد الإمام .

… ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .

ولكن السيد الامام جمل شيل .

ستّار العروض .. الراكـز الضــــرغام

قضّاي الغروض .. مطر السما الجمّام

أبوك يا المنصورة .. جمــــل الشيـل.

يصبر السيد الامام على اتهامات الدكتور عمر القراي له بالخيانة ، ويصبر على إتهامات الدكتور منصور خالد له بالكذب ، كما صبر شاعره المفضل أبي الطيب على أشباههم .

أفاضلُ الناس أغراضٌ لذي الزمن

يخلو من الهم أخلاهم من الفِطن

يستخبرون فلا أعطيهم خبرى

وما يطيش لهم سهم من الِظنن

قد هون الصبر عندي كل نازلة

ولين العزمُ حد المركب الخَشن .

رابعاً :

في حواره ، طالب الدكتور منصور خالد بطائفية مودرن حديثة ، حيث قال نصاً :

( … أن تبحث الطائفية عن طائفية مودرن ، حديثة . لكن ما حصل عكس ذلك . ) .

دعنا نرى ، يا حبيب ، إن كان ( ما حصل عكس ذلك ) ، حسب ما يدعي الدكتور منصور ؟

ربما تذكر الدكتور منصور بانه ، وبمبادرة خيرة من السيد الامام ، كان كيان الانصار الكيان الديني الوحيد في التاريخ الاسلامي الذي انتخب امامه ومؤوسساته في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة شاركت فيها القواعد والكوادار والقيادات في مؤتمر عام تم عقده في السقاي في يوم الخميس 19 ديسمبر 2002 .

في المؤتمر العام ، تم إنتخاب :

+ السيد الإمام .

+ هيئة شؤون الانصار .

+ مجلس الشورى .

+ المكتب التنفيذي .

+ المجلس الاستشاري .

تعمل هذه المؤوسسات على هدي الآية 251 في سورة البقرة :

ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض …

دفع الله الناس = الفصل بين سلطات مؤوسسات الكيان الخمسة في تدافع ايجابي ، وعلى مبدأ المراقبة والمحاسبة .

أين نحن من مقولة الدكتور منصور : ( الطائفية غير المودرن ) ، ياحبيب ، ونحن نرى راي العين افعال وممارسات كيان الانصار ، الذي يعقد الندوات ، والورش التخصصية ، والسمنارات ليشرح للناس امور دنياهم ودينهم ، ويحثهم على تجنب العادات الضارة كخفض وزواج الطفلات .

نجح السيد الامام في نقل كيان الأنصار إلى مرحلة الحداثة ، مرحلة المؤوسسات المنتخبة ، مرحلة الشفافية والمراقبة والمحاسبة ، مرحلة التجديد المُستدام ، مرحلة الإحتكام للقانون … مرحلة ( إختفاء الفكي الاكبر بتاع الطائفة والحزب ) ، التي يتحسر على عدمها الدكتور منصور خالد .

إذا إقتبست الحركات الأسلامية الراديكالية نموذج كيان الأنصار ، وإعتمدت صندوق الإنتخابات بدلاً من صندوق الذخيرة ، كمرجعية سياسية ودينية وثقافية ، لقضت على دابر الأرهاب والظلم والغبائن وحمامات الدم .

يجاهد السيد الإمام في نقل خبرة كيان الأنصار في هذا الموضوع الحيوي إلى هذه الحركات الراديكالية المتشددة التي يمزقها الاستقطاب والجهل .

وهذا الامر وحده ، من بين أمور اُخر ، كفيل بأن يساعد في فوز السيد الامام بجائزة نوبل للسلام في عام 2018 .

ومن سن سنة حسنة كما في الحديث ، فله أجرها وأجر من عمل بها.

وإن هذا صراطي مستقيماً فإتبعوه ، ولا تتبعوا السبل ، فتفرق بكم عن سبيله …

نواصل مع حوار الدكتور منصور خالد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *