نيفاشا مكب البطالة

حسن اسحق
ليست نيفاشا التي انهت اطول صراع دموي في افريقيا ،وليست نيفاشا التي حققت السلام، وانهت الحرب في جنوب السودان، الدولة الوليدة الان، كما يطلق عليها بعض المتهكمون الذين فشلوا في حكم السودان قرابة الستة عقود، لانهم لا يمكنهم تجاوز العقل الاحتكاري للسلطة ، ليست نيفاشا التي دفع فيها الراحل جون قرنق روحه فداءا لها ، ورحل بعد اسابيع من توقيعه لها مع المطرود النائب الاول السابق للرئيس علي عثمان . انها نيفاشا اخري ، سميت علي نيفاشا جالبة السلام، ومحققة الاستقلال، كما يقول الجنوبيون ، اطلقوا عليها هذا المسمي، لانها كانت تضم الوان الطيف المجتمعي، وكانت مبني لتعاطي التدخين الي الان، ومزدحمة بالرواد صباح مساء، يرتادها محبو السياسة، والتنظير المثقافتية، يحبون الحديث، وعيبهم الوحيد، لا يعملون، انها نيفاشا التسكع وشراب الشاي و الشيشة. رغم العطال والتنظير وفقدان امل مواصلة الحياة الكريمة ، منظرها الداخلي يبعث الامل من جديد، رسومات افريقية علي جدران المبني، تحس انك في يوغندا او كينيا او منطقة جبل مرة في دارفور، ذلك الشلال ، وضع بصمته رسام واقعي عاطل، ذاكرته تحركها احاسيس العودة الي جذور افريقيا .ومراوح الهواء،تنتصر علي هواجس اللاعمل الوظيفية،في دولة البطالة،والضرب علي البطن،بدلا من الظهر،كلامها مرفوض ظهرا وبطنا، انه هواء الخيال والذاكرة المحتضرة،انه المكيف الهوائي طارد الهموم والهواجس والاحباط، انها منطقة عند دخولها، يطلب منك، ان تدعو خلاف العلن، ان لا يقبض علي داخلها ، باوامر محلية ترفض النرجيلة، ويستثمر فيها اصحاب رؤوس الاموال. قال احد المحبطين من الحياة، قال انها شبيهة بسلة او مكب للقاذورات، وما يشير اليه في دواخله،انها طريق طويل يصعب عبوره في يوم واحد،قد تحتاج الي سنوات عجاف،ومكب النفايات ليس مكانا للجلوس والتفكير، وكيف ينشط الفكر؟، وانت تحيط بك الارض المزروعة بألغام البطالة والتوجس من محيط الحياة الذي يحتضنك، وصدره تشتعل فيه نيران، التهمت الماضي، وتحرق الحاضر، ونواياها المبيتة لاطفاء اضاءات المستقبل، فعلا انها نيفاشا، لكنها نيفاشا اخري، تجد فيها طفلات يستجدين الجنيه و نصفه، يستخدمن عبارات دينية مستهلكة، واطفال (الورنيش) علي بوابة نيفاشا الخرطومية، حيث المتعطلين علي الكراسي من (امنجية) وتوابعهم اولئك الذين يظهرون المسدسات عند جلوسهم علي كراسي نيفاشا، في اشارة للزبائن اننا موجودون في اي مكان وزمان. قد تدخل اليها صباحا، وتخرج مساءا، بعد ان تحقن بالاحباط.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *