نهش أجساد القاصرات والعدالة تستوجب تجريم زواج الأطفال والمؤبد للمغتصبين
د. سعاد مصطفي الحاج موسي
25 يونيو 2020
طالعنا في مارس الماضي على صفحات الميديا الالكترونية خبر عن زواج طفلة بعمر أربعة أعوام واختها ذات الستة عشرة ربيعاً وهي ليست بحادثة مباغتة اُولي أو فريدة من نوعها ولكن مظهراً لسلوك لا يزال يرواح مكانه منذ أن حطت قافلة الإنقاذ بحمولة سمومها على أرض الوطن ونثرتها بين ذرات ترابه الي أن اطمأنت الي فراق الخصوم. فمن مات استراح وترك الحزن يعبث بقلوب أحبته، ومن بقي منهم ظل يغالب مرارة الحاجة والعوز وكرامة مهضومة وتضميد جراح نازفة ونفوس متقرحة وهم يموتون بالأيام والليالي وطولهما بالساعات والثواني. ولكن الأدهى والأكثر مرارة هو ما أصاب ولا يزال يصيب النساء والأطفال، نساء السودان وأطفاله. ومع فجر الثورة لا يستطيع الناس الاستمرار بالتخندق في اللا مبالاة ودفن الرؤوس في الرمال وبالادعاء والشعور بأن هذا لا يهمهم في شيء، تماماً مثلما كان لسان حالهم عندما كانت الحرب تطحن في أهل دارفور وتسحق كرامة النساء والأطفال. تشير حوادث اغتصاب اليافعين والقصر الي شيوع المرض العضال واستشرائه في المجتمع السوداني بأسره لا يهم تحت أية مسمي ولكنها صارت لعنةً جائحة تقض مضجع كل اُم وأب.
فأجساد القاصرات صارت وجبة شهية لذوي العاهات النفسية والمرضي الأفّاكين ممن سموا أنفسهم بالشيوخ من الذين استظلوا براية الانقاذ وتمترسوا بمباركته لشذوذهم الفكري الذي وجد طريقه الي قانون الأحوال الشخصية الإسلامي لعام 1991 لتبيح المادة 40، زواج اليافعات في عمر العشرة أعوام. وبذلك شرّعوا اجهاض طفولة بريئة وتدنيسها وتعطيل نمو الطفلة الطبيعي وتخريب جسدها وتدمير بنيتها. أوردت الويكيبيدا تقريراً صُدر عن السودان عام 2017 يشير الي أن السودان هي البلد رقم 29 عالميًا في ترتيب البلاد التي تقوم بتزويج الأطفال – فواحدة من كل ثلاث فتيات تقريبًا يتم تزويجها قبل عامها الثامن عشر وبلغت نسبة من تم تزويجهن قبل الثامنة عشر 38%، و12% تم تزويجهن قبل عامهن الخامس عشر. ويكشف أن 10.7% من النساء ما بين 15 إلى 49 سنة تم تزويجهن قبل الخامسة عشر. ولا ننسي تجربة الطفلة نورا حسين عام 2018 والتي أُجبرت على الزواج فاضطرت إلى قتل زوجها بالسكين عندما حاول اغتصابها بالقوة لتجد نفسها محكومة بالسجن خمسة أعوام بعد تخفيف حكم الإعدام! – أي، طفولة موؤده، تلويث للعقل والنفس، واغتصاب ثم قهرها بواسطة أجهزة الدولة القانونية!
وانضم إلى قافلة الأفّاكين رفقاؤهم من فاقدي الحس والفطرة السليمة فكثرت مناظر تقشعر منها الأبدان وتئن منها النفس المؤمنة لأطفال ذكور واناث صاروا طرائدا وضحايا لمن أصابتهم كورونا الخطيئة الشيطانية وفقد المجتمع الثقة في الأخ وابن الأخ والجار، ودُنِّست العلاقات بسلوكيات من أوصدوا عقولهم بمزلاج تمنع عنهم انسراب ضوء الخلق القويم.
وفي نقطة ضوئية مقدرة يهب وزير العدل الدكتور نصرالدين عبد الباري بتقديم مذكرة لإبطال زواج الطفلتين ومساءلة المسؤولين، خطوة متزامنة مع أجواء الاحتفال بيوم الطفل الأفريقي في 16 يونيو من كل عام والذي بدأته منظمة الوحدة الأفريقية التي أصبحت الآن الاتحاد الأفريقي، في عام 1991. هذا العام 2020، عقد الاحتفال تحت شعار “الوصول إلى نظام العدالة الصديقة للطفل في أفريقيا” بينما نحن في السودان نمارس انتهاكات حقوق أطفالنا في أبشع صورها. ولذلك ترتفع الأصوات بضرورة سن قوانين لمحاصرة تلك الأفعال المجرمة وحماية الأطفال وحسم إفك الشيوخ وشذوذهم. ولكن ينبري من ملة الإفك من يدعي ب “أن الشرع الحنيف يجيز تزويج المرأة من المهد إلى اللحد” (راجع صحيفة الراكوبة 18 يونيو التعليقات على مذكرة لوزير العدل لإبطال زواج طفلتين ومساءلة المسؤولين) مدعياً بأن حقوق الإنسان والقوانين الوضعية لا تصمد أمام النصوص السماوية. فأي مارد هذا الذي يمشي بيننا نافثاً سمومه نهاراً جهاراً يجيز افتراس الأطفال والقاصرات وافتراشهم وانتهاك انسانيتهم باسم الدين؟ وأي دين هذا الذي يحول الرجل الي حيوان لاهث غائب عن الوعي ولا يريد أن يرعوى.
تلك هي امتداد للعقلية التي سنت الاغتصاب في حرب الهامش وأنهكت نساء دارفور ومجتمعه والقصر ذكوراً واناثا جسدياً وعقلياً، وللأسف لم تجد، أصوات النساء والناشطين الداعية الي ضرورة التصدي لتلك الجريمة المنكرة التي أدرجها المجتمع الدولي ضمن جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة الإنقاذ وسخّرت لها أمثال كوشيب وآخرين ذكرهم آتي لا محالة، لم تجد تلك الأصوات استجابة قانونية نافذة. ظهور تلك السلوكيات المجرمة شكلت ضربة موجعة لكل سوداني/ة وكل اسرة ولكنهم سكتوا وآثروا الصمت بدعوي “الخوف من البشتنة والكوبار” وهذا هو عين السلوك الذي جعل المجرمين يستمرون في ويستمرئون ارتكاب جرائمهم وهم مطمئنين بأن جريمتهم لن تجد الطريق للقصاص عبر القانون فلا أحد يجرؤ على البوح بما حل بفلذة كبده!
فجريمة الاغتصاب يستوي معها في النوع والمقدار زواج القاصرات فكلاهما سلوك شاذ مفارق للأعراف والطبيعة الإنسانية السوية، ولا يمكن معالجتها وضمان حماية الأطفال الاّ بسن قوانين تغيِّب المعتدي عن ساحة المجتمع وتجرِّم زواج الأطفال. علي المجلس القومي لرعاية الطفولة التحرك بمساعدة منظمات رعاية الطفولة الدولية والوطنية لتمكين المجتمعات من كسر حلقة العنف ضد الأطفال والعنف القائم على النوع، والعمل مع الناشطين والناشطات على صياغة مسودة لقوانين رادعة وتقديمها الي الجهات العدلية والتشريعية بحكومة الثورة، مسودة لا تجرِّم الفاعل وجريمته فحسب، بل تحاسبه بعقوبة المؤبد لضمان حماية الطفل والمجتمع. فإذا أراد الناس حماية دينهم ودنياهم عليهم بحماية أطفالهم ومجتمعهم بعمل إصلاحات قانونية صارمة لا تهاون ولا رأفة فيها مستهديةً بمواثيق حقوق الانسان والطفل التي انتظمت العالم بأسره ولا يظهر ما يدانيها.
والثورة ماضية لتحقيق قيم حرية، سلام، وعدالة
سعاد مصطفي الحاج موسي
[email protected]