ميمونة عبدالله فطر
[email protected]
المتابع للأحداث والأزمات القائمة فى دول الجوار السوداني منذ مجيء نظام الإنقاذ في السودان, يلاحظ جلياً انها مشكلات لاتعدو ان تكون سوى مشكلات صُنعت في السودان وصُدرت خصيصاً الى تلك الدول.
فمن ضمن استراتيجيات نظام الانقاذ التي خطط لها مبكراً وهي استراتجية لعب دور مؤثر وقذر في المنطقة المحيطة في الاقليم, وبحكم ان الدول المحيطة بالسودان كانت ذات اتجاهات مختلفة فيما بينها قبل مجي نظام الخرطوم مما سهل هذا الإختلاف في ان يكون نظام الخرطوم حينها احد اكبر اللاعبين والمؤثرين في المنطقة.
وبهذا التاثير على دول الاقليم، كان النظام يرمي الى الحفاظ على انقلابه الداخلي عبر تمكين المجموعات والدول الاخرى في المنطقة.
فلكي يتمكن النظام من توطيد اقدامه في الخرطوم, وخلاف الوسائل التي استخدمها داخلياً, سعى في الاتجاه الاخر في ضرب استقرار الجيران.
في اعوام حرب الجنوب (المقدسة), لم يكتفي نظام الخرطوم بتعبئة الشعب السوداني داخلياً ليلبي الحرب التي اسماها بالحرب المقدسة, او الحرب الفاصلة بين الحق والباطل, لم يكتفي بذلك وانما بسط خبثه اكثر جنوباً وسعى في زعزعة دولة يوغندا عبر دعم ابرز متمرديها
وهو العسكري المشاكس (جوزييف كوني), قائد جيش الرب، والذي يقال انه زار الخرطوم في الاشهر الماضية ومرات كثيرة.عبر هذا المتمرد المتواجد غالبا في شمال يوغندا وتماس جنوب السودان,عبره استطاع نظام الخرطوم ان يخلق موازنة غير متوازنة في اطرافها, حيث كان النظام في الخرطوم يعتقد ان دولة يوغندا هي الداعم والمحرك الاول لاليات وعقليات الحركة الشعبية حينها, لذلك ذهب النظام في اتجاه دعم متمردي يوغندا عبر جوزيف كوني. ولم يفطن النظام الى اختلال الفكرة، باعتبار ان الحركة الشعبية والجيش الشعبي وقتها اكثر من 10 الف مقاتل بينما جيش جوزريف كوني في يوغندا لا يتعدي 200 مسلح.
لكن رغم ذلك واصل النظام في الخرطوم في دعمه حتى تدخلت المحكمة الجنائية الدولية واعتبرت ان مشكلة شمال يوغندا التي تسبب فيها جيش جوزيف كوني واحدة من المشكلات والجرائم التي تنظر فيها المحكمة حالياً. فالمحكمة الدولية تعتقد ان هناك جرائم ارتكبت في شمال يوغندا, وستعرف المحكمة لاحقاً ان تلك الجرائم كانت بدعم من نظام الخرطوم.
ومعلوم للسودانيين ان جوزيف كوني هو قاعد جيش الرب الذي يتواجد في الخطوط الفاصلة بين دول افريقيا الوسطى وجنوب السودان والكنغو. ورغم قلة عدد جيش الرب الا انه استطاع ان يخلق التوتر في دول المنطقة وشرق افريقيا.
وبعد نشوب الثورة في دارفور غربي السودان بدايات العام 2003م انتبه النظام مبكراً للموقع الاقليمي لدارفور والتركيبة الاثنوجغرافية والعلاقات الاجتماعية بين دارفور ودولة تشاد؛ انتبه النظام وقام بتطوير كيفيات جديدة لخلق الصراع في دولة تشاد لغرض الحفاظ على اوتاده في الخرطوم.
وبما ان الثورة التي انطلقت في دارفور عامها, كانت ثورة دارفورية الطابع , قام النظام في الخرطوم بملامسة الروابط والوشائج بين دارفور وتشاد, حيث قام بصناعة معارضة لاسقاط نظام تشاد عبر جيوش تدربت وتأهلت في السودان بتنسيق مباشر من نظام الخرطوم.وهي المرة الثانية التي يتدخل النظام في زعزة دولة اخرى بحسبان ان النظام يعتبر اي معارضة ضده بالضرورة هي معارضة مدعومة من الدولة المجاورة لها.
واعلن النظام وقتها ان الثورة المسلحة التي انطلقت في دارفور كانت مصنوعة ومدعومة من دولة تشاد التي تحيطها خارطة دارفور. وقدم النظام في ارسال جيوش جرارة الى تشاد من اجل اسقاط الحكومة هناك, تحركت الجيوش من داخل الاراضي السودانية. والجدير بالذكر ان المعارضة التشادية التي خلقها نظام الخرطوم ماتزال موجودة تهدد الحكومة التشادية رغم تقارب الوجهات بين الخرطوم وانجمينا.
ومرة اخرى, وليست المرة الاخيرة طبعاً, حوّل النظام خبثه تجاه دولة ليبيا الجارة ابان عهد القذافي عبر دعم الثوار الليبيين للاطاحة به. جاء ذلك على لسان الرئيس البشير بان نظام الخرطوم قام بمد الثورة الليبية بالسلاح حتى تاريخ سقوط النظام الليبي.
وجراء تدخل النظام في الشان الليبي مات عشرات السودانيين المدنيين هناك في ليبيا وخسر الكثير منهم اموالهم وتجارتهم الرابحة.
ومضى النظام قُدماً في تصدير خبثه للحفاظ على عرشه في الداخل وحماية سلطانه بغلاف جديد, قام لاحقاً وحتى الان يقوم, بدعم الاخوان المسلمين في مصر بالسلاح عبر الحدود لاحداث بلبلة داخل مصر المؤمّنة. وردود الفعل العالمية والمحلية كلها تشير الى تورط نظام الخرطوم في تهريب الاسلحة الى الاراضي المصرية لاحداث شرخ امني لصالح الاخوان المسلمين. باعتبار ان نهاية نظام الاخوان في مصر هو نهايته في السودان. والنظام يفعل كل ذلك دون ادني مراعاة للاضرار التي تمس السودان والسودانيين. وفي مقبل الايام سنعيش علاقة غاية في التوتر بين مصر والسودان.
وناتي الى الشريط الجنوب الغربي للسودان والتي تشغله دولة افريقيا الوسطى, والمتابع هذه الايام ان النظام في الخرطوم لم يشر في اي نشرة اخبارية عما يجري في افريقيا الوسطى من عمليات تطهير قائمة على الاساس الديني في افريقيا الوسطى، وهي طبعاً نتاج لتدخل نظام الخرطوم في الدولة هذه لتاسيس حكومة تدعمه وتكون ذراعه الغربي بين تشاد والكنغو.
فكل هذا الالم والتقتيل الذي يعيشه المسلمين في دولة افريقيا الوسطى هو بسبب نظام الخرطوم في محاولته الصريحة لخلق نظام اخواني يستعين به في مسالة اركان حكمه في الداخل وتضييق الخناق على الحركات المسلحة من جهة الغرب. لذلك نتابع اليوم كيف ان المسلمين يدفعون الثمن غالياً في افريقيا الوسطى. والنظام مستمر في تصدير خبثه يمينا ويساراً وجنوبا وشمالاً دون ان ينتبه الى انه يقتلع نفسه اقتلاعاً.
واخيراً في جنوب السودان وفي الاشهر الماضية عند اندلاع الحرب البشعة التي قادها رياك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير ميارديت ضد الحكومة, تواردت الاسئلة نفسها لدي كثير من المراقبين؛ بان هل لنظام الخرطوم ايادي في هذا الصراع الجنوبي الجنوبي.؟
والمدقق في الامر لا يستبعد ذلك باعتبار ان نظام الخرطوم هو النظام الاشهر في تصدير مشكلاته الى الدول الاخرى باسوأ الطرق. ودعونا لانستعجل الامر فقط يتضح في مقبل الايام عمن هو وراء زعزعة الامن في الدولة الوليدة.