من وحي قوائم مرشحيه للأنتخابات القادمة
أهو حزب المؤتمر الوطني أم الحزب الجمهوري الأشتراكى ؟
بابكر فيصل بابكر
طرحت الحركة الأسلامية السودانية في أطوار تخلقها المختلفة ( الأخوان المسلمين , جبهة الميثاق الأسلامي, الجبهة القومية الأسلامية, وأخيرا المؤتمرين الوطني والشعبي) نفسها كحلقة من حلقات التجديد الأسلامي و كدعوة تجسّد ظاهرة الأنتقال من مجتمع الجمود والعشائر والطوائف والتخّلف الي مجتمع الحياة والتحديث والتقدم.
وكثيرا ما سعت الحركة الأسلامية للتميّز عن الأحزاب الكبيرة بدمغها بصفة ” الطائفية ” وبوصف قيادتها بالجمود و جماهيرها بالتبعية العمياء للبيوتات الدينية التقليدية.
لقد عانت هذه الحركة في بدايات تكوينها من صراع داخلي تمحور حول قضية الأنفتاح الكامل على المجتمع وخوض المعترك السياسي أو أتباع المنهج المتدرج الذي يقوم علي التربية والصبر .
وأخيرا حسمت الحركة الأسلامية ثنائية النخبة والجماهير أو الصفوة والعامة وأسلمت قيادها للدكتور حسن الترابى صاحب نظرية الأنفتاح والتوسع الذي يهدف للكسب السياسي والوصول للسلطة والحكم بمختلف السبل.
وقد بدا للكثيرين أنّ سياسة الأنفتاح قد بدأت تؤتي أكلها خصوصا في الفترة الديموقراطية الثالثة وهي الفترة الذهبية التي عاشتها الحركة تحت مسمي ” الجبهة القومية الأسلامية” والتي أستطاعت أن تخوض أنتخاباتها وتفوز بواحد وخمسين مقعدا مما أهّلها لتصبح الكتلة الثالثة في البرلمان.
ولطالما فاخر الأسلاميون بأنهمّ حصدوا جل مقاعد الخريجين في ذلك البرلمان وهو ما ميّزهم عن الأحزاب الكبري التي أنحصر معظم كسبها البرلماني في دوائرها المغلقة حيث يتجلي نفوذها الطائفي والعشائري والقبلي.
ولأسباب لا يتسّع المجال لذكرها قررت الجبهة القومية الأسلامية الأنقلاب علي النظام الديموقراطي بواسطة ذراعها العسكرى حيث نجحت في الأستيلاء علي السلطة في الثلاثين من يونيو 1989.
أنّ المقولة الشهيرة للرئيس الأميركي أبراهام لنكولن ” أذا أردت أن تختبر شخصا فأعطه السلطة” تصلح أيضا للتطبيق علي الحركات والأحزاب السياسية التي ترفع شعارات برّاقة وهي خارج أطار السلطة والحكم.
قد كشف أختبار السلطة التي أنفردت بها أو هيمنت عليها الحركة الأسلامية لعشرين عاما ( أطول مدّة يحكمها حزب منفردا في تاريخ السودان الحديث) عن وجه مخالف للوجه الذي ظهرت به الحركة في فترات الدعوة والمعارضة , وكانت أكبر نتائج الأختبار هو انقسام الحركة علي نفسها ومن ثم تبنى الفريق الممسك بالسلطة لسياسة تكيّف ذرائعي تهدف للبقاء في الحكم والحفاظ علي السلطة أكثر من الحرص علي المبادىء والشعارات.
أظهرت فترة الحكم الطويلة فشل الحزب الحاكم في أداء تمارين تداول السلطة وتدوير النخب والتعاقب الدوري في ابراز القيادات مما أدى إلى ” تكلس” القيادة كما أدى إلى إضعاف المؤسسية والديموقراطية الداخلية وبروز ظواهر مثل ” شخصنة السلطة” و” مراكز القوى” داخل الحزب والحكومة معا.
و يبدو أنّ أختبار السلطة قد أجبر الحركة التي نشأت وترعرعت في أوساط الطلاب والمثقفين والقطاعات الحديثة علي التخلي عن شعاراتها وعن القواعد الأجتماعية التي أستندت عليها فأرتدت متوسلة الي الحكم بالقبيلة والعشيرة والطريقة الصوفية وهو الأمر الذي يناقض رسالتها الأصلية كحركة تدعّي التحديث وتحارب الجمود والأنغلاق وتسعي لتغيير الواقع.
فالناظر لقوائم مرشحي حزب المؤتمر الوطني للأنتخابات القادمة يظن للوهلة الأولي أنه ينظر لقائمة مرشحي الحزب الجمهوري الأشتراكي الذي أنشأه الأنجليز في السودان في العام1951 بعد خلافهم مع حزب الأمة. والحزب الجمهوري الأشتراكي كان عبارة عن تجمع لكبار رجال الخدمة المدنية السودانيين وزعماء القبائل,وكان كل من زعماء القبائل ” يوسف العجب” ،و” ابراهيم موسي مادبو”، و”ابوسن” من ابرز اعضاءه. لم يحقق الحزب نجاحا يذكر في أنتخابات 1953 فتراجع نشاطه وأندثر ورجع زعماءه الي ولاءاتهم القديمة.
قد أكتظت قوائم مرشحي حزب المؤتمر الوطني بأحفاد شيوخ القبائل وزعماء العشائر وأبناء البيوتات الدينية والأجتماعية الكبيرة. فها هو” احمد محمد المنصور العجب” في الدندر , و ” موسي محمد علي مادبو” في الضعين , و ” علي حسن التوم علي التوم” حفيد زعيم الكبابيش, و ” احمد محمد الأمين ترك” ابن زعيم الهدندوة في أروما , وها هو ” خالد محمد صديق طلحة ” ابن زعيم البطاحين, و ” محمود علي بيتاي” من بيت الدين الأشهر في شرق السودان, وكذلك ” هجو عبد القادر” من بيت الهجواب الشهير في سنار, خلا عن الشيوخ والعمد والسلاطين من مثال ” الشيخ موسي هلال” والسلطان ” هاشم عثمان هاشم” والعمدة ” بابكر حمزة ادم” وغيرهم.
وفي موازاة كبار رجال الخدمة المدنية الذين شملهم الحزب الأشتراكي الجمهوري , فقد ضّمت قوائم مرشحي حزب المؤتمر الوطني للانتخابات القادمة عددا كبيرا ممن يمكن تسميتهم بأصحاب ” الخدمة الطويلة الممتازة” في السلطة وهؤلاء هم الذين لم يبارحوا المناصب العامة والوزارات منذ أطلالة حكومة الأنقاذ الأولي في العام 1989, ومن هؤلاء الوزير والمستشار ورئيس جهاز الأمن السابق نافع علي نافع , ورئيس اتحاد عمال السودان لعشرين عاما ابراهيم غندور , ورئيس نقابة المحامين لعشرين عاما كذلك فتحي خليل, والوزير والوالي الحاج عطا المنّان , ورئيس المجلس الوطني لأحد عشر عاما احمد ابراهيم الطاهر, وغيرهم.
لم يعد حزب المؤتمر الوطني يمتلك ما يزايد به علي الأحزاب التي ظل يدمغها بالطائفية , فمن حيث القيادة فأنّ الوجوه لم تتغيّر منذ عقود , ومن حيث البرامج والشعارات فقد أنتهي الحزب الي شىء من مثل ” لن نصادق غير الصادق ” و ” عاش أبوهاشم ” وهو ” سير سير يالبشير” , ومن حيث الجماهير فهاهو يتوسل للحكم بزعماء العشائر ونظّار القبائل وشيوخ الطرق الصوفية.
ومع أنّ حزب المؤتمر الوطني يعتبر أكثر الأحزاب نشاطا وأستعدادا للأنتخابات وسيكون أوفرها حظا في كسب نتيجتها الاّ أنّ ذلك لن يتأتّى له بفضل برامجه أو سياساته أو قيادته أو شعاراته ولكن بحكم هيمنته علي مقاليد الأمور في البلاد لعشرين عاما مما وفّر له أمكانات مادية كبيرة وسيطرة كاملة علي اجهزة الدولة ووسائل الأعلام الرسمية.