تصاعدت الحرب الكلامية بين حزب المؤتمر الوطني، الحاكم، من جهة، وأحزاب المعارضة والحركة الشعبية «أحزاب إعلان جوبا»، من الجهة الأخرى. وفيما أجلت أحزب المعارضة مسيرة ثانية كان يتوقع تحريكها صوب البرلمان السوداني اليوم، إلى الأسبوع المقبل، غير أنها قررت مواصلة الندوات السياسية حول القضايا الخلافية في البلاد، يوميا، حتى بعد غد السبت. وفي الاتجاه الآخر، حشد حزب المؤتمر الوطني خلفه مجموعة من الأحزاب الموالية له المعروفة بـ«أحزاب الوحدة الوطنية»، وشدد مساعد الرئيس السوداني في تصريحات على أن «المعارضة لا تستطيع إسقاط النظام عبر الفوضى الخلاقة». وبدت الخرطوم منقسمة بين كتلتين سياسيتين.
وقال الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، بعد تجمع للأحزاب المتحالفة معه في دارفور، إن المعارضة لن تستطيع أن تسقط النظام عبر الفوضى الخلاقة، «لأن الحكومة قادرة على كشف مخططاتها»، وكرر أن المعارضة كانت تريد أن تسقط الحكومة من خلال مسيرة الاثنين، «وهذا ما وضح لنا في حديث سابق للدكتور حسن الترابي زعيم، حزب المؤتمر الشعبي، وباقان أموم، الأمين العام للحركة الشعبية»، ونصح المعارضة بأنه من «الأفضل لها التحالف وضم الصفوف، لأن الانتخابات هي السبيل الوحيد الناجع لتغيير النظام». وقال نافع إن الحديث والمطالبة بإجازة القوانين العالقة ذريعة لإحداث الفوضى، وقال إن اجتماعهم مع الأحزاب المتحالفة معهم «وجه رسائل لإحباط مخططات المعارضة».
وحدد اجتماع لـ«أحزاب إعلان جوبا» عقد في دار حزب «حركة تحرير السودان المسلحة في دارفور» بزعامة كبير مساعدي الرئيس السوداني، مني أركو مناوي، في حي الموردة بأم درمان، اجتماعا لاحقا في الساعات المقبلة لتحديد موعد لمسيرة ثانية على أن تكون الأسبوع المقبل لتصعيد المطالبة بمطالبها المرفوعة والضغط على حزب المؤتمر الوطني والبرلمان معا، لإجازة جملة من القوانين المعروفة بقوانين التحول الديمقراطي.
وكانت «أحزاب إعلان جوبا» خرجت في مسيرة يوم الاثنين الماضي، لتسليم مذكرة إلى رئيس البرلمان حول مطالبها تلك، إلا أن الشرطة منعت المسيرة، ودخلت في صدامات مع أنصارها، تحولت إلى اعتقالات طالت 127 شخصا، حسب المعارضة، من بينهم الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، ونائبه في قطاع الحركة الشعبية في الشمال، ياسر عرمان.
وتضم «أحزاب إعلان جوبا»، الحركة الشعبية الشريكة في الحكم، ومجموعة من أحزاب المعارضة، أبرزها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي، والحزب الشيوعي بزعامة محمد إبراهيم نقد، وحزب الأمة (الإصلاح والتجديد) بزعامة مبارك الفاضل المهدي، وانضم إلى المجموعة حركة تحرير السودان المسلحة في دارفور بزعامة مني أركو مناوي، وأحزاب معارضة أخرى.
وقال باقان أموم إن اجتماع أحزاب إعلان جوبا قرر تطوير النضال الجماهيري السلمي من أجل تحقيق الحرية في السودان وإنفاذ اتفاق السلام حتى يعم ربوع السودان، وأضاف أن الاجتماع قرر مواصلة العمل للحفاظ على قوة دفع الحركة الجماهيرية بإقامة ندوات بشكل مستمر ابتداء من الخميس حتى السبت وسيتم الإعلان عن مسيرة سلمية بعد مشاورات ستتم في الساعات اللاحقة. وقال إن هناك حاجة إلى دفع قضايا الجماهير واستنهاضها في العمليات في كل أنحاء السودان.
إلى ذلك، كشف فاروق أبو عيسى، القيادي في التجمع السوداني المعارض، أن من أهم قرارات الاجتماع ضرورة تحريك الحركة السياسية ضد الشمولية وإنعاش الحركة الجماهيرية وضخ دماء جديدة فيها ليس في العاصمة، الخرطوم، فحسب، وإنما أيضا في الأقاليم. وأكد أبو عيسى مواصلة الممارسة الديمقراطية والدستورية عبر «ندوات ومواكب وحشود» ملتزمة بالقانون، وأن تكون التحركات سلمية تبتعد عن التخريب، على حد قوله.
وانتقلت «أحزاب إعلان جوبا»، في الليل ذاته إلى دار حزب الأمة المعارض في الحي ذاته، وتباروا في تعبئة جماهيرهم ضد حزب البشير، كما كالوا سيلا من الاتهامات لحزب المؤتمر الوطني، وقال الصادق المهدي في الندوة إن مسيرة الاثنين حققت كثيرا من المكاسب للقوى السياسية بانضمام أحزاب وقوى جديدة لها.
وجدد المهدي أن مطالبهم «إجازة قوانين التحول الديمقراطي، والاستفتاء، وحل مشكلة دارفور، ودفع استحقاقات الانتخابات، ونطالب بمجلس سياسي جامع تجتمع فيه القوى السياسية مع السلطة لتحقيق المطالب المذكورة، ولكن هذا لا يحدث من تلقاء نفسه، فلا بد من تعبئة الشعب من أجل تحقيق المطالب، فإذا استجاب المؤتمر الوطني لها تكون حلقة جديدة لحلقات نضالنا في الماضي أما إذا أصروا واستكبروا استكبارا فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون». وأضاف المهدي: «نحن كشعب أسقطنا نظامين مدججين بالأسلحة في أكتوبر (تشرين الأول)، وأبريل (نيسان) وهذا النظام سيحتكم لهذا الشعب، ولهذا الشعب أسلوبه في إسقاط الأنظمة المستبدة». وحسب المهدي، فإن «الدرس الأول من يوم الاثنين أنهم خافوا وانزعجوا وحشدوا السلاح، ثم إن قوى الإجماع قد زادت قبل وبعد الاثنين وأصبحت مرآة للشعب السوداني كله».
وفي الندوة، قال أموم إن الحركة الشعبية تخلت عن نهج مجابهة القوة بالقوة بعد أن تحولت إلى حزب سياسي تسعى لتحقيق أهدافها بالعمل السياسي والنضال، مطالبا بتواصل العمل الجماهيري، وأضاف: «شعرنا في التحالف أن حزب المؤتمر الوطني قد أدى بالوطن إلى الهاوية، لذلك قصدنا تنبيه المؤتمر الوطني إلى إرجاع السودان من حافة الهاوية، وأن البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تساعد البلد من الوقوع في الهاوية ذهبنا وظننا أنهم نواب هذا الشعب».
وفي الوقت نفسه شن مناوي هجوما عنيفا على حزب المؤتمر الوطني، وأعلن تأييده الشديد لـ«أحزاب إعلان جوبا»، ورفض منع الحكومة قيام مسيرة الاثنين. وقال مناوي، وهو مشارك في الحكم بموجب اتفاق عرف بـ«اتفاق أبوجا»، مستهجنا طريقة حكم البشير: «لا يمكن أن تحشد الدولة لصالح الفرد والباقين»، واشتكى من وضعه في الحكومة بالقول: «أنا مشارك مشاركة هامشية في الحكومة وتسمى كبير المساعدين، وقد يكون مساعد (حلة) أكبر منا»، أي الصبي المساعد لسائق الشاحنة.