مقال بقلم عزالدين حريكة

شكراً إبراهيم الشيخ .
الإنتماء,المقاومة,الصدق .
سنظل واقفين حتى يسقط النظام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم الشيخ البريابي من أسرة بسيطة بساطة غالب الأسر السودانية . ولد في مدينة النهود و ترعرع فيها (لعب في فولة   النهود و في طرقاتها الشليل وينو) ,برز نبوغه في فترة مبكرة و تشبع بقيم أهله في كردفان (التسامح, المحبة , الصدق) ليكمل كل مراحله التعليمية بإمتياز حتى دخوله جامعة الخرطوم كلية الإقتصاد.
لا يختلف الكثيرون بإن كردفان واحد من الأقاليم المهمشة في السودان من حيث التنمية و الخدمات و غيرها و هنا أذكر قصة زيارة حزب المؤتمر السوداني لولاية غرب كردفان في العام 2012و كنت مشرفاً على ترتيبات البناء التنظيمي لمنطقة العضية و في أحدى الجلسات مع شباب العضية (تعتبر العضية قرية متوسطة من حيث السكان و لا توجد بها خدمات مثل العلاج والتعليم و مع ذلك العضية رئاسة محلية ) و حديثنا عن كيفية تطوير شباب المنطقة إكتشفت أشياء كثيرة محزنة شباب يندبون حظهم و يتألمون من ضياع مستقبلهم و يعترفون أن نظام الإنقاذ هو أسوء نظام حكم السودان . ليصل وفد المؤتمر السوداني و بعد مواجهات عنيفة مع جهاز الأمن في الزيارة التي سبقت العضية و كانت إلى مناطق عيال بخيت و الخوي و تدخل الأهالي لحماية وفد المؤتمر السوداني و أذكر أيضا كيف عذب صديقي عبدالماجد أزرق عندما أعتقل في فترة سابقة و كيف عامله جهاز الأمن و المخابرات و كان مديره من أحد القبائل التي تنتمي لمجموعة القبائل النوبية رغم ذلك كان يكيل له السباب بمبررات عنصرية كعادة جال جهاز أمن البشير.
مدينة النهود تعتبر من أصغر المدن السودانية و سكانها من صغار المزارعين و غالبهم من الفقراء و بعض من التجار متوسطي الدخل الذين يعتمودون على وسائل التجارة التقليدية في البيع و هم في الغالب ضعيفي الوعي و هذا واضح من خلال مواقفهم و مساهماتهم في تنمية و تطوير مدينتهم إلا أن موقع المدينة المميز كخط للمواصلات ساعد في عملية الإتصال الإجتماعي مما شكل نموذج للتعايش السلمي و هنا يجدر القول أن دراسة تجربة كردفان في التعايش السلمي قد يساعد كثيرا في إستنتاج أو إستخلاص تجربة ممتازة (صناعة المصالحة الوطنية) و في كردفان القيم الإجتماعية و الأخلاقية و الثقافية هي التي تحكم المجتمع و ليست قوانين الدولة الجاهلة أو المتجاهلة لواقع التعدد الإجتماعي و الثقافي و التاريخي و حقائق التعايش السلمي. نشأ إبراهيم في مثل هكذا ظروف و أكتسب منهم عاداتهم الإيجابية و شكل وعيه الأولي نقياً عفيفاً بين أهله و لكن عندما تصطدم القوانين القيمية العليا (قوانين التنشئة و الثقافة و القيم الأخلاقية المجتمعية) العادات التقاليد و هي الحاكمة فعلياً لحركة المجتمع مع قوانين الدولة (خاصة في حكم الدكتاتوريين و العسكرو الإنقلابيين بمختلف أيدلوجياتهم الفكرية و مشاريعهم الإستغلالية) تصبح إتجاهات الإنحطاط و السقوط أو الإنهيار هي الأقرب إلى الواقع و هذا يوافق خلاصات أبكر أدم إسماعيل في جدليته (الهامش و المركز قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان).
هذه الظروف ساعدت إبراهيم الشيخ في أن يشكل وعياً سياسياً مبكراً و بعد دخوله الجامعة إنتمى إلى حركة طلابية جديدة وليدة من رحم معاناة السودانيين (تعتبر الحركة المستقلة حركة وطنية جديدة و إنطلقت منذ بدياتها في قراءة الواقع مقدماً نموذجاً جديدة و خطاباً مميزاً يعبر عن ماهية المستقلين و منطلقاتهم الفكرية المنحازة للوطن و دعواتهم إلى تشكيل عقلية سودانية بمركزية واقعية تفهم حقائق التعدد الثقافي و التاريخي لشعوب السودان من أجل مستقبل أفضل ) مؤتمر الطلاب المستقلين خلاصة الحوار الطلابي .و إنطلق منها رافضا سياسات الدكتاتور جعفر محمد نميري و يوم إكتوبر كان إبراهيم الشيخ في مقدمة الحركة الثورية مشاركاً و قائداً للحركة الطلابية من موقعه في إتحاد طلاب جامعة الخرطوم , لذا لم أندهش حين كان حضوراً و للمرة الثانية في هبة سبتمبر و مظاهرات 2012 و ما أجمله من حظ في المشاركة في كل محطات التغيير فرداً و قائداً (إتحاد طلاب جامعة الخرطوم – رئيس حزب المؤتمر السوداني).
المؤتمر العام الثالث لحزب المؤتمر السوداني هو البداية الثانية لإبراهيم الشيخ في عودته كقائد للحركة السياسية بعد نجاحه في تجربته الأولى قيادة الحركة الطلابية و نعتبر ودالشيخ البريابي أحد قيادات الهامش الفطنة و الأمينة لمشروع الثورة السودانية و هو قائد بلا شك بمقدرات عالية و هذا ما يقوله تجربته وسط المستقلين و هنا يجدر الذكر بأن فترة رئاسته للمكتب التنفيذي لحزب المؤتمر السوداني هي فترة صعود الحزب و بروزه كحزب فاعل في واقع المقاومة السياسية المدنية مع إشارة إلتزام الحزب المبدئي (سلمية التغيير إذ لم يشارك الحزب في تجربة التجمع الوطني الديمقراطي و لم يوقع إتفاق مع نظام الإنقاذ على الرغم من الإستهداف و القتل و الإختطاف وغيرها من سياسات التخويف و القمع ) و وفقاً لتعريف الهامش المنهجي و الواقعي , لعبت الخصائص الأخلاقية و الفكرية و روح الإنتماء عند إبراهيم الشيخ دوراً كبيراً في خطواته السياسية و ظهوره كبطل سياسي و مع إزدياد حدة الصراع و تعقيدات المعادلة السياسية و الإستقطاب القبلي الحاد و إستخدام الدين آلة الشحن النفسي و العنصرية في خطاب الشحن و التعبئة يتقدم إبراهيم الشيخ الصفوف كما في مظاهرات 2012 و سبتمبر 2013 كأنه عضوء جديد في مؤتمر الطلاب المستقلين (و هنا كأنه يعبر عن مضمون التضحية و هي مسألة مهمة و من الصفات الضرورية في القيادةو هذه محطة مناسبة للقول أن مؤتمر الطلاب المستقلين تجربة فريدة و حالة إجتماعية في قيد التشكل و بالضرورة نعتبره حركة سياسية فكرية بأسس جديدة و يمكن القول أن مؤتمر الطلاب المستقلين بوتقة التشكل الحر و الفكر السوداني المستقل).
يقضي إبراهيم الشيخ هذه الفترة في ظلمات سجن العسكر بإرادة السلطة القاهرة بتهمة لا تستطيع حتى قيادة الدولة السياسية و العسكرية إنكارها (فرضية إستيعاب قوات تدربت خارج جهاز الدولة العسكرية و الأمنية و نشك كثيراً في عقيدتها القتالية و العسكرية و حتى وطنيتها و إستيعابها في القوات النظامية بل و إستدعائها لحماية الخرطوم ) و لكنها تهمة أودت بإبراهيم السجن و لسخرية الأحداث (أرض مولده أرض سجنه و الجلاد يسلك سلوك المستعمر بفتح العين و كسر الميم) , و لكنها فترة مهمة في حياة ومراحل إبراهيم كي يؤهل لقيادة الحركة الثورية و التغيير.
إن الفترة التي قضاها إبراهيم الشيخ في السجن كشف عدم إحترام النظام الإنقلابي للقيادات السياسية الوطنية و أن قوانيين أمنهم ما هي إلا إمتداد لقوانين التدمير (سياسيات الصالح العام , قوانين الأمن , قوانين النظام العام , الخصخصة , سياسات التجنيد الإجباري , …..) و بذلك سقطت ورقة التوت (الحوار بتاع البشير) إذ سجن إبراهيم الشيخ وضع قوى الحوار في تحدٍ صعب.
بداية عهد الإنقلابيين (الإنقاذ) هي الفترة التي سجلت جرائم ضد إنسانية (التصفية,الجهاد,التجنيد الإجباري ,الصالح العام ,قوانين الطوارئ ,….)
في بعض الرويات شملت حتى بعض من القيادات السياسية في الإنقاذ (بيوكوان, نايل أيدام ,…..) و من واقع التاريخ تتصف الحركات الإسلامية (الأخوان المسلمين , الجماعات الجهادية , …) بسياسات التصفية و الغدر و لكن خلاصة سياسات التجربة الإنقاذية (المشروع الحضاري الرسالي الديني ) هو إنحطاط الدولة السودانية و تقسمها و هنا نشك كثيراً في الطريقة التي يتعامل بها جهاز الأمن مع إبراهيم الشيخ و لا نستبعد تفكير بعضهم بتصفية إبراهيم الشيخ إلا أن تطور أدوات الرقابة و نقل الخبر و المتابعة ربما و حساسية الظروف التي يمر بها السودان قد حاصرت تيار التصفية داخل جهاز الأمن و لكن مع حادثة إغتيال شاهد قضية الأقطان تظل كل الفرضيات ممكنة في السياسة السودانية و قتل الشيخ في المنطقة التي ولد فيه و حيث ينتمي قبلياً ربما قد تفتح أبواب شر كثيرة للمؤتمر الوطني و من المؤكد إنهم لا يريدون ذلك لأن بعضهم يريد فقط الوصول إلى الإنتخابات القادمة لكسب شركاء جدد ربما قد يساعدهم في العبور من هذه المحطة إلى حين أن يجعل الله أمره بين السودانيين (يعني عايزين يجروا بينا هوا لمن يموتوا).
المواقف التاريخية و الأخلاقية و قيم النزاهة و الأمانة و إحساس الإنتماء عند المستقلين هي التي صنعت قوة حزب المؤتمر السوداني و المتابع لمراحل تطور و تشكل المؤتمر السوداني (يمكنه القول أنه حزب نشأ بجهد شعبي صفوي سوداني خالص ) , إستند السوداني بشكل أساسي على رافده التاريخي (مؤتمر الطلاب المستقلين ) و لكن تطور الأحداث و التحديات تحول السوداني إلي حزب جماهيري برامجي و إستطاع أن يوجد طريقته و تأثيره في النضال المدني ( هنا يظهر التحدي السياسي و الحزب يرتب لمؤتمره العام الخامس و بعد إختلاف القراءات السياسية و تحول إبراهيم الشيخ إلى قائد لكثير من الجماهير
المتطلعة للثورة السودانية خاصة وسط الشباب و قطاعات واسعة من المجتمع و هنا يأتي سؤال : هل سيسمح المؤتمر العام القادم بتعديل المادة التي لا تسمح بترشح العضوء لأكثر من فترتين أو دورتين رئاسيتين لتصبح بدلا عن دورتين فقط إلى ثلاث دورات فقط ؟ و لكني أستبعد حدوث ذلك خاصة وسط تيار المستقلين مدمني التفكير العقلاني القيمي و مع ذلك أراهن على حركة الإبداع عند المستقلين في وضع إبراهيم الشيخ في موقع ممتاز بحيث يستطيع أن يلعب مع تيم المكتب التنفيذي الجديد أدواراً جديدة فقط يحتاج ذلك إلى تفكير أشبه بعملية حفر الجدار).
إكتسب العام 2010 أهمية كبيرة في التحليل و الدراسة وسط المستقلين لأنه عام إستحق لقب عام التحولات الكبيرة في السياسية السودانية (الإتفاق السياسي بين شركاء السلطة لفصل الجنوب , تفاقم الأوضاع الإنسانية في دارفور , إرهاصات حريق جبال النوبة و الأنقسنا) و تعتبر تجربة الإنتخابات هي من الخطوات المفيدة جدا للمؤتمر السوداني على الرغم من ممارسات الإنقاذ المخالفة لقيم الديمقراطية و التنافس السياسي لأنها تجربة نقلت السوداني من الصفوية إلى الجمهور و إستفاد المستقلون من هذه التجربة بتطوير تجربتهم في الإتصال مع الجمهور و تطوير الخطاب.
سنظل واقفين حتى يسقط النظام:
شكراً إبراهيم الشيخ الموقف و نأمل أن يقدم المؤتمر السوداني برنامجا متكاملا في مؤتمره العام الخامس و هنا ضرورية شمول مشروع البناء شركاء من الواقع السوداني (الإدارات الأهلية و رجال الدين , منظمات المجتمع المدني , و القوى الشبابية……).
إن محاولات كسر موقف المؤتمر السوداني عبر إستهداف رئيسه بالسجن أو التهديد بمصادرة الممتلكات أو بأي من وسائل الضغط القانوني و السياسي والأمني حوله إلى بطل سوداني مثله و مثل على عبداللطيف و حكاية سنرويها للأجيال القادمة عن قصة (عمر الرئيس و إبراهيم البطل) و ربما ننتج فلماً كرتونياً لننمي روح البطولة و التضحية و نطور روح الإنتماء و الوطنية عند الأطفال (قيم الأخوة -المناصرة-التعايش السلمي-المحبة-المسئولية-الثبات).
إن المعادلة تقول : الثورة فعل إجتماعي كامل تصنع من عامة الشعب و ذلك عندما تتراكم تجارب الفشل في البنية الفوقية و تصبح الدولة عالة على المواطنين بدلاً من أن تأدي وظائفها , تتحرك عناصر الثورة في البينة التحتية بشكل غير منتظم و لكن داخل حقل تصوري واحد و عندما تشتد ضغط البنية الفوقية تنفجر البنية التحتية من كل أركانها لتنهار البنية الفوقية على المستوى الصوري و تنتهي السلطة القديمة و لكنها تتأسس بشكل وظيفي و أدائي مختلف و هكذا تتطور المجتمعات.
خلاصة القول أن السودان في أسوء فتراته التاريخية (و هي محطة إنحطاط بلا شك) و لابد من قراءة حقائق الواقع و تحدياته لنحدث النقلة التي نريدها بإسقاط نظام البشير و بداية بناء الوطن و يجب أخذ مسائل العدالة الإنتقالية و الدستور و التنمية و التمييز الإيجابي لمناطق الحرب بمأخذ الجد. لأننا أول ما نحتاجه من خطوات بعد سقوط البشير (المصالحة الإجتماعية- الأمن- الدستور الدائم- مشاريع التنمية- ممارسة سياسية مستقرة).
كن عفوا كما الله يغفر
قل ما تشاء و كن ما تقل .
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *