مفتي السلطان سعادة النائب العام " سلام "

مفتي السلطان سعادة النائب العام ” سلام ”

الجدل القانوني القائم الآن في أورقة الساحة السياسية السودانية هذه الأيام أعطت أبعاد لاجتهادات و فتاوى من قبل بعض القانونيين المنسوبين للمؤتمر الوطني و عل رأسهم مفتي السلطان الاستاذ عبد الباسط سبدرات النائب العام ، حيث قام بلي عنق الحقيقة و قدم فتوى فطيرة ، بالرغم من وجود النص القاطع ، فالمعروف قانوناً و شرعاً (( لا اجتهاد مع النص )) و هذه قاعدة أصولية قانونية و شرعية بديهية . فالمادة 216 من الدستور الانتقالي السوداني لسنة 2005م جاءت واضحة و جلية من غير لبس أو غموض ، حيث وردت تلك المادة في الباب الخامس عشر الفصل الثاني المتعلق بالانتخابات . فالمادة 216 هي المادة المحددة لمواعيد الانتخابات و التي نصت ( تجري انتخابات عامة على كل مستويات الحكم في مواعيد لا يتجاوز نهاية العام الرابع من الفترة الانتقالية ) و بعملية حسابية فإن العام الربع من الفترة الانتقالية ينتهي في 9/7/2009م . فهذه المادة جاءت واضحة المعنى في عبارته و ألفاظه ، و عليه فأن وضوح النص على دلالاته يلزم المفسر بالتقيد بهذا المعنى ، و هو ما يعرف بالمعني الحرفي للنص أو بمنطوق النص . أما اذا لم يتبين معنى النص من خلال ألفاظه و عباراته يلجأ لتحديده عن طرق مقتضيات النص ، أي عن طريق ما يشير إليه فحوى و روح هذا النص . و على هذا الأساس من الناحية القانونية ووفقاً للمادة المذكورة من الدستور يصبح الوضع القائم في البلاد غير دستوري على جميع مستويات الحكم التنفيذية و التشريعية لوضوح نص المادة 216 في ألفاظه و عباراته .
ولما كان الدستور هو الذي يضع النظام القانوني للدولة ، و ينشئ السلطات العامة ، و يحدد ما لها من اختصاصات ، و يبين حقوق الافراد وواجباتهم ، لذا كان من البديهي وجوب أن يكون للدستور المكانة السامية العليا في الدولة دون حاجة للنص عليها في صلبه .
و يترتب علي مبدأ سمو و علو الدستور المبادئ التالية :-
1 – إن جميع القوانين يجب أن تكون خاضعة للدستور ، و أن تتلاءم مع مبادئه و قواعده .
2 –  إذا تعارض نص قانوني مع نص دستوري ، فإن النص الدستوري هو الذي يطبق .
و قد نصت المادة 3 من الدستور الانتقالي لسنة 2005م على الآتي ( الدستور القومي الانتقالي هو القانون الأعلى للبلاد ، و يتوافق معه الدستور الانتقالي لجنوب السودان و دساتير الولايات و جميع القوانين ) .
و بالتالي وفقاً للنص المذكور فإن أي نص وارد في أي قانون آخر أو اتفاقية و يتعارض مع نص المادة 216 من الدستور لا يعتد به فالنص الدستوري هو الذي يطبق .
لقد كان رد مفتي السلطان السيد النائب العام بشأن المادة 216 من الدستور بالآتي ( فهم البعض نص المادة 216 المشار اليها اعلاه على خلاف روح و نصوص اتفاقية السلام الشامل و دستور جمهورية السودان الانتقالي فاعتقدوا أن فراغاً دستورياً سينشأ بعد ذلك التاريخ . إن هذا الادعاء غير سليم من وجهة النظر الدستورية و القانونية المحضة ، إذ أن المادة المشار اليها لم تتضمن جزاء على عدم قيام الانتخابات في الموعد الذي نصت عليه و معلوم أن الجزاء و البطلان لا يجوز الحكم به إلا اذا كان منصوصاً عليه صراحة و هذا ما توافقت عليه كل النظم و الأعراف الدستورية الراسخة ) .
نرد على مفتي السلطان بأن سيادته قد وقع في خطأ من جهة النظر القانونية و الدستورية ، حيث أنه خلط بين تعريف القانون و تعريف القانون الدستوري و طبيعة و مضمون و قواعد كل منهما .
فكما هو معلوم ، إن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته ، حيث إن طبيعته تلزمه بالتعاون مع أفراد الجماعة لكي يضمن العيش و الاستقرار و الأمان ، و من أجل ذلك ، و مع تطور العلاقات بين أفراد الجماعة ظهرت ضرورة وجود قواعد قانونية موحدة توفق بين المصالح المتضاربة وسط هذه الجماعة .
فغاية القانون هي تنظيم العلاقة بين أفراد الجماعة من خلال الملاءمة بين المصالح الناتجة عن هذه العلاقة .
على ضو ذلك يمكن تعريف القانون بشكل عام بأنه ( مجموعة القواعد التي تحكم الروابط و العلاقات الاجتماعية و ترسم للناس سلوكاً معيناً و تفرض جزاء و يطبق على من يخالف هذا السلوك ) .
و من أجل أن تحقق القاعدة القانونية غرضها في تنظيم الروابط الاجتماعية وفقاً لمعايير العدالة و المساواة بين أفراد الجماعة فلا بد أن تكون القاعدة القانونية عامة و مجردة ، أي أنها تخاطب الجميع ، دون تحديد شخص معين بالذات أو مجموعة أشخاص ، بل إنها تسري على جميع من يخضع لشروطها . كما أنها لا تخاطب واقعة معينة بذاتها  بل تستوعب كل الوقائع التي يراد خضوعها لحكمها .
و لكي نضمن طاعة القانون و احترامه ، ضرورة توافر الجزاء عند مخالفة القاعدة القانونية ، لأن إيقاع الجزاء على من يخالف القاعدة القانونية يساهم بشكل فعال في الحد من خروقات القانون و الاستهانة به .
من خلال تعريفنا السابق للقانون و بيان طبيعة القواعد القانونية المكونة له ، يظهر لنا بجلاء بأن القاعدة القانونية تتميز بعدة خصائص ، حيث إنها اجتماعية و قاعدة سلوك و عامة و مصحوبة بجزاء أي ملزمة .
فالسؤال الذي يطرح نفسه فهل هذه الخصائص تنطبق على قواعد القانون الدستوري ؟ .
فالقانون الدستوري تعريفه المفضل هو الذي يؤكد على المفاصل الرئيسية لموضوعات القانون الدستوري ، و التي تتمثل في شكل الدولة و نظام الحكم فيها . لذا يمكن أن نعرف القانون الدستوري بأنه ( مجموعة القواعد القانونية الأساسية التي تحدد ، في ضوء فلسفة معينة شكل الدولة ، و المبادئ التي يعتمدها نظام الحكم في ممارسة سلطاته ) .
إن هذا التعريف يشمل شكل الدولة و طبيعة نظام الحكم فيها ، و بالطبع فإن اصطلاح نظام الحكم يعني في الأساس تحديد السلطات العامة في الدولة من حيث تكوينها و اختصاصاتها و علاقتها التي تربطها ببعضها ، و علاقتها بالأفراد من حيث بيان ما للفرد من حقوق و حريات عامة و ما على الفرد من واجبات .
وفقاً لهذا التعريف بلا شك أن قواعد القانون الدستوري ذات طبيعة اجتماعية لأنها تهتم بتنظيم علاقة الدولة بالجماعات البشرية الخاضعة لسلطان هذه الدولة .    كذلك فإن صفة العمومية تنطبق على قواعد القانون الدستوري ، لأن هذه القواعد لا تخاطب أفراداً معينين بذواتهم ، و لا وقائع محددة بذاتها ، بل تسري على الافراد و الوقائع حسب الخضوع لشروط و أحكام القاعدة الدستورية .
أما بخصوص الجزاء فإن قواعد القانون الدستوري تتضمن عنصر الجزاء ، بالتطابق مع ما بيناه سابقاً حول خصائص القاعدة القانونية . كل ما في الامر أن الجزاء بالنسبة لقواعد القانون الدستوري يختلف عن أشكال الجزاء العادي الذي تختص الدولة بإيقاعه على المخالفين لقواعد القانون ، حيث إن جزاء المخالفات الدستورية تتمثل في رد الفعل الاجتماعي الذي يعبر عنه بالجزاء المعنوي . فأفراد المجتمع ينظرون الى القانون الدستوري ، باعتباره القانون الاساسي للدولة ، نظرة خاصة ، تتمثل في الحرص على تطبيق قواعده و حمايتها من أي تجاوز عليها . لذلك فإن مخالفة هذه القواعد تواجه باستياء أفراد المجتمع الذي يصل أحياناً الى حد الثورة ، أو اللجوء الى  الوسائل السلمية الضاغطة لإيقاف أي تجاوز على قواعد القانون الدستوري .
و هذا ما عبرت عنه قوى المعارضة السياسية السودانية بصورة واضحة في عدم شرعية الحكومة بعد التاسع من يوليو 2009م .
لذلك فإن قوة الرأي العام في المجتمع و مستوى يقظته ووعيه يلعبان الدور الفعال في حماية القواعد الدستورية ، و يشكلان رقابة دستورية هامة و صمام أمان من خروقات الحكومة للدستور .
و بالتالي ما ذهب إليه مفتي السلطان النائب العام غير سليم و لا يتوافق مع قواعد القانون الدستور نصاً و روحاً ، فالجزاء يتضمن في قواعد القانون و ليس الدستور .
أما فتوى مفتي السلطان بشأن المادة 57 من الدستور الانتقالي ، بأن أجل ولاية رئيس الجمهورية يستمر حتى يوليو 2010م . هذا ادعاء زائف يا مفتي السلطان . هل تضحك و تسخر بعقول البشر ؟ . فأنت تعرض خارج الحلبة ، لأن المادة 57 من الدستور ، تعني الرئيس الذي سوف يتم انتخابه و الذي لم ينتخب  بعد . يا مفتي السلطان هل الرئيس الحالي تم انتخابه بموجب الدستور الانتقالي لسنة 2005م ، حتى تنتهي ولايته في يوليو 2010م ؟ يجب عليك التغريد داخل السرب ، و أن يكون منطقك و ردك قانوني و دستوري يقبله العقل و المنطق ، و أنت قانوني يا راجل ؟ !! .
يا مفتي السلطان سعادة النائب العام نبلغك السلام .

و الى الأمام و الكفاح الثوري مستمر
المحامي / حسن بشارة ابراهيم
الجماهيرية
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *