مطارحات حول تبني نموذج اتقافية السلام الشامل( نيفاشا )

حركة /جيش تحرير السودان
الامانة السياسية
مطارحات حول تبني نموذج اتقافية السلام الشامل( نيفاشا )

ان الخطاب السياسي الحالي لحركة / جيش تحرير السودان ، والذي ياسس على اتخاذ نموذج نيفاشا كمدخل لحل الازمة السودانية وتجالياتها في الهامش السوداني، خلق الكثير من التساؤلات حول الدواعي والمبررات لهذا الخطاب السياسي.
وبما اننا  نتبني ذلك النموذج  كمدخل لحل الازمة في شموليتها وتجلياتها في دارفور والمناطق الاخري، نجد انفسا ملزمين ان ندخل في مطارحة جدلية حول الذي نعتبره بمثابة مدخل للحل . وسوف تتاسس متطارحتنا علي توضيح الازمة السودانية وتجلياتها في دارفور والمبررات الموضوعية لتبني نموذج نيفاشا كمدخل لحل ازمة السودانية في دارفور علي حسب ترتيبات نيفاشا للازمة  ومدخلات الحل .

مطارحة اولي :
الاشكالية التي تعاني منها الدولة السودانية تاريخيا تمحورت حول سيطرة كيان اثني / ثقافي محدد علي مفاصل مؤسسات واجهزة الدولة بشكل احادي اقصائي في مجتمع يتميز بالتعدد الاثني والديني والثقافي واحتكارها واستثمارها سياسيا واقتصاديا وثقافيا لتمكين مصالهم وامتيازاتهم واقصاء وتهميش بقية الكيانات الاجتماعية عن مراكز اتخاذ القرار ، مما تربت عليه فقدان الدولة / السلطة لصفة الحياد تجاه كياناتها الاجتماعية الاخري  الامر الذي خلق مجموعة اشكاليات تمظهرت في :
–    هيمنة واحتكار كيان الشمال النيلي علي الاجهزة السيادية والحيوية للدولة أي احتكار السلطة المركزية ومؤسساتها الحيوية.
–    عدم التوزيع العادل للثروة القومية والموارد الطبيعية.
–    استغلال و استبعاد الكيانات الاخري سياسيا واقتصاديا.
–    التقاضي المتعمد عن القيام بمطلبات التنمية في المناطق الطرفية من السودان.
–    فرض الثقافة العربية الاسلامية كثقافة رسمية للدولة واعتبارها المعيار الذي تحدد هوية الدولة علي اساسه.
–    اعادة انتاج الآخر في حقل الثقافة العربية الاسلامية وتذويب مكوناتهم الثقافية والدينية بما يتماهي مع الثقافة العربية الاسلامية.
هذه الوضعية انتجت دولة  سياسيا ترتكز علي الاتباع والاستتباع. واقتصاديا ترتكز علي الاستغلال والاستغلال (بكسر الغين في الاولي وفتحها في الثانية).   واجتماعيا علي الاستعلاء والاستعباد . الامر الذي ادخل الدولة السودانية في صراعات وحروبات  داخلية مع ذاتها تجلت في الازمة الحالية للسودان في دارفور . وما ترتب عليها من استخدام الحكومة المركزية للعنف لاعادة ترويض وقهر القوة المعارضة لممارسات السلطة، ومانتج عنها من تهميش للمنطقة وفشل مشروعات التنمية وانعدام الامن والاستقرار.
فكانت نتيجة استخدام العنف:
–    الفقدان التام للامن والاستقرار بالمنطقة.
–    ارتكاب الحكومة لجرائم حرب وجرائم ابادة وانتهاكات لحقوق الانسان.
–    انزلاق المنطقة في حروبات قبلية بتخطيط ودعم  وتحريض من الحكومة المركزية الامر الذي ادي الي شلل تام لحياة المدنيين وتفكك مريع للنسيج الاجتماعي.
–    التورط المباشر للقوات الحكومية ومليشياتها في عملية الابادة الجماعية وقتل الاطفال والعزل و اغتصاب النساء ونهب الممتلكات.
نتيجة لتلك السياسيات والممارسات الخاطئة والاختلال التاريخي لبنية الدولة في تكوينها وتوجهاتها فشلت في القيام باعباءها تجاه المواطنيين وفي التمتع بصفة الحياد  بين كياناتها الاجتماعية، وقد اصبحت مهدد في استمراريتها كدولة موحدة تستوعب الجميع علي اسس العدل والحرية والديمقراطية والسلام الاجتماعي.

المطارحة الثانية :
للخروج من هذه الوضعية المأزومة التي تاسست علي القهر والاستغلال، لا بد من اعادة تاسيس الدولة السودانية علي اسس جديدة، تضمن حيادية المؤسسات الرسيمة والمشاركة الفاعلة لكل المكونات الاجتماعية في ادارة الدولة ووضع الضوابط والقوانين التي تنظم الممارسة السياسية والتوزيع العادل للثروات القومية والاتفاق علي صيغة جديدة للوحدة الوطنية تقوم علي التراضي وحرية الاختيار
فاذا نظرنا الي اتفاقية السلام الشامل التي تم التوصل اليها بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ، نجد ان الاتفاق يمثل خلاصة التراكم التاريخي للاتفاقيات التي تم التوصل اليها لمعالجة الازمة، وفي تجاوز الاخفاقات التي صاحبت تلك الاتفاقيات ابتداء من :
– مؤتمر المائدة المستديرة في العام .
– اتفاقية اديس ابابا  .
– اتفاقية كوكادام  .
– اتقاقية السلام السودانية  .
– مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية  .
كل هذه  الاتفاقيات عدا مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية  تناولت الازمة السودانية علي اساس انها ازمة  شمال وجنوب ، الا انها في راينا كانت مرتبطة بدرجة الوعي السياسي بطبيعة الصراع ، حيث ان ارتفاع الوعي  في مخاطبة الازمة كانت في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية، الذي احدث تحول جذري في نظرت القوة السياسية الشمالية الي قضية الجنوب وذلك علي النحو التالي :
–    الاعتراف بالخصوصية الثقافية  لشعب جنوب السودان.
–    الاعتراف بالتعدد الاثني والديني والدعوة الي صياغة دستور يستوعب الجميع ويعبر عن ذلك التعدد الذي يزخر به الواقع السوداني.
–    الاقرار بالتهميش والظلم التاريخي للمناطق المهمشة ، والاقرار بتقصير الحكومات الوطينة في القيام بمهام التنمية وخلق المناخ المناسب للتعايش و التوحد القومي بين الكيانات السودانية.
–    الاعتراف بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان وان يكون مضمن في الدستور القومي.
الامر الذي يمثل اضافة في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية ، هو مشاركة الاحزاب السودانية التي كانت جزء من الاخفاق و الخلل التاريخي في التركيبة السياسية السودانية، وتتحمل وزر كثير من المظالم التنموية والانحياز الي كيان الوسط النيلي ضد الكيانات الاخري . فاقرارها بان أس الازمة السودانية يتمثل في فشل الدولة في استيعاب كل المكون الاجتماعي والثقافي والديني، في راينا كانت خطوة متقدمة في طريق الحل الشامل و القومي للازمة السودانية.

مطارحة الثالثة  :
فان تبني حركة / جيش تحرير السودان لنموذج  اتفاقية السلام الشامل باعتبارها خلاصة المنتوج الفكري والنظري للعقل السياسي السوداني في تناول القضايا الوطنية وكيفية التعاطي الموضعي مع مدخلات ومخرجات الازمة وتناولها علي اسس قومية شاملة . خاطبت قضايا التهميش  ببعدها الجغرافي  ومن خلال مسار وتطورها وتعقيدها، و تطرقت الي جوهر الازمة في السودانية المتمثل في عجز الدولة السودانية في اتخاذ موقف الحياد تجاه المكون الاجتماعي والثقافي والاثني والديني والعجز في تحقيق التنمية المتوازنة لكل المكونات علي اسس العدالة والمساواة بين الجميع واحتكار نخبة الكيان النيلي للسلطة والثروة  والسيطرة علي مفاصل الدولة واجهزتها الحيوية وصياغة القوانين الوطنية علي  أسس تكرس للوضعية المختلة التي تمكنهم من الهيمنة علي الدولة والمحافظ علي مكتسباتهم وامتيازاتهم الناتجة عن تلك الوضعية
وما يهمنا اكثر في الاتفاقية، هو المدخل الي حل الازمة السودانية من خلال تحديدها الدقيق لمدخلات الحل التي تمثل في :
–    وضع محددات اجتماعية وسياسية وثقافية تشكل المبادئ  التي يرتكز عليها الحل وتعتبر قاعدة مستقبلية لاسس التعايش الاجتماعي والثقافي بين الكيانات السودانية بما يضمن اعتراف الدولة بخصوصية بعض الكيانات الاجتماعية.
–    اقرار الدولة بتعدد الديانات والمعتقدات والعمل علي خلق المناخ المناسب لمعتنقى تلك الديانات لممارسة شعائرهم الدينية بحرية كاملة والحق في الدعوة والتشبير بدياناتهم.
–    الاعتراف بالظلم والتفاوت التنموي بين الكيانات السودانية.
–    الاقرار بحق تقرير المصير وتضمينه في الدستور ، يتم الاستفتاء حوله بعد فترة محددة من الاتفاق.
–    حكومة مستقلة ذاتيا لجنوب السودان تقوم بأعباء التنمية وحفظ الامن في تلك المنطقة  مع احتفاظ الحركة الشعبية بقواتها خلال فترة الاتفاق.
الا انه في راينا،  بجانب المميزات التي وفرتها الاتفاقية لمعالجة الازمة السودانية فقد شابها بعض القصور في معالجة بعض الجوانب فيما يتعلق بقضية المتضررين من الحرب والنازحين واللاجئن وحقهم في التعويض العادل للضرر الذي لحق بهم جراء سياسيات ومارسات الحكومة المركزية اثناء فترة الحرب . كما ان الاتفاقية انحصرت في معالجة الازمة في اطار ثنائي بين الحركة الشعبية ممثلة للجنوب والمؤتمر الوطني ممثلا عن الشمال مما افقدها ميزة الالتزام القومي.
وفي رأينا كذلك، كان لابد من :
– مشاركة القوة السياسية الاخري في عملية التفاوض والاتفاق.
– التزام الطرفين بمحاكمة المتورطين في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان من الطرفين .
– الزام الحكومة السودانية بتعويض النازحين واللاجئين والمتضررين من الحرب.

مطارحة الرابعة :
فاتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) باعتبارها نتيجة التطور التاريخي لمجموع القراءات الفكرية والسياسية تجاه معالجة الازمة السودانية، تعتبر نموذج ومدخل مناسب لمعالجة تجليات الازمة في بقية اجزاء السودان والازمة الحالة في دارفور وذلك لعدة اعتبارات نجملها في الاتي :
اولا : علي المستوي القومي يقوم الحل لمجمل الازمة السودانية  بمعالجة البنية المختلة للدولة السودانية واعادة بنائهاعلي اسس جديدة تضمن الحرية والعدل والسلام لكل الكيانات السودانية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي وفق الخصوصية الاجتماعية والثقافية للمجتمع السوداني،  ويتاسس ذلك علي على :
–    وضع دستور قومي يعترف بالتعدد والتباين الذي يزخر به المجتمع في السودان يضمن حرية الاعتقاد والتدين وممارسسة الشعائر الدينية.
– تضيمين المواثيق والعهود الدولية واعتبارها جزء لايتجزء من الدستور        ولايصدر أي قانون مخالف لذلك.
–    مبدأ سيادة القانون  ومراجعة القوانين السارية  بحيث تتوافق مع جوهر المكون الاجتماعي.
–    اعادة تشكيل مؤسسات الدولة بما يضمن مشاركة الكيانات المهمشه في مؤسسات واجهزة الدولة الحيوية مشاركة فعالة.
–    ضمان حرية التعبير والتنظيم وحرية الطباعة والنشر.
–    وضع الاسس العادلة لتوزيع الثروة الوطنية حسب الكثافة السكانية.
–    وضع خطط وبرامج التنمية المستدامة مع مراعاة حالة التفاوت التنموي للمناطق المهمشة.
–    تضمين حق تقرير المصير لكل الكيانات السودانية باعتباره حق للجميع.
ثانيا :علي المستوي الاقليمي لمعالجة التردى الامني وعدم الاستقرار وحالة التفاوت التاريخي في التنمية والاثار الناتجة عن الحروب الاهلية ومعالجة التفكك الاجتماعي وماترتب عليه من فقدان الثقة بين الكيانات الاجتماعية في الهامش وفقدان الثقة في السلطة المركزية في القيام بأعباء التزماتها تجاه المناطق المهمشة ، فان المدخل المناسب لمعالجة حالة التهميش واعادة البناء للمناطق المتاثرة بالحروب وانعدام التنمية ويقوم ذلك علي الاتي :
–    تمتع المناطق المهمشة بالحكم الاقليمي، وبالمتطلبات الاساسية للحكم المتمثلة في حكومة اقليمية ذات سلطات مستقلة عن المركز( برلمانات تشريعية اقليمية و مستويات حكم اخرى محلية).
–    جيش مستقل وقوات للشرطة تتولي مسئولية  حفظ الامن والاستقرار.
–    السلطات الكاملة في تحديد ووضع برامج التنمية ومعالجة الاثار المترتب عن سوء استغلال الموارد البشرية والطبيعية.
–    السلطة الكاملة في تحديد المناهج و الساسيات التعليمية لمناطقهم.
–    علاقات دولية واقليمية مستقلة بما لايتعارض مع الاعراف والمواثيق الدولية.
في ختام هذه المطارحات :
نشير الي ان حركة / جيش تحرير السودان في سعيها الي المساهمة في حل الازمة السودانية ، وخلق صيغة جديدة للتعايش بين الكيانات السودانية وللخروج بالسودان من النفق المظلم الذي ظل يرزح تحتة لعقود. تقدم مساهماتها النظرية والبرامجية من خلال التفكير في الوضية السودانية من داخل المكون الفكري والنظري للعقلية السودان، وتعمل لخلق واقع جديد باستصحاب الاثر التاريخي الايجابي المتوفر في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع السوداني والبناء عليه لرؤاها وبرامجها السياسية.

الامانة السياسية
شعبة الدراسات والتحليل السياسي
اسامة ادم
Mail:[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *