مصر: «جمعة الغضب» تنتهي بحظر للتجول ونزول الجيش إلى الشوارع

من المواجهات في القاهرة أمس-ا ب
من المواجهات في القاهرة أمس-ا ب

مصر: «جمعة الغضب» تنتهي بحظر للتجول ونزول الجيش إلى الشوارع

 

القاهرة – أحمد رحيم وأحمد مصطفى

بعد صمت دام أربعة أيام، سعى الرئيس المصري حسني مبارك أمس إلى وضع حد لموجة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ الثلثاء الماضي، بدعوته الجيش إلى النزول إلى الشوارع وفرض حظر تجول في محافظات القاهرة والإسكندرية والسويس، اعتباراً من مساء أمس يسري من الساعة السادسة مساءً وحتى السابعة صباحاً لحين إشعار آخر.

وكان آلاف المصريين خرجوا في تظاهرات حاشدة في «جمعة الغضب» التي كان الاشتباك سمتها بين الغاضبين وقوات الأمن التي استنفرت إلى أقصى حد وأبرزت عصاها الغليظة لمنع تجمع المتظاهرين في الميادين الرئيسة وعمدت إلى مختلف الأساليب لتفريقهم. وأحرقت مقرات لـ «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم في محافظات عدة، بينها مقره الرئيس في القاهرة.

ودوت أصوات القنابل المسيلة للدموع وانتشرت أدخنتها في سماء القاهرة وعواصم عدد من المحافظات وسقط قتلى وعشرات الجرحى من المتظاهرين واعتقل المئات في مناطق متفرقة قبل وأثناء انضمامهم إلى التظاهرات. وكان أبرز المعتقلين ثمانية من أعضاء من مكتب إرشاد «الإخوان المسلمين» وعدد من نوابها السابقين.

ومع تصاعد الاحتجاجات، بث التلفزيون الرسمي مع اقتراب الليل بياناً جاء فيه انه «نظراً إلى ما شهدته بعض المحافظات من أعمال شغب وعنف وعمليات نهب وسلب واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة التي طالت بعض البنوك والفنادق، أصدر الحاكم العسكري قراراً بحظر التجول في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة و6 أكتوبر وحلوان والقليوبية) والإسكندرية والسويس اعتباراً من الساعة السادسة مساء الجمعة وحتى السابعة من صباح السبت ولحين إشعار آخر». وأضاف أن «الحاكم العسكري أصدر قراراً بأن تقوم القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة بتنفيذ هذا القرار والحفاظ على الأمن وتأمين المنشآت والممتلكات العامة والخاصة».

وبعدها بدقائق، شوهدت مدرعات الجيش، خصوصاً قوات الحرس الجمهوري، في محيط مقر التلفزيون الرسمي ووزارة الخارجية، كما انتشرت الدبابات في شوارع مدينة السويس التي شهدت أعنف الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة على مدى اليومين الماضيين.

وكانت التظاهرات عمت محافظات مصر ومدنها ووقعت اشتباكات دامية بين قوات الأمن والمحتجين. وضربت قوات الشرطة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ورئيس «حزب الجبهة الديموقراطية» أسامة الغزالي حرب والصحافي البارز إبراهيم عيسى لدى محاولتهم الخروج إلى الشارع في تظاهرة حاشدة من مسجد الاستقامة في محافظة الجيزة بعد أداء صلاة الجمعة.

وأوقفت الشرطة عدداً من الصحافيين والإعلاميين واعتدت على آخرين وصادرت كاميراتهم وأشرطتهم. وانقطعت الاتصالات اللاسلكية في مصر تماماً وشبكات الهواتف المحمولة وشبكة الانترنت، كما قطعت الاتصالات الأرضية عن بعض مكاتب وكالات الأنباء والصحف الدولية، ومع اقتراب ساعات الليل حجبت السلطات بث قناة «الجزيرة» القطرية التي كانت تبث وقائع حية من التظاهرات.

وكان لافتاً الصمت الرسمي للمسؤولين في الحكومة المصرية، إذ اكتفى التلفزيون الرسمي ببث تصريحات للمحافظين أكدوا فيها السيطرة على الأوضاع في محافظاتهم وهدوء التظاهرات. وبدا ان السلطات المصرية غاضبة من تغطية القنوات الفضائية والأجنبية للتظاهرات، إذ دعت وزارة الداخلية المواطنين إلى «عدم الانزعاج من التضخيم الإعلامي المبالغ فيه والشائعات».

وأحرق المتظاهرون سيارة شرطة قرب ميدان عبدالمنعم رياض في وسط القاهرة. واندلعت اشتباكات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين في القاهرة والسويس والإسماعيلية والإسكندرية والمنيا وسيناء وسوهاج والبحيرة والجيزة والمنوفية والغربية والشرقية وأسوان، ما أدى إلى سقوط قتلى لم يعرف عددهم وعشرات الجرحى بينهم عناصر من الشرطة.

وأكدت وزارة الداخلية أنها «تسيطر على الموقف» وأن «الأمور لم تخرج عن السيطرة»، وحمّلت «بعض العناصر الإجرامية» مسؤولية العنف، مشددة على أنها «ستتصدى بحزم لأي محاولة للخروج على الشرعية ولمواجهة أعمال الفوضى والسلب والنهب». وقالت إن التظاهرات بدأت سلمية لكنها تحولت إلى العنف.

ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم، إذ لم تشهد التظاهرات أي مطالب اجتماعية أو فئوية، ووحدت الهتافات تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، فيما وحَّدَ خطباء الجمعة في مختلف المساجد خطبهم للحديث عن «نعمة الأمن والاستقرار التي تستوجب الشكر» والتحذير من الفوضى وأضرارها، وهو النهج الذي اتبعه أيضاً التلفزيون الرسمي.

وفي ساحة واسعة أمام مسجد الاستقامة في الجيزة، التف مئات النشطاء حول البرادعي الذي صلى الجمعة في الشارع وسط هتافات مؤيدة له. وبعد انتهاء الصلاة، طلب البرادعي والناشطون المؤيدون له من المصلين أداء صلاة الغائب على أرواح «شهداء انتفاضة الغضب»، لكن خروج الآلاف من المسجد يهتفون بـ «إسقاط النظام» حال دون اتمامها.

وتوسط البرادعي عيسى والغزالي حرب في قيادة التظاهرة التي طوقتها قوات الأمن من كل الاتجاهات لمنعها من الخروج الى الشارع. وتقدم البرادعي المتظاهرين في مواجهة قوات الأمن، التي أظهرت عصاها من اللحظة الأولى، فضربت البرادعي ومرافقيه وفتحت خراطيم المياه على المتظاهرين، وهو ما أدى الى تراجعهم قبل أن يكرروا المحاولة، لكن هراوات الأمن أفشلتها وأحكمت طوقها.

وظل المتظاهرون يرددون هتافات مطالبة بـ «إسقاط النظام». وبدا البرادعي مذهولاً من طريقة تعامل الأمن الذي لم يترك أي فرصة للبرادعي ومرافقيه للحديث مع القيادات الأمنية وطلب ترك الفرصة لهم للخروج الى الشارع. وبعدها بساعات، أعلنت السلطات وضع البرادعي رهن الإقامة الجبرية في منزله.

وانتشرت عناصر أمنية بزي مدني وسط الجماهير اثناء صلاة الجمعة. وضربت قوات الأمن حصاراً شديداً على ميدان التحرير في قلب العاصمة وعزلته تماماً عن محيطه بآلاف من الجنود الذين سدوا كل الطرق المؤدية إليه ومنعت الصلاة في مسجد عمر مكرم القريب من الميدان وأوقفت حركة مترو الأنفاق في محطتي «أنور السادات» في الميدان و «جمال عبدالناصر» حيث مقر نقابتي الصحافيين والمحامين ودار القضاء العالي.

وأوقفت قوات الأمن حركة السير على كوبري (جسر) قصر النيل المؤدي إلى ميدان التحرير وانتشرت عناصر أمنية على جسور وسط القاهرة. وخرجت تظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر قبل أن تمنعها قوات الأمن من الوصول إلى ميدان العتبة. وإزاء الطوق الأمني الذي فرض على ميدان التحرير توجه المتظاهرون إلى ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض القريب منه، لتسقط قتيلة وعشرات الجرحى في المواجهات التي اندلعت فيه بين آلاف المتظاهرين وقوات الأمن.

وتجمع عشرات الآلاف في شارع قصر العيني قرب مقرّي الحكومة والبرلمان، لكن قوات الأمن فرّقتهم. وبدا لافتاً انتشار التظاهرات في الأحياء الراقية للمرة الأولى في ضواحي المعادي والقاهرة الجديدة والتجمع الخامس ومدينة نصر والمهندسين ومصر الجديدة التي شهدت تظاهرة قرب القصر الرئاسي ومطاردات للمتظاهرين.

وانطلقت تظاهرات من أحياء عدة في القاهرة والجيزة، كشبرا وفيصل والهرم والمطرية. ولجأ الأمن إلى إطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين ومنع تجمعهم واستخدم اساليب مختلفة في سبيل ذلك تنوعت ما بين الضرب والتفتيت والتطويق. ونفذ حملة اعتقالات في الشوارع قبل انضمام الشباب الى التظاهرات وأثنائها طالت المئات.

وتصدرت محافظة السويس مشهد التظاهرات أمس مثلما كان الحال خلال الأيام الماضية وسط حصار ضُرب على المدينة التي كانت شهدت احتجاجات عنيفة بعد مقتل 4 متظاهرين خلال الأيام الثلاثة الماضية. وسقط أمس قتيل خامس في السويس التي اقتحم المتظاهرون فيها مقر قسم شرطة الأربعين واستولوا على أسلحته. وتحدث شهود عيان عن فرار جنود الأمن المركزي أمام جحافل المتظاهرين.

واتهم مصدر أمني «عصابات إجرامية» بتنفيذ عمليات سلب ونهب في المنشآت العامة والمجمعات الغذائية في المدينة. كما اقتحم المتظاهرون مقرات الحزب الحاكم في القاهرة والسويس ودمياط والمنصورة والأقصر وكوم أمبو (في صعيد مصر)، وأضرموا النار فيها، كما اقتحم متظاهرون استراحة محافظة الأقصر وأحرقوها.

وفي الاسكندرية، وقعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين الخارجين من مسجد «القائد ابراهيم» وقوات الأمن أدت إلى إصابة العشرات واعتقال آخرين، كما دارت مواجهات ساخنة بين الغاضبين وقوات الأمن في سيناء، خصوصاً مدينتي العريش والشيخ زويد أطلق فيها المتظاهرون الأعيرة النارية على قوات الأمن التي ردت بقذائف «ار بي جيه».

وكانت السلطات استبقت «جمعة الغضب» بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات النشطاء ونحو مئة من قيادات جماعة «الإخوان» التي حمّلتها وزارة الداخلية مسؤولية تصاعد الاحتجاجات، على رغم غيابها عن التظاهرات. وبين المعتقلين عدد من نواب الجماعة السابقين و8 من أعضاء مكتب إرشادها أبرزهم رئيس المكتب السياسي الناطق باسم الجماعة عصام العريان ومحمد مرسي وسعد الكتاتني وكذلك قيادات بارزة في مكاتب المحافظات.

دولياً، خرجت تظاهرات تضامنية أمام السفارات المصرية في بيروت وتونس ولندن واسطنبول وباريس وأثينا. وقالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي أمس، إن السلطات المصرية اعتقلت أكثر من ألف شخص خلال التظاهرات، ودعتها إلى أن تسمح بالتظاهر من دون خوف والكف عن محاولة إسكات المعارضين.

وفي لندن، اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن «مطالب» المتظاهرين المصريين «مشروعة»، داعياً إلى تجنب العنف. وقال: «أشعر بقلق بالغ للصور التي شاهدتها من مصر… توجد أعداد كبيرة من الناس في الشوارع، ويلوح خطر كبير من اندلاع العنف، ولذلك ندعو جميع الأطراف إلى تجنب العنف. ومن المهم إدراك أن الناس المشاركين في التظاهرات لديهم شكاوى مشروعة، اقتصادية وسياسية يجب أن تستجيب السلطات بإيجابية لها، وان تكون قادرة على أن تحيي أمل واحتمالات الإصلاح في المستقبل. هذا هو الحل لهذه الاوضاع، وليس القمع».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *