مصادر فرنسية رسمية: لا مساومة بين وضع البشير وقبول الخرطوم نتائج الاستفتاء
أكثر ما نخشاه إعلان الانفصال من جانب واحد.. وتخوف من وجود انشقاقات داخل صفوف الجنوبيين
باريس: ميشال أبونجم
بعد نحو 78 يوما، يحل زمن إجراء الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان ما بين انفصاله أو بقائه في إطار سودان موحد.
وترى باريس، التي تتابع عن قرب تطورات الملف السوداني، أن المرحلة «حساسة ومعقدة» بسبب المواضيع الخلافية التي ما زالت قائمة بين فريقي الشمال والجنوب، التي تلخصها المصادر الفرنسية في قضايا أساسية، هي: لوائح الناخبين الجنوبيين، وقضية الجنوبيين المقيمين في الشمال، والاتفاق على ترسيم الحدود بين شطري السودان وتقاسم النفط، وقضية تبعية منطقة أبيي الغنية بالنفط، والتدابير والإجراءات الضرورية لما بعد الاستفتاء، والديون الخارجية، فضلا عن تداخل هذا الملف مع موضوع دارفور، والانعكاسات المتبادلة بينهما، رغم أنهما نظريا منفصلان.
وتبدي المصادر الفرنسية الرسمية المعنية بالملف السوداني، إن في الرئاسة أو في وزارة الخارجية، حرصا على متابعة الموضوع لما له من «انعكاسات» على أمن المنطقة الإقليمي (تشاد، الصومال، القرن الأفريقي، منطقة البحيرات)، وغيرها، ولما سيتركه من آثار على قدرة المنظومة الأفريقية والأمم المتحدة على إدارة النزاعات وحصر انتشارها. وهذا ما يفسر، وفق باريس، اهتمام الدول الخمس دائمة العضوية والدول الأوروبية والمؤتمر الإسلامي والدول العربية والأفريقية.
وتعتبر باريس أن اتفاق الطرفين على ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب «قبل الاستفتاء» أمر «حيوي وأساسي». غير أن الدبلوماسية الفرنسية تؤكد بالمقابل أنه «يتعين الالتزام بالمواعيد المنصوص عليها في اتفاقية السلام» لعام 2005 التي تنص على إجراء الاستفتاء في 9 يناير (كانون الثاني) 2011. وجل ما يمكن أن تقبل به فرنسا «تأجيل تقني» وليس «تأجيلا سياسيا»، خصوصا «لفترة محدودة». وبذلك تكون فرنسا قد قسمت التفاحة قسمين متعادلين: فهي من جهة توافق الحكومة المركزية في قولها إنه يتعين الاتفاق على الحدود قبل الاستفتاء، ولكنها في المقلب الثاني تدعم الجنوبيين بتأكيدها ضرورة إجراء الاستفتاء في زمانه ولا تقبل تأجيله إلا لأسباب تقنية. أما بالنسبة للاستفتاء حول مصير منطقة أبيي الغنية بالنفط، فتشدد باريس على ضرورة تلازمه مع الاستفتاء الجنوبي، لكنها لا تجد غضاضة إن أُجري لاحقا بسبب الخلافات التي ما زالت قائمة بين الطرفين حول هذه المنطقة. وتتمثل هذه الخلافات بتقاسم النفط وحق الرعي ومصير القبائل الشمالية الموجودة فيها وتحديد لوائح الشطب وحق الانتخاب.
وتشدد المصادر الفرنسية على «رسالتين»، الأولى: أهمية أن تتم هذه العملية في أجواء «مسالمة» ليتحاشى السودان حربا إضافية تزيد من مآسيه، والثانية: التحذير من أنه لا مصلحة لأي طرف إقليمي، خصوصا الدول التي لها حدود مع السودان، من تدهور الوضع واندلاع العنف على نطاق واسع، مشيرة بالاسم إلى تشاد وكينيا وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها. وتعتبر باريس أن نقطة الضعف الأولى في المسار الحالي هي «غياب الثقة» بين الجانبين الشمالي والجنوبي وهو ما تعول الوساطات الأفريقية والأسرة الدولية على تفادي انعكاساته. ومن العقبات الكأداء صعوبة اقتناع الشماليين بانفصال شطر مهم من البلاد وقيام دولة جديدة، على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تحصل في أفريقيا. وترى باريس وراء مشكلات الفتنة والمشكلات التقنية التي تحول دون الوصول إلى تفاهم «بعدا سياسيا، خصوصا تمسك الشمال بالوحدة وعدم هضمه لفكرة الانفصال» رغم إعلان قادته سلفا احترامهم المسبق لنتائج الاستفتاء. وتربط باريس بين قمة نيويورك حول السودان في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي والاجتماعات التي تجرى في أطر مختلفة، وبين السعي إلى إقناع الخرطوم بقبول نتائج الاستفتاء مهما كانت.
غير أن ما تريد باريس، ومعها الأسرة الدولية، تحاشيه بالدرجة الأولى؛ نظرا لخطورته، هو أن يقوم الجنوبيون بإعلان انفصال الجنوب من طرف واحد؛ إذ ترى في ذلك بابا للحرب. وهي تنبه الخرطوم من التصرف بشكل يدفع الجنوبيين لهذا الإجراء، ما يبرر لاحقا رد فعل الشمال، كما تنبه الجنوبيين إلى خطورة هذا الإجراء. غير أن المصادر الفرنسية تبدي تخوفها من وجود انشقاقات داخل صفوف الجنوبيين بين متشدد يريد الانفصال بأي ثمن ومهما كانت الظروف، وبين فريق «معتدل» يريد أن يتم الانفصال بهدوء.
وترد المصادر الفرنسية على من يرى أن هناك إمكانية «لإرضاء» الخرطوم حتى تقبل نتائج الاستفتاء إذا وعدت بالتخلي عن ملاحقة الرئيس عمر حسن البشير قضائيا بالقول إنها «لا يمكن أن تقبل بالمساومة بين الأمرين» وإنه يتعين على المحكمة الجزائية الدولية «الاستمرار في مهماتها» مهما كان وضع الاستفتاء. أما العنصر الثاني فهو التشديد على الحاجة «لمواكبة» الدولة الجديدة التي قد تنشأ عن الاستفتاء عن طريق الضمانات الأمنية «الأمم المتحدة وغيرها» أو عن طريق مساعدتها على إنشاء بناها ودعمها ماليا واقتصاديا.
ولا ترى فرنسا فائدة من نشر قوات أممية على طول الحدود بين الشمال والجنوب البالغة 2111 كم، بل ترى أن الأفضل إقامة مراكز تجمع تكون ضامنا للأمن باعتبار أنه سيكون من المستحيل نشر قوات كافية على طول هذه المسافة.
أما بالنسبة للسياسة الصينية ودورها في السودان، فترى باريس أن بكين، التي احتجت مؤخرا على تقرير دولي يشير إليها على أنها جهة تزود السودان بالسلاح، تلعب دورا «بناء» وأنها مهتمة بالسودان لأكثر من سبب، منها: كونها عضو مجموعة الخمسة، ومنها: مصالحها النفطية والاقتصادية والتجارية في السودان. وترى باريس أن الصين «تريد حلا يحافظ عل الاستقرار في السودان».