السيّد الصادق المهدي، زعيم حزب الأمّة، وإمام الأنصار، أحد أقطاب الحركة السياسية ونجومها البارزين بلا شك.. يتميّز بحضوره الإعلامي الطاغي، ومبادراته المتجدّدة في مختلف ضروب الحياة.. يقول وجهة نظره ثم ينتظر الردود وتفاعلها، يسهر الخلق جراها، وتختلف الأحزاب حولها وتختصم، ويعكف الكلّ على تفسيرها وقياس مراميها وأهدافها..
في الفترة الأخيرة أرسل المهدي تحفّظات عديدة في عدم التحرّك للإسراع في إطاحة النظام بالعنف، أو بدون الاتفاق على البديل، الشيء الذي جعل الكثيرين – بعضهم من داخل حزبه – ينظرون إلى إنّه صار أقرب إلى السلطة الحاكمة من الكيانات المعارضة.. في هذا الجزء الأوّل من الحوار أجاب عن عدد من الأسئلة، التي تدور في أذهان الأفراد والجماعات، وبيان قناعات الإمام، عبر ردود ومبرّرات يتّفق الناس حولها ويختلفون، وتنبع أهمّيتها من المكانة المؤثّرة التي يجلس عليها الرجل، بين القيادات السياسية في البلاد.
********************
الصادق المهدي:
النظام تغيّر “وقال مبروك”
مواقفنا ساهمت في زحزحة الوطني وانعطاف الحركات المسلحة ناحية الحلّ السياسي
بعض المدسوسين خرجوا من الحزب وبعد أن رأوا “اسمو طالع عايزين يجوا يتمسّحوا”
الأمور كانت أقلّ وضوحاً قبل سبتمبر وموافقة النظام على النهج القومي أكثر بروزاً اليوم
في ناس بيسمّوا نفسهم شباب الأمة وانتفاضة حزب الأمة.. “ديل ناس ما عندهم شغلة”
لدينا مقترحنا والآخرون “على كيفهم.. يقولوا العايزين يقولوه”
التكريم نوعٌ من الاعتذار ولم أقل إنّنا اتّفقنا مع النظام
لن نصدّق حتّى نرى ويُقال البيان بالعمل
إذا قررنا الخروج للتظاهر فسنخرج في مائة مدينة وبخطة
***********************
الخرطوم – أحمد عمر خوجلي
**********************
* من يتتبّع أخبار حزب الأمة وبيانات وتصريحات زعيمه، الإمام الصادق المهدي، حول مختلف القضايا، يجد أنّ ربكة ما وغضبا ما، حدث في مكان ما، من آخر تصريح للسيد الإمام؛ بأنّ النظام لابد أن يذهب سلمياً، غضّ النظر عن مبرّر الرؤية، لكن يوجد آخرون يجر عليهم الحديث (كلكله) مثلما أنّه (ينيخ) بآخرين؟
– لا يوجد آخرون في الحزب رفضوا ذلك.
* في الساحة السياسيّة؟
– طبعاً أكيد، ونحن نقول بوضوح؛ إسقاط النظام بالقوّة سيأتي بديكتاتوريّة، ونحن لا نريد أن نتخلّص من ديكتاتوريّة، لنأتي بأخرى، ولكن إسقاط النظام بالوسائل المدنيّة وارد، ووقت ذلك لدينا مقترح يقوم على أن يستنسخ ما حدث في جنوب أفريقيا، بالجلوس حول المائدة المستديرة، لنخطط لخريطة طريق لسلام شامل عادل، وتحول ديموقراطي كامل.. هذا موقف حزب الأمّة، والآخرون (على كيفهم يقولوا العايزين يقولوه).
* توجد كثير من الأمثلة الأخرى، منها أيضاً تكريمكم الأخير، عشيّة الاحتفال بعيد الاستقلال؟
– أنا أصدرت بياناً حول هذا الأمر، وأوضحت فيه “إنّهم قالوا لي عايزين نكرّمك لجائزة قوسي، وأن يكون ذلك في إطار السيّدين” ولم يأت ذلك وفق الاتفاق معي.. على أيّة حال؛ الإنسان العاقل عندما يرى النظام – وهو من اعتدى علينا – يعمل لتكريمنا، نعتبر هذا نوعاً من الاعتذار، وهذا لا يعني أنّ مقابل ذلك أنّنا غيرنا موقفنا من النظام، فنحن وحدنا الذين لم نشارك فيه.. كلّهم شاركوا؛ سواء أكان قبل نيفاشا، أو بعدها.. النظام هو الذي تغيّر وليس نحن.
* لكن هل تنتظرون أن يكون اعتذار النظام لكم بمجرّد تكريم؟
– لا.. يعني أنّنا نقصد أنّ التكريم نوعٌ من الاعتذار، ولم أقل إنّنا اتّفقنا معه.
* لكن النظام يمكن أن يستغل مثل هذه المواقف العابرة لأغراض الدعاية السياسية، التي تساهم في تثبيت أركانه نفسها؟
– وأيضا نحن نستغلها في تثبيت النظام الجديد؛ (ماهو بيقول كلام ونحن بنقول كلام)، ومن الجائز أن يستثمروا ذلك لصالح الدعاية للنظام، لكن عندما نرى الحيثيات الخاصة بمنح جائزة (قوسي) قائمة على أنّني أدعو للديموقراطيّة، وحقوق الإنسان، والسلام الشامل العادل، والحوار بين الأديان والحضارات، وأنّني أعمل على مصالحة المسلمين مع عصرهم، وهذه كلها أشياء معارضة للنظام، وهذا يؤكّد على أنّ النظام تغيّر وقال مبروك.
* لكن، أحيانا مبرّرات السيد الإمام، في كثير من المواقف، ربما يصعب فهمها وتفسيرها لقطاعات وتيارات داخل الحزب؛ مثل الشباب والطلاب؟
– (شوف).. في ناس بيسمّوا نفسهم شباب حزب الأمة، وفي ناس بيسمو نفسهم انتفاضة حزب الأمة.. (ديل ناس ما عندهم شغلة).. تستخدمهم جهات أخرى، لكن حزب الأمّة كقوّة سياسيّة، قراراته قائمة على قرارات مؤسّساته، وهي قرارات واضحة، وظلت تتحدّث دوماً عن نظام جديد، يفضي – كما قلت لك – إلى ما توصّلت إليه جنوب أفريقيا من مصالحة.
* وهل دوائر الحزب ومؤسساته عجزت عن إيصال هذه الرؤية لبعض قطاعاته، من شباب وطلاب؟ فهؤلاء لا يمكن أن ننفي عنهم الانتماء لكيان الأنصار أو للحزب؟
– لم تعجز كل هذه القطاعات ممثلة في المكتب السياسي.
* لماذا لم يتفهّموا الرؤية والمبرّرات؟
– قلت لك هناك أناس مدسوسون على الحزب، خرجوا من حزب الأمة، وبعد أن رأوا (اسمو طالع عايزين يجوا يتمسحو في الحزب).
* لكن هناك أعضاء معروفين وحادبين على الحزب، ومحمد فول مثال مناسب لهؤلاء، ولا يشكّ أحدٌ في أنّهم من الحادبين على مصلحة الحزب؟
– نعم.. صحيح، لكن هؤلاء يسيرون في خطّ غير خطّ الحزب، فهم أحرار في اختيار الطريق الذي يرون، لكن أنا اقول لهم: خطّ الحزب غير ذلك، ولا أنفي وجود أناس حادبين في الحزب، كانوا يرون أنّ على حزب الأمّة أن يخرج في المظاهرات، وهناك من يعتقدون أنّه من الأفضل الاتفاق مع النظام، لكن الحزب يتّخذ قراراته باعتبار كل الآراء.. صحيح، نحن كحزب، لم نقرّر الخروج إلى الشارع، لكن قلنا: أي عضو أراد أن يخرج، من حقّه أن يخرج بشكل فردي، لأنّنا نعتقد أنّ هناك أسبابا.. لكن نحن إذا قرّرنا -كحزب- الخروج إلى الشارع، لابدّ أن نكون قد اتّفقنا على البديل.. لا نريد أن يتغيّر النظام، وندخل في الحيرة التي دخلت فيها كثير من دول الربيع العربي، فلابدّ من الاتّفاق، ونحن عرضنا الاتفاق على الكلّ، وهذا تمّ قبل سنتين من الآن.. ثمّ عليهم الاتفاق على الأسلوب الذي سيتمّ به التغيير، واشترطنا أن يكون أسلوباً خالياً من العنف، لقناعتنا أنّه إذا حدثت إطاحة للنظام بالقوّة، فلابدّ من حراسة البديل بالقوّة أيضاً كما يرى الزعيم غاندي.
* لكن هناك شواهد ماثلة تقول بأنّ المجهودات السلميّة المحدودة التي تحاول تغيير النظام تُقابل بالعنف؟
– صحيح.. لكن النقطة الأساسيّة نحن ننتظر الناس ليصلوا إلى اتفاق، وبعد ذلك نمضي في طريق الخروج والتعبير الحركي.. وإذا كنت متابعا، فإن مواقفنا ساهمت في زحزحة المؤتمر الوطني من مواقفه، وظهور تيارات عديدة من داخله تنادي بذات الأفكار التي ظللنا ننادي بها، وكلّ مرة نشعر أنّ المؤتمر الوطني يريد أن يقول كلاماً في إشارات لتوجهه ناحية النهج القومي، وموقفنا الاستراتيجي هذا نجح كذلك في انعطاف الحركات المسلحة لناحية الحلّ السياسي، ونجد أنّ الأسرة الدولية نفسها اتجهت إلى الحلّ الشامل القومي، بدلاً من الحلول الثنائية.
* ولكن لربما بامكان السلطة أيضاً أن تستثمر في هذا الموقف الاستراتيجي، الذي قلت به، في المسألة الدعائيّة، وكسب الوقت؟
– لا.. كسب الوقت لماذا؟.. الوضع ماشي في هذا الوقت.. النظام محاصر في المشكلة الاقتصادية، وفي المشكلة الأمنية، ومحاصر في علاقاته الدوليّة وظروفها الحالية.. هو غير سعيد بما هو فيه، لذلك أعتقد أنّ النظام صار كثير من رموزه يعترفون بوجود أزمة، وهذا لم يكن موجوداً في السابق، وكذلك بوجود ضرورة للإصلاح، وصاروا كلّ مرة يبشّرون بضرورة التغيير.
* لكن فترة التبشير بالتغيير طالت؟
– لا.. لا.. أنا أتحدّث عن فترة الستّة أشهر الأخيرة.. صحيح قبل حوادث سبتمبر كانت الأمور أقلّ وضوحاً، لكن الآن صارت أكثر وضوحاً، وصار الحديث عن موافقة النظام على النهج القومي أكثر بروزاً وتردداً.. وطبعاً نحن لن نصدّق حتّى نرى، ويقال: البيان بالعمل، لكن، على أيّة حال؛ هناك تغيير في اللغة إلى نهج أقرب إلى القومي، وأنا في رأيي النظام إذا صدق في التغيير، فعليه التزامات، تبدأ بإزالة آثار التمكين، وبقومية كتابة الدستور، والتفاوض من أجل السلام، ووضع برنامج إصلاح اقتصادي، ثم إجراء انتخابات عبر آلية قوميّة، تضمن نزاهتها، بالإضافة إلى اتباع سياسة خارجيّة بدون تبعيّة أو عداوة مع المجتمع الدولي، وأخيراً أن تضطلع بتطبيق كلّ ذلك حكومة قوميّة انتقاليّة، وإذا وافق النظام على هذه الدعوة -التي ظللنا ننادي بها طويلاً- فنحن مستعدّون للتبشير بها، وإقناع القوى السياسيّة التي لا تقبل إطاحة النظام بالقوّة يُمكن أن توافق عليها.
* تحدثت عن التغيير في خطاب وطريقة النظام الذي تسببت فيه حوادث سبتمبر، برغم وجود موقف في عدم جدواها؟
– لا نحن لم نقل لا جدوى لها.
* كمؤسسة.. إذا حزبكم خرج كمؤسّسة، فربّما كانت قوّة الدفع أكبر، والثمار أكثر؟
– لن يكون أقوى وأكثر.. نحن أناس مسؤولون.. نحن إذا أردنا عمل تغيير أوّلاً نحدّد معالم النظام الجديد المتفق عليه، قبل أن نقول “اخرجوا للشارع”.. لابدّ من التخطيط، ولن يكون في مدينة واحدة أو مدينتين.. سنختار مئة مدينة.. لكن ما حصل في سبتمبر تحرك مشروع، لكنه تلقائي وغير مخطّط له.
* لكنك أشرت إلى نتائجه؟
* الشيء التلقائي ولو أتى بنتائج – وأيّ مظاهرة أو أضراب محدود يأتي بنتائج – ولو تابعت في مصر قبل ثورة 25 يناير تجد ثلاثة آلاف مشهد إضراب ومظاهرة وموكب اعتصام، ثم تراكم كلّ ذلك، وجاء بالثورة.. لذلك نحن نقول إنّ كل التحرّكات هي جزء من حراك يتراكم، لكننا لم نقل اخرجوا، لأنّنا لم نخطّط لها كحزب، ونخرج بعمل واسع، يتصل بإمساكنا في يدنا ميثاقا متّفقا عليه، لأنّنا نرى الخلافات حول النظام الجديد الموجودة الآن في داخل المعارضة – كبيرة، فكيف نغيّر النظام ونرى خلافاً واضطراباً شديداً، ونحن نرى ما يحدث الآن في دول الربيع العربي، ونحن نرى أنّ التحرّك العملي مرتهن لشيئين، هما؛ الاتفاق على النظام الجديد، وخطّة واعية لتحرّك واسع جداً، ليس في مدينة أو مدينتين، لكن كلّ الاحتجاجات المختلفة بسبب أخطاء النظام مشروعة، لكنها تظل جزءا من الحراك الذي يصل القمّة، ولا شكّ عندي أنّ ما حدث في سبتمبر زاد من كراهية الحكومة، ورفض سياساتها الاقتصادية، وزاد من قناعة قيادات في السلطة بأن هذا الأسلوب غير مجدٍ، بسبب وقوع ضحايا كثر من الأبرياء، وهذا لا يضيع ولا يتقادم.