خلال بحر الأسبوع الماضي، تفاجأ الشعب السوداني، بما وصلت إليها الأوضاع في نادي المريخ العاصمي، من التردي الإداري، من خلال مشاهدة “آكشن” درامي مثير، بطله المطلق، “القائد الثوري المسّلح” محمد سيد أحمد الجاكومي، رئيس الجبهة الثورية السودانية حالياً، ونائب رئيس المريخ سابقا، وهو يقتحم النادي العريق، بعد تحطيمه الأقفال مستخدمًا “شاكوشًا” صدئا في مشهد أثار استنكارا واسعا من الرأي العام. وحسب إفادات موثوقة، أنّ هذا التصرف غير المسئول من السيد الجاكومي، كان تعبيراً عن رفضه لقرار النادي القاضي بإعفائه من منصبه رئيسًا للجنة المنشآت، حيث أصر على ممارسة نشاطه بالقوة.
لم يتوقع أحدا، أنّ مريخ الحاج عبدالرحمن شاخور، وحسن أبو العائلة، وعبدالحميد حجوج، ومن النجوم المتلألئة، الفاضل سانتو، ومحمد عبدالله مازدا، وحسن دحدوح، وسامي عزالدين، وحامد بريمة، وفيصل العجب، لم يتوقع أحدا أن يصل المريخ العاصمي صاحب الكؤوس المحمولة جوا، إلى هذا المستوى من الفوضى، وينحدر إلى الدرك الأسفل إدارياً وفنيا، باقتحام عرش رئاسته المشبوهين من رموز الرأسمالية الطفيلية، أمثال سوداكول، والمتهورين أمثال الجاكومي!
والجاكومي هذا، بشحمه ولحمه، هو الذي نُصب مؤخرا رئيسا لتحالف الجبهة الثورية السودانية، التحالف الذي يشّكل الحاضنة الفعلية لانقلاب الـ 25 اكتوبر 2021م الذي يسيطر على مقاليد البلاد حاليا، وفيما يبدو أنّ الجبهة الثورية أصبحت “بوباية مشلّحة” وإلاّ لما تركت قيادتها لأمثال المتهور الجاكومي، سيما بعد تشكيل تحالف الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية، بزعامة مبارك أردوك، المتحكم في سبائك ذهب السودان!
بديهيا، أنّ القائد السياسي الجيّد، هو ذلكم الشخص المسؤول الذي يحرص كل الحرص على أن يكون قدوة للنزاهة والاستقامة، الباذل جل وقته لمجتمعه، والمسّخر لمقدراته وعلاقاته لتحقيق أكبر فائدة لعامة الشعب، وهو الذي يكون قادرا على مقاومة الإغراءات المختلفة في الساحة السياسية، من أجل الصدق مع مبادئه، والالتزام بتعهداته، ذو شخصية قوية وكاريزما وضمير حي، مستعد للاستماع إلى احتياجات عامة الناس وتمثيلهم بأمانة، ويكون لديه الشجاعة ليقول ما يجب أن يقال بدلاً عن مجرد إخبار عامة الناس بما يريدون سماعه، في حين أنّ القيادة غير الفعالة تنتج عن قائدا محتالا، يستخدم التلاعب للحصول على ما يريد، دون مبالاة بعواقب تصرفاته.
القائد السياسي الجيد سيحاول دائمًا استخدام أسلوب الإقناع أولاً، ومن الملاحظ، أنّ إحدى الصفات القيادية الرئيسية التي يفتقر إليها العديد من القادة السياسيين في بلادنا، هي القدرة على تحمل المسؤولية،. فالقليلون منهم قادرون على تحمّل المسؤولية عن أخطائهم، والاعتراف بإخفاقاتهم، والاستعداد للمساءلة، وهذه الصفات أمر حاسم للقيادة السياسية الفعّالة، لأنه من دون ذلك، لن يكون هناك أي احتراما له من الأتباع.
يقيننا أنّ ضربة المطرقة تلك، ستكلف السيد الجاكومي الكثير في حياته السياسية والرياضية والاجتماعية، وأنّ الإدانة المتوقعة أمام الأجهزة العدلية، ستكون أهون عليه من إدانة الرأي العام في محاكم الشعب ولعناته عليه، حيث أفادت مصادر صحفية، أنّ لجنة تسيير نادي المريخ أصدرت قرارا، قضي بتعليق عضوية عضو الجمعية العمومية محمد سيد أحمد، بصورةٍ مؤقتة مع تحويله إلى لجنة الانضباط.
وبما أنّ السيد الجاكومي، ليس مواطناً كسائر خلق الله، فهو قياديّ سابق بنادي المريخ، و”زعيم انقلابي مسّلح” فإنّ غلطة الشاطر بعشرة، لذا يحق لأي مواطن سوداني، وليس حاملو بطاقات عضوية النادي فقط، فتح بلاغ التعدي على مرفق عام، وإتلاف الممتلكات ضد السيد رئيس الجبهة الثورية.
وإن كانت الجبهة الثورية كيانا جادا، أو تنظيما منضبطا أخلاقياً وسياسياً، يجب عليها مساءلة رئيسها عن تصرفه الأخير في نادي المريخ، واتخاذ خطوات رادعة ضده، أقلاها نزع الأهلية عنه، وخلعه عن رئاسة التحالف، لكن بما أنّ هذا الكيان الهلامي، دبّر انقلاب الـ 25 من اكتوبر، وشارك في قتل شباب الثورة، وقمع المتظاهرين طلاب الحرية والعدالة والحكم المدني، فلا يرجى منه شيئا، وفاقد الشيء لا يعطيه.
السكوت المتوقع من الجبهة الثورية، حيال التصرف المشين لرئيسها، لا يعني غير شيئا واحدا، أنه تنظيم فوضوي، وتحالف ليس جديرا بالاحترام، إذ أنها لا تحترم القانون، ولا تعتد بالمحاسبية الإدارية، في أعلى هرم قيادتها السياسية، ذلك أنّ الرمزية التاريخية، والمنجزات الرياضية لنادي المريخ كمؤسسة قومية اجتماعية لا تقبل التساهل مع من تسول له نفسه الاعتداء على خصوصيته، واقتحام حرمه بمطرقة من ذهب، ناهيك عن “شاكوش” صدئ!
المتغطرس الجاكومي، يعلم أنّ نادي المريخ ليست ورثة أبيه، ليقتحمه عنوةً وقتما شاء، وليست وكالة بدون بواب، لكي يرتاده كيفما شاء، وإن كان قياديا مسئولا و”مالئ هدومه” أو شبه رجل دولة، لتحدى قرار إقالته من قبل إدارة النادي، بصورة حضارية، بالقانون وعبر المحاكم، وليس بشاكوش مهترئ، ولا شك أنه لديه عنوانين الكاف والفيفا كذلك، إن رأى أنه مظلوما، وأراد الإنصاف!
أمثال الجاكومي، لا يصلحوا أن يكونوا شيوخ حلّال في البوادي النائية، ناهيك عن نادي بحجم المريخ العاصمي، وليسوا برجال دولة! فكيف لأمثاله أن يحاسبوا أحد من منسوبيهم على سوء تصرف، أو إساءة أدب التعامل مع الجماهير أو المرافق العامة! وإذا كان رب البيت للدف ضاربا، فمن البديهي أن تكون شيمة أهل البيت الرقص الماجن.
تقاعس أفراد الشعب السوداني عن دورهم المجتمعي، تكاسلا أو مجاملةً، يعتبر المحّفز الرئيس لمثل هذا السلوك الطائش من أمثال الجاكومي، والساسة “البروس”. ذلك أنّ نادي المريخ العاصمي، ليس حكراً لحاملي بطاقات عضويته أو مشجعيه فريقه فحسب، وإنما هو مرفق قومي عام، ينفق عليه من خزينة الدولة، ومن مال الشعب، وأن السيد الجاكومي بتعديه على مدخل النادي واقتحامه عنوةً قد ارتكب جرمية التعدي بدون تصريح tress pass وكذلك اقترف جرم إتلاف مال عام بتحطميه الأقفال، وأنّ جرم مثل هذه الاعتداءات، واحد، عَظِم قيمة المعتدى عليه أو قلّ.