لِأَجْلِ هَذَاْ يُرِيْدُوْنَ اَلْبَشِيْرَ وَعِصَاْبَتِه ..!
د. فيصل عوض حسن
كَتَبَ الأستاذ عبد القادر باكاش مقالتين مُتتاليتين، حول تسليم ميناء الحاويات ببورتسودان لشركة (ICTSI) الفليبينيَّة، استناداً لبيان الشركة الذي أعلنت فيه عن اتفاقها مع هيئة الموانئ، لإدارة/تشغيل الميناء لمُدَّة 20 سنة. المقالةُ الأولى نَشَرَتها صحيفة صوت برؤوت، بعُنوان (جريمةٌ في الموانئ)، يوم 12 يناير 2019، والمقالة الثانية نَشَرَتها السُّوداني يوم 13 يناير 2019 بعُنوان (مَرَّةً أُخرى: لماذا الشركةُ الفليبينيَّة؟!)، وأوضح باكاش، بأنَّه لم يحصل على أي معلومات/تصريحات رسميَّة حول (تفاصيل) الاتِّفاق، رغم مُلاحقاته المُتواصلة للمعنيين!
الواقع، أنَّ (التعتيم/التضليل) لَازَمَ كافَّة الإجراءات المُتعلِّقة بميناء بورتسودان، إذ شَكَّلَ مُسْتَوْزِر النقل (مَكَّاوي)، لجنةً لدراسة وتعديل ما يلزم في عرض شركة P&O التابعة لموانئ دُبي، تمهيداً (لتوقيعه) خلال شهر من تاريخ قراره رقم 23/2016 في 23 أكتوبر 2016! ووفقاً لصيغة ذلك القرار، انحصر دور اللجنة فقط في تعديل بعض فقرات العرض، وبعبارةٍ أدق، تمَّ تشكيلها لشَرْعَنَة ذلك التخريب! وبعدها بفترةٍ وجيزة، طَرَدَ العُمَّال الشُرفاء وفداً إماراتياً من الميناء بعدما طَالَبَ باستلامها (فارغة)، ثُمَّ استقال المُستشار القانونى للموانئ البحريَّة (اعتراضاً) على شروط العطاء (المُجحفة)، خاصَّةً إتاحة الميناء لـ(20 سنة)! ثُمَّ أعلن المُسْتَوْزِرْ (مَكَّاوي) في 23 نوفمبر 2017، بأنَّهم سيختارون الشركة الفائزة في 7 يناير 2018، ونَقَلَ إجراءات فرز العطاء للخرطوم! ثُمَّ صَرَّحَ نفس المُسْتَوْزِرْ للشرق القَطَرِيَّة في 27 نوفمبر 2017، بأنَّهم يبحثون مع القطريين، منذ 2016، تطوير ميناء (بورتسودان)، وسيُوقِّعون العقود النهائيَّة حال الفراغ من مُباحثاتهم!
وتَوَاصَلَت (التضليلات/الأكاذيب) الإسْلَامَوِيَّة بشأن الميناء، حيث أكَّدَ البشيرُ (شخصياً)، وفق الشروق في 8 فبراير 2018، حِرصه على مصالح العُمَّال وعدم تشريدهم، وبعد أُسبوعين أصدر والي البحر الأحمر قراراً بتخفيض العَمَالة، وفقاً للصيحة في 23 فبراير 2018! ثُمَّ وبلا مُقدِّمات، أعلنت لجنة الطاقة الذَرِّيَّة (الاتحاديَّة)، في 16 مارس 2018، عن وجود (إشعاعات نوويَّة) بمخزن مُهملات ميناء بورتسودان! والمُدهِش، أنَّ هيئة الموانئ هي التي اكتشفت (الإشعاع)، دون توضيح كيف (تَمكَّنت) الهيئة من اكتشاف و(تصنيف) تلك الإشعاعات؟ وهل لديها المُختصين والأدوات اللازمة للقيام بهذه المُهمَّة الخطيرة؟ ولماذا استعانوا بلجنة الطاقة الذَرِّيَّة لو كانوا قادرين عليها؟ وما أثر تلك الإشعاعات على العاملين والسُكَّان؟ وكيف تَمكَّنوا من احتوائها في فترة وجيزة؟! ثُمَّ جاء مُسْتَوْزِرْ الدَّولة للنقل ونَفَى بشدَّة في 12 أبريل 2018، اتجاههم لـ(بيع) أو خصخصة الميناء!
الرَّاجحُ، تبعاً للأكاذيب والتَقَاطُعات أعلاه، أنَّ الإماراتيين استشعروا خطر الحِرَاك الشعبي المُتصاعد، فضغطوا على البشير وعِصابته لاستلام الميناء، ويضعونا (لاحقاً) أمام الأمر الواقع، وما الشركة الفلبينيَّة إلا واجهة/غِطاء لاستكمال هذه الجريمة، خاصَّةً بعد إعلانها بأنَّها ستُدير المحطَّة عبر (فرعها) بدبي، الذي نجهل طاقته وكفاءته التقنيَّة والبشريَّة، ومدى قُدرته على إدارة وتشغيل الميناء، وتجاربه في الموانئ النظيرة وغيرها من المعلومات الهامَّة. ويُعيدنا هذا التدليس الإسْلَامَوِي/الإماراتي، لمُحاولة استغلالهم (الخبيث) انشغال السُّودانيين بالمُلاسَنَاتِ (المصنوعة) بين موسى هلال والمُتأسلمين، في النصف الثاني لعام 2017، حيث سَعوا لإكمال جريمتهم لولا انتباه النقابة البديلة لعُمَّال المواني البحريَّة، التي هدَّدتهم في 11 أغسطس 2017 بتصعيد الاحتجاجات ونقلها للشارع، اعتراضاً على فكرة الإدارة (الكاملة) للميناء لمُدَّة 20 عاماً، وفَضَحَت حَمْلَة التضليل المُنظَّمة لـ(تزيين) التخلُّص من الميناء، وتَعَمُّد تكديس الحاويات بـ(القطوعات المُتكرِّرة) للكهرباء و(عَرْقَلَة) عمليات التخليص وغيرها من الأمور، مما دفع مُسْتَوْزَرْ الدولة للمالية لنِفي بيع أو خصخصة ميناء بورتسودان!
علينا كسُّودانيين رَفْضْ إتاحة الميناء للغير من أساسه، سواء كانت الإمارات أو الشركة الفلبينيَّة، وذلك لِحَساسيَّة الميناء وأهمِّيَّتها الاستراتيجيَّة/السياديَّة، فهي ركيزة (حتميَّة) لاستقلالنا وسيادتنا الوطنيَّة، وهي (رئتنا) ومُتَنَفَّسنا للعالم الخارجي، ومفتاح تجارتنا الدوليَّة ورابط اقتصادنا بالعالم، وتُساهم بـ(عوائدها من العملات الأجنبيَّة) في تحسين ميزان المدفوعات وزيادة النَّاتج المحلي، وتُخَفِّض تكاليف الواردات وتدعم القُدرات التنافُسيَّة للصادرات، وترفع مُستوى الدخل وتُهيئ فرص العمل، بخلاف عوائد ورسوم عبور ورُسُو السُفُن الأجنبيَّة. وهذه – إجمالاً – مُعطياتٌ تمنعنا من إتاحة ميناء بورتسودان للغير مهما كانت المُبرِّرات، سواء بالبيع أو الإدارة أو التشغيل (الكُلِّي أو الجُزئي)، لأنَّها ضد الثوابت السياديَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة المُتعلِّقة بالمنافذ البحريَّة، ويجب (مُعاقبة) من يسعى لذلك بأقصى العقوبات!
ولو تَحَجَّجَ البعض بـ(فِرْيَة) الاستفادة من الخِبرات الأجنبيَّة وتكنولوجيا التشغيل، وغيرها من الحِجَجْ/المُبرِّرات الواهية، نقول بأنَّ المُتأسلمين دَمَّروا ميناء بورتسودان عَمداً، وتَخَلَّصوا من كوادره المُؤهَّلة، واستبدلوهم بآخرين لا يُجيدون سوى النهب والتدمير، وأهملوا صيانة وتطوير الميناء ليجدوا الحِجَّة للتخلُّص منه. وأمَّا عن تكنولوجيا التشغيل وتطوير الميناء وغيرها من الأكاذيب، فهذه أهدافٌ يُمكن تحقيقها بكوادرنا الوطنيَّة المشهودة بالكفاءة والنَّزاهة. ولو تَطلَّبَ الأمر وجود الأجانب، فليكن ذلك بنسبٍ معلومةٍ واتفاقاتٍ دقيقةٍ و(مُعْلَنة)، تضمن حقوق السُّودان الماليَّة والفنِّيَّة (نقل المعرفة للكوادر السُّودانيَّة)، وليس بالخفاء ودون ضماناتٍ/عوائدٍ (معلومة)، كما يفعل البشير وعصابته الآن! علماً بأنَّ الشركة الفليبينيَّة (فشلت) في تجربتها للفترة 2013-2017، وعَجَزَت عن الإيفاء بالتزاماتها، وشَهَدَت تجارة الترانزيت في عهدها تَرَاجعاً كبيراً، حيث بلغت نحو 292 حَاوِية عام 2017 بعدما كانت 1974 حَاوِية عام 2013..!
أُكرِّر ما قلته سابقاً بأنَّ ميناء بورتسودان حالة (استثنائية)، وهي مُؤسَّسةٌ قوميَّةٌ تهم جميع السُّودانيين، وليس فقط الإقليم الشرقي، وبفُقدانها سنختنق جميعاً ونُصبح دولة حبيسة، وهذه كارثة لا قِبَلَ لنا بها. وكما اتَّحدنا الآن لاقتلاع البشير وعصابته من الجذور، لنقف بقُوَّة ونمنع تسليم الميناء وغيرها من مُقدَّراتنا الوطنيَّة للغير، ولندعم النقابة البديلة لعُمَّال الميناء بكافة صور الدعم. ونقول للطَّامعين بأنَّ البشير وعصابته إلى زوالٍ قريب، وسيجدون أنفسهم في مُواجهة الشعب السُّوداني بكامله، فليتحاشوا عداءنا وليبتعدوا عن تحالُفاتهم المشبوهة والخاسرة، وليعلموا بأنَّنا قادرون على إدارة وتطوير مُقدَّراتنا الوطنيَّة ذاتياً، وسنحميها ونستعيد المنهوب منها، وسنُلاحق كل من تآمر علينا دولياً وإقليمياً.