زين العابدين صالح عبد الرحمن
بعد رفع الدعم عن المحروقات من قبل رئيس الجمهورية, و انفجرت التظاهرات في البلاد, و استقبلتها السلطة بوابل من الرصاص الحي, حصدت عشرات المواطنين العزل, ثم رفع ما يسمي بالإصلاحيين مذكرتهم لرئيس الجمهورية, قال النائب الأول هناك فئة تعمل للتخريب في البلاد و سوف يقدمون للمساءلة, و يحاكمون حتى إذا كانوا من ذوي القربة, و هي كما يقول المثل ” إياك أعني و أسمعي يا جارة” و مقصود منها المجموعة التي رفعت المذكرة, بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين و العميد إبراهيم عبد الجليل ” ود إبراهيم” و تحدثت الأخبار عن تشكيل لجنة برئاسة الدكتور أحمد إبراهيم الطاهر و عضوين, و نفت المجموعة الإصلاحية إن الهيئة القيادية للحزب شكلت هذه اللجنة, باعتبار أنهم كانوا حضورا لاجتماع الهيئة القيادية و لم تبت في ذلك, و تشير كل الدلائل إن النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه هو الذي وراء تشكيل اللجنة, و هو الذي أختار عناصرها من قيادة معروفة أنها تابعة له, حيث أن رئيسها كما قالت مجموعة الإصلاحيين أنه رجل لا يعرف غير التوقيع علي القرارات التي تملأ عليه دون أية نقاش, و الدكتور عوض الجاز الذي يعرف في المجتمع السوداني أنه رائد عملية الفساد, و دلالة علي ذلك أبنه الذي محتجز في دول الأمارات العربية, هو يحمل 10 مليون دولار, دون أن تخضع السلطة ذلك لتحقيق حتى إذا كان صوريا, و أخيرا حسبو محمد عبد الرحمن, و هذا الرجل لديه خصومة مع الدكتور غازي صلاح الدين منذ الانتخابات الأسبق للحركة الإسلامية, فالنائب الأول اختار العناصر بعناية لكي يضمن صدور القرارات التي يريدها.
و معروف لكل عضوية الحركة الإسلامية, و المتابعين السياسيين للشأن السوداني, إن مذكرة العشرة التي أطاحت بالدكتور الترابي من السلطة, كان وراءها علي عثمان محمد طه, و لكنه لم يظهر بقوة في المعركة التي كانت دائرة, لآن من خصائص الرجل المعروفة عنه, لا يقدم علي المواجهة بشكل مباشر, و لكن لديه القدرة الفائقة في إدارة المؤامرات من وراء الكواليس, و قدرته علي اكتشاف عناصر تنفيذية تساعده علي تنفيذ ما يريد دون أن تناقش شيئا, و هذا ما كان قد أشار إليه الصحافي حسين خوجلي عندما كتب في ذلك الوقت ( قل للرجل الذي يتخبأ وراء أصبعه أن يظهر للمعركة) و الغريب في الأمر إن الرجل لا يمتلك مقومات القيادي الذي يستطيع أن يقدم شيئا مفيدا في المحورين النظري و التنفيذي, أنما كل ما قدمه لسجل تاريخ العمل السياسي في السودان, هو كمية من المؤامرات, و معروف إن السياسي الذي يصعد للقمة علي أكتاف الآخرين بدعم من خارج دائرة اللوائح التنظيمية, دائما يميل لحياكة المؤامرات, لآن تواضع قدراته الذاتية مقارنة بأقرانه تجعله يميل لمثل هذه الأفعال, و علي عثمان هو الرجل الذي صنعه الدكتور الترابي علي حساب الآخرين.
في مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير, عندما كان الصراع بين تيارين الأول التيار الإصلاحي, و الأخر الحرس القديم, في هذا المؤتمر اتخذ علي عثمان محمد طه تيارا ثالثا, لا نستطيع أن نقول تيارا وسطيا أنما تيارا انتهازيا, جمع العناصر التي لا تريد أن تكون جزءا من ذلك الصراع, خوفا من أن تفقد امتيازاتها و مواقعها في السلطة إذا خسر التيار الذي تنتمي إليه, لذلك فضلت الابتعاد عن التيارين و استغله علي عثمان محمد طه, و استطاع التيار الثالث الانتهازي أن يسيطر علي الموضوع, و قدم علي عثمان شخصيات باهته لقيادة الحركة الإسلامية, و هي شخصيات جبلت علي السمع و الطاعة و تقديس عملية الولاء, و هي شخصيات لا تستطيع أن تقود عملية تغيير في الدولة أو في الحزب أو في أية شأن كان, فهي شخصيات حنبلية تميل للتقليد و المحافظة. حيث كان علي عثمان يريد أن يرسل رسائل من ذلك المؤتمر للمجموعتين الإصلاحية و التي تناكفها و تميل للعسكريين, بأنه يمثل الرقم الصعب في اللعبة السياسية, البعض فهم الرسالة و منهم الرئيس, و البعض الأخر ما يزال يواصل مناكفته.
و عملية الانقلابات و المؤامرات و الشللية داخل الحزب الحاكم هي كلها من صنائع النائب الأول لرئيس الجمهورية, في اعتقاد الرجل كلما كان هناك صراعا خفيا, و حراك يتضمن شبهة المؤامرة, باعتبار إن الكل لا يؤمن بالديمقراطية, يصبح هو شخصيا أمنا لأنه هو الذي يستطيع أن يزيد أو ينقص تلك الانفعالات من وراء الجدار, و يصبح الكل واردين إليه, و المحاولة الانقلابية أراد الرجل بها أن يرسل رسائل للرئيس, و المجموعة التي تعتقد أنها تعتمد علي المؤسسة العسكرية في صراعها مع الآخرين, أن يقول لها إن المؤسسة العسكرية هي نفسها غير أمنة, و لا تمثل سندا قويا, لآن الكل يحتفظ بقوته داخلها, و الرسالة فهمها الرئيس من خلال العفو الذي أصدره علي المجموعة المتهمة و حتى الفريق صلاح قوش, لكي يبقي الصراع مكشوفا, و لكن يظل النائب الأول هو الآلة التي تدير العملية من الخلف.
قبل عملية رفع الدعم عن المحروقات, صرح النائب الأول لرئيس الجمهورية تصريحا نقلته كل وسائل الإعلام و الصحافة ( إن رئيس الجمهورية عمر البشير معتكف هذه الأيام لتقديم مبادرة تحل الأزمة السياسية في البلاد, و توقف كل النزاعات و الحروب) و أراد النائب الأول بهذا التصريح, أن يحرج رئيس الجمهورية, و هو يعلم إن الرئيس لا يملك مقومات و إمكانيات تؤهله أن يقدم مبادرة سياسية, و حتى مقدراته لا تسعفه في أن يلوح بذلك, و في ل 24 سنة التي ظل يحكم فيها الرئيس عرف كيف يفكر, فالرجل ليس لديه غير التلويح بالعصي, و إرسال الاتهامات و التهديد الذي يزيد النار لهيبا, و الرئيس نفسه عندما سئل في مؤتمره الصحفي لرفع الدعم عن المحروقات, أبتسم الرجل ابتسامته الباهتة و التي لا تعرف هي ابتسامة أم تكشيرة, و قال أنه يهدف لحوار حول ثلاثة قضايا ” الدستور – و الأمن – الحكم” و لكن الرجل كان يعرف إن النائب الأول أراد بتصريحه إحراجه سياسيا. و حتى لا نفتري علي السيد رئيس الجمهورية, و إن النائب الأول يعرف إمكانياته المتواضعة جدا, تعالوا نسمع ماذا قال الرئيس في القضارف. قال الرئيس” إن المظاهرات اتبع فيها المتظاهرون الخارجين و المخربين لإسقاط الحكومة” و معروف سياسيا إن الجماهير لا تخرج لكي تسقط الحكومات, الحكومات يسقطها البرلمانات و رؤساء الوزراء و رؤساء الجمهوريات حسب نص الدستور في كل بلد, لكن الجماهير عندما تخرج تسقط النظم السياسية, و المتظاهرون في هتافاتهم كانوا يرددون بإسقاط النظام و ليس الحكومة, فالرجل الذي لا يميز بين الحكومة و النظام السياسي كيف يستطيع أن يقدم مبادرة, لكن كان هدف النائب الأول أن يقول للرئيس ” أنا ليس في حاجة إليك أنما أنت الذي تريدني” لكي يؤكد أنه هو الذي يدير السلطة من وراء الجدار, فالرجل الذي تأمر علي أستاذه و الذي رفع إلي القمة دون الآخرين متجاوزا اللوائح و القوانين التنظيمية, يمكن أن يتأمر علي أية شخص يشكل تهديدا لسلطته و لكن كل من وراء جدار.
و لا يهدأ بال للنائب الأول حتى يخرج المجموعة الإصلاحية من دائرة الحزب التنظيمية, و يجعلهم أمام خيارين, أما تقديم حق الولاء و الطاعة و التنازل عن مطالبهم, أو الخروج عن الحزب, لأنه يعلم إن بقاء المجموعة داخل الحزب سوف تصارع المجموعة بذات القاعدة التي يعتمد عليها علي عثمان في معاركه, الأمر الذي يجعل علي عثمان و مجموعته أمام خيارين أم أن تبحث عن تسوية للمشكلة و تقدم فيها تنازلات, أو أن تجعل الصراع في حدة يضطر علي عثمان أن يقود الصراع علنا, و هي المرحلة التي يتخوف منها, لآن الرجل لا يستطيع أن يتنفس في الجو الصحي, أنما دائما يقود مؤامراته من الخلف.
هناك البعض الذين يلومون المجموعة الإصلاحية بتصريحاتهم أنهم ما يزالون جزء من الحزب الحاكم, و لا يريدون الخروج, هؤلاء يجهلون أسس الصراع في مثل هذه الحالات, باعتبار أن بقائهم في الحزب و تمسكهم بأنهم جزءا من الحركة الإسلامية, تجعلهم يديرون معاركهم في ساحة واحدة مع النظام, و هي ساحة الحركة الإسلامية, و يستطيعوا إقناع قطاع كبير من قاعدة الحركة الإسلامية بصحة مطالبهم الإصلاحية, و يستطيعوا أيضا أن يجردوا المجموعة القابضة علي السلطة من قاعدتها, و حتى إرسال مذكرتهم للرئيس في إدعاء أنه يمثل الشرعية, هي محاولة لتفكيك المجموعة الأخرى, و تحييد المؤسسة العسكرية, إذا كانت بالفعل هي تؤيد الرئيس, و هذه هي التي تؤرق النائب الأول, و الذي لم يقتنع حتى الآن إن النظام فقد مقومات وجوده و تصدعت جدرانه و هو أيل للسقوط لا محالة, رغم ضعف المعارضة, و الجماهير التي خرجت و حصدها رصاص مليشيات النظام, هي نفسها التي سوف تصنع قيادتها و تتجاوز بها كل الأبنية القديمة المهترئة, و في تلك اللحظة لا ينفع إدارة المعركة من وراء جدار, يرونها بعيدة و نراها قريبة. و علي يقين إن الله هو الذي يعطي و ينزع الملك, و لكن بعد تجربة الإنقاذ الدموية و التي تفشي فيها الفساد بكل أنواعه و التعذيب و القتل و كل الموبقات لا أحسب أن يكون في هؤلاء من هو عزيز عند الله. و الله الموفق
[email protected]