البشير يتقلد دور «مُعلم» وطني يحاور تلامذته في انتظار تلامذة جُدد

محجوب حسين
في الوقت الذي قرر فيه كهنة لوبيات المصالح الحاكمة في الخرطوم على المضي قدما في التجديد لرمز الديكتاتورية بالبقاء خمس سنوات اخرى، تضاف الى خمسة وعشرين عاما مضت، هيمنة وفسادا وحربا، كمرتكزات ثابتة لمنظومة الاستبداد. ترأس الديكتاتور السوداني، في ما يشبه الملهاة خلال الاسبوع قبل الماضي، مؤتمرا موسعا بثه التلفزيون الحكومي، عُرف بانه جلسة الانعقاد الاولي لفاعليات «الجمعية العمومية للحوار الوطني»، ويأتي هذا على اثر نداء «الوثبة» لمعالجة عِلل الدولة السودانية، عبر الحوار الوطني الذي طرحه الرئيس السوداني قبل شهور خلت لمعالجة قضايا البلاد.

الناظر الى المشهد العبثي الذي تمت الاشارة اليه بـ»الجمعية العمومية» للحوار او بالاحرى لهو الرئيس مع ذاته والاخرين، مُستغِلين اومُستغَلين، يعرف عندئذ وبدون ادنى اجتهاد كيف تُدار وتحكم وتُسير البلاد، الجلسة التي التأمت في قاعة مستديرة، كجانب من اعمال الشكل المطلوبة، جمعت لفيفا من اصحاب اللحى وقيادات الحرب والفساد والشركات والأمن، لا نستثني منهم الا اثنين او ثلاثة من مجموعة ثمانين عنوانا، يمثلون كما تم تقديمهم، لافتات لاحزاب قيل انها احزاب سياسية، لم يسمع بها الشعب السوداني من قبل. كما اعتقد جازما بانهم هم انفسهم لم يسمعوا أو يعرفوا بعضهم بعضا.

المتلقي عبر الشاشة كثيرا ما يركز على معرفته بصور الافراد اكثر من اللافتات، والمؤكد في هذه الحالة ان رئيس جمعيتهم المنعقدة لا يعرف عنهم شيئا. جمعية الثمانين رجلا الوطنية شبيهة بجمعية «رجال حول الرئيس او رجال الرئيس» بدون معرفة الرئيس بهم. امام كل شخص وضعت لافتة، قالوا انها اسم الحزب المعني بالحوار/المسجل والمعتمد، الامر شبيه بارقام السيارات في شارع مزدحم، وقيل في زاوية اخرى انها اسماء لـ»كوتة» الصرف عند الصراف، وهو المسجل التجاري للاحزاب، يبدو ان الموضوع سهل، فقط عليك ان تأخذ عنوانا تاريخيا لاحد الاحزاب الوطنية الديمقراطية المعارضة، وتعمل حسب اجتهادك وذكائك باضافة اي نعت اخر لفائدة الفرز، كأن تقول مثلا «حزب المؤتمر الوطني ضد محكمة لاهاي» او «حزب استباحة دم اوكامبو»، كلها صحيحة ولها وقع خاص، ولما لا اموال خاصة، وهو الشيء الذي دفع بزعيم سوداني سياسي بارز، الى تشبيه منظر العبث السياسي بمثابة «شقق مفروشة» للرئيس! ويلحظ انه في مجموع هذه الشقق المفروشة غابت الجبهة الثورية السودانية، جناح السلام، كما غاب حزب الرئيس مجهول الاسم والمكون من الرباعي، وزير دفاعه ورئيس جهاز أمنه وراعي ميليشياته الامنية ومسؤول مفتاح خزينته المالية، مالية الدولة، هو غير معلوم وبالطبع ليس هو وزير المالية..

ذلك مظهر من مظاهر رسم اللعبة بالبلاد، جاء تحت اي عنوان، فيه رئيس الجمع، محط اشكاليات البلاد ومأزقها الراهن كرس او مثل دور الرئيس، المعلم، الاستاذ الديكتاتوري امام تلامذة في احدى الفصول التوجيهية، قام بتوزيع فرصة او فرصتين لاصحاب «النعم»، بعدها حدد خطوطه الحمراء والزرقاء، التي ينبغي عدم الخروج عنها لوطن امتلكه، وبتوجيهات ديكتاتورية فرعونية صارمة عنيفة، ليطوي بعدها جلسات الخواء الوطني في عملية دراماتيكية تنفع لفصل من فصول مسرح الشارع، الثابت فيها ان رئيس البلاد غير معني البتة بشؤون البلاد التي لا تدخل ضمن اجندته الا بقدر استفادته منها. حصانة للحماية ومال للفساد ومكابرة في الخطيئة، غير عابئ بأي قيمة انسانية او سياسية او قانونية او دستورية او اخلاقية في البلاد السودانية.

ان مسرحية الحوار الوطني الجارية ما هي الا فصل من فصول شرعنة الاحتكار للدولة، شأنه شان ترشيح الرئيس لذاته وتماديه في اجراء انتخابات اقرب الى ملء الفراغ لحاكم عاطل عن العمل، ليس له جديد يضيفه الا المزيد من انتاج عقل الفشل، والادهى مؤتمر الرئيس، المُعلم الديكتاتوري وتلامذته، ينتظر فيه قوى المعارضة الوطنية للانضمام، داعيا لجنته الحسابية المعروفة بـ «7+7» للذهاب الى العاصمة الاثيويبة، اديس ابابا، لاقناع قوى المعارضة العسكرية والمدنية التي تشكلت، في نقلة وتحديث سياسي عبر «اعلان باريس»، يمكن ان يشكل، مدخلا لصياغة المطمح الوحدوي القومي الطوعي وبالمرة خطوة استباقية لرسم ملامح المشروع الوطني عبر كتلة وطنية تاريخية، سوف تذهب بالرأس المتعالي في الدولة الى مقصلة العدالة، اراد ام لم يرد.

مما سبق، كان طبيعا ان يحدد الديكتاتور اهم خط احمر لتلامذته، هذا الخط الاحمر العريض والخطير يتمثل في قوى «اعلان باريس»، التي اصبحت مرجعية وطنية قد تؤسس للدولة السودانية من جديد، عبر حل كل اشكالياته البنيوية، واهمها بنية السلطة والبحث عن مشروعيتها وشرعيتها التي يجب ان تقع. والمؤسف عند تحديد خطورة هذا الحلف انه اعتمد على معلومات استخباراتية مضللة تقدمها اجهزته في الحكم لا نعلم عن قصد او غير ذلك، جاء ذلك في قوله ان وراء اتفاق باريس بين الجبهة الثورية والسيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي كان هناك «اسرائيلي»، بدون ان يسأل نفسه هل يحتاج المهدي لاسرائيل لكي يلتقي قوى وطنية من بلاده، او العكس. يضاف الى ذلك التبرع في كشف معلومات قال انها خطيرة امام جمعيته للحوار، المخصصة حول اجندته الشخصية، عوض اجندة الوطن المعلومة، وان قوى اعلان باريس تسعى للسيطرة على مدينة «الفاشر» غرب البلاد، واعلانها عاصمة وتنصيب المهدي رئيسا فيها، يقول ذلك وان قوى الجبهة قررت، وقف الحرب في الاطراف، وهدفها موقع حكمه مباشرة ومعنية بالخرطوم فقط لا غيرها من مدن السودان الاخرى وذلك لتحرير البلاد من الاستعمار الاسلاموي الداخلي واستعادة الدولة.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *