شريف ذهب
عجبتُ ممن لا يجد قوت يومه كيف له ألا يخرج على الناس شاهراً سيفه: الأمام علي بن أبو طالب رضي الله عنه.
*الظلم في مكانٍ ما، يمثل تهديداً للعدل في كل مكان.
*الشعب لغة من لا يسمعون: الثائر/ مارتن لوثر كنج
عُرف الشعب السوداني عبر تاريخه الطويل أنه شعب العزائم والملاحم، شجاع، كريم الخصال قويُّ الشكيمة يرفض الذل والمهانة في كل الأحوال، وفي ذلك يقول شاعرهم- علي الجندي: وشعب ٌ مؤمن ٌ حرٌ على الأهوال صبار… أخو بأسٍ أخو كرمٍ ففيه الماء والنار.
وقد تجدست كل هذه المعاني في الملاحم والبطولات التي خاضوها ضد المستعمر الخارجي حتى تحررت بلادهم ورفرف علمها عالياً بين الأمم وثوراتهم ضد رموز الظلم والجبروت من طغاة العسكر الذين تسلطوا على رقاب العباد وسعوا لإذلالهم بالقمع عبر الأجهزة الأمنية .
و كان من كرم الخالق عز وجل على هذا الشعب المتفرد أن هباه أرضاً خصبة أجرى عبرها أطول وأعزب انهار العالم، تكافئ كرم خصاله ونبل فعاله، ولكن، ولسوء الطالع فكما الزرع اليانع يجلب الآفات الزراعية فقد بُلى هذا الشعب بآفات سياسية من قادة العمل السياسي ممثلاً في الطائفية الدينية وجماعة الهوس الديني الذين سعوا لتحويل هذه البلاد إلي إقطاعية لصالحهم يستعبدوا شعبها وتدر عليهم الخير الوفير، لتكون المحصلة النهائية فشلاً ذريعاً وفقراً مدقعاً تقاسيهما بلادنا وشعبنا اليوم .
لم تكن الأحزاب الطائفية أمينة على ثورات الشعب التي دفعوا لأجلها الغالي والنفيس صوناً لكرامتهم وأملاً في العيش الكريم ليتركوها مرة تلو الأخرى تتخطفها الذئاب وتهشم كل تلك الآمال العراض التي بنوها.
إنّ الطائفية الدينية وجماعة الإسلام السياسي هما وجهان لعملة واحدة تمثل الإقطاعية الطفيلية وتخدير عقول الشعب باستدرار العاطفة الدينية للثراء الفاحش من ورائها وتدمير كافة القيم السامية من كرامة الإنسان وحريته وحقه في العيش الكريم، والدين الحنيف منهم براء، براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
إن الواقع المأساوي “بكل المعاني” الذي يقاسيه شعبنا اليوم هو ثمرة هذا الكهنوت السياسي الذي بُلى به هذا الشعب، فجماعة الإخوان المسلمون التي سطت على السلطة في بلادنا بليلٍٍ بهيم في الثلاثين من يونيو 1989م، سرقت كل خيرات البلاد ودمرت كافة مؤسساته الاقتصادية ثم يأتي من بعد سادة الطائفية السياسية ليشاركونهم الحكم عبر أبنائهم كمساعدين للرئيس ويمارسون أقصى درجات التخدير لعقول الشعب بمعارضات زائفة هي في حقيقتها حماية لسلطة الطاغوت التي يرفل خلالها أبناؤهم برغد العيش على موائد السلطان فيم أفراد شعبنا الكريم لا يجد من القوت ما يسد به رمق عياله.
إننا نسطر هذه الأحرف والكلمات “كما سائر أفراد شعبنا الأبي” ، بدماء أولئك الفتية الأطهار الذين تقتلهم هذا النظام بدم بارد عن قصدٍ بإصابات مباشرة على الرأس في كل بقاع السودان وفي معاقل هذه الطوائف في الشمال والشرق والغرب والوسط (في الجزيرة أبا) بينما يأتي أحد قادة إحدى هذه الطوائف ليهزأ بثورة هذا الشعب ويسترخص دماء أبنائه الطاهرة بتلك العبارات المخجلة التي لا تليق ذكرها في المجالس الخاصة فضلاَ- أنْ تكون على شاشات الفضائيات العالمية عبر المؤتمرات الصحفية الجوفاء .
لقد قتل نظام الإنقاذ الإجرامي حوالي 250 ألف مواطن سوداني في إقليم دارفور وشرد الملايين منهم وأحرقت قراهم انتقاماً لثورة بعض أبنائهم طلباً للعدل والمساواة والعيش الكريم في الوطن، وقتل ما تم تقديرهم ب 26 مواطناً من الأبرياء من أهلنا البجا في بورتسودان لذات السبب و عدداً من أبناء أهلنا المناصير والرباطاب الذين كانوا يدافعون عن أراضيهم في مروي و 200 من الشباب الغض في انتفاضة سبتمبر 2013م وأحرق الآلاف من نخيل المواطنين في شمال البلاد سعياً وراء إخلاء أراضيهم لبيعها في سوق النخاسة ونهب أثمانها كما فعل بكل مؤسسات ومشاريع الشعب السوداني، وحتى تاريخ هذا
المقال تتواصل قائمة الشهداء والجرحى من أبناء الوطن عبر انتفاضته الباسلة هذه تقتنصهم عصابات هذا النظام الإجرامي بذات الوحشية المعتادة فيما البعض من قادة الأحزاب السياسية يؤملون في إيجاد مخارج آمنة للجناة عبر نظامٍ جديد يمتطوا صهوته خلافاً لإرادة الشعب في اجتثاث هذا النظام الفاسد من جذوره وتقديم مجرميه للعدالة .
إن طوفان الثورة قد غطى كافة أرجاء بلادنا تعبيراً عن إرادة شعبنا في جرف وكنس كل رموز الزيف والتبطيل والتطبيل الذين شكلوا عبر تاريخهم المظلم متاريس لتقدُّم مسيرة هذا الشعب الأبي في النماء والتطور والعيش الكريم، وستكون هذه الدماء الطاهرة الزكيه التي تعلو سيل هذه الثورة، غُصة في حناجرهم تلجمهم بل تخنقهم ثم تجرفهم إلي مزابل التاريخ، عِبرةً لمن يأتي بعدهم، فلا نكوص ولا تراجع إلي الوراء أبداً.
الرحمة والمغفرة لكافة شهداء شعبنا الأبي من ضحايا هذا النظام الإجرامي عاجل الشفاء للجرحى، وإنها لثورة حتى النصر ولا نامت أعين الجبناء.
23/12/2018م