لا تُذهِبُوا الإجرام عَنْ جريمة الحرب.. بقلم: ماثيو ت سيمبسن وأحمد حسين آدم .. ترجمة بروفسور محجوب التجاني

*ماثيو ت سيمبسن وأحمد حسين آدم

في الخامس من فبراير 2014 بصحيفة نيويورك تايمز، شجّب رئيس جنوب إفريقيا الأسبق ثابو مبيكي والبروفسور محمود ممداني الأستاذ في جامعة كولومبيا، المجتمع الدولي بسبب جهودٍ مبذولة لتحقيق مثول مجرمي الحرب في إفريقيا أمام محاكم جنائية. ولهؤلآء المعنيون بالحل السلمي للنزاعات الدآئرة في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، تعّدُ هذه الفكرة خطيرة وصادرة أيضا في غير وقتها.

جادل مبيكي وممداني بأن ملاحقة جرآئم الحرب بالإتهام تعرقل الجهود المبذولة لحل النزاعات، وتقود في نهاية المطاف إلي إطالة أمد النزاع. أكثر من هذا، نسج الكاتبان رواية خيالية مفادها أن إحالة جرآئم الحرب للنيابة إنغلاقٌ لا يستحضر كافة الجهود الأخري لحل الأزمات. والأدعي للإكتراث، أنهما فشلا في تثمين قيمة العدالة والآثار التي تترتب علي الحصانة. فالمحاكم وغيرها من الآليات العدلية تلعب دورا حيويا في إنشآء السلام المستدام في مجتمعات ما بعد إنهآء النزاع، في حين تواصل الحصانة حالة الأمر الواقع وتشكل عاملاً محبطا للحل السلمي للنزاع.

يتضمن رأي مبيكي وممداني أن الآليات العدلية في عملية السلام تُستخدم بصفةٍ أولية “للإعلان عن نظام سياسي جديد.” إن مثل هذا الرأي البسيط عن حل النزاعات وجهود التوافق يُنكر الدور والنفع الذي تقوم به أطرافٌ عديدةٌ أخري مؤسسةٌ لعملية السلام كعمليةٍ شاملة.

إن أي جهدٍ أصيل يرمي لمخاطبة جذور النزاع يتطلب مدخلا شاملا وآليات مركبة كيما تسمح للشعوب المتأثرة بالنزاع لإعادة بنآء حياتها وتجديدها. أما محاسبة مرتكبي أشد الجرآئم خطورة فيمكن أن يُثابر عليها بطرق لا حصر لها لإنجاز السلام الدآئم. فالأمر لا يتعلق بأخذ سبيل واحدٍ دون الآخر.

حقيقة، في عام 2009، إعترف مبيكي نفسه بالدور الحي لآليات العدالة الإنتقالية في حل النزاعات، وكان وقتذاك رئيسا للجنة دارفور في الإتحاد الإفريقي. وقد إقترحت اللجنة التي ترأسها مبيكي [إقتراحاً] رسمياً بإنشآء محاكم جنآئية “مختلطة” لكي تمارس إختصاصها علي الأفراد الذين يبدو أنهم يتحملون مسؤولية بعينها في أخطر الجرآئم التي ارتُكِبتْ أثنآء النزاع في دارفور. بيد أن إقتراح مبيكي لم يجد تأييدا من طرّفي المفاوضات، وهو ناتج لا يثير الدهشة لكُره الرئيس السوداني عمر البشير الواضح لأي آليةٍ عدليةٍ إنتقالية ولو تم صوغها لتصب في صالحه. وعلي الرغم من ذلك، فمن المستغرب أن ينبذ مبيكي الآن آلية عدلية كانت تمثل مَرّةً حجر الزاوية في مقترحه الخاص بالسلام.

في هجومهما علي المحكمة الجنآئية الدولية وغيرها من جهود العدالة الدولية، حجب مبيكي وممداني في بلاغةٍ خطابيةٍ الخط الفاصل ما بين الجاني والضحية. وبينا هو حقٌ أن “الضحايا والجناة دائما ما يتبادلون المواقع، ولكل جانبٍ حكايته عن العنف”، نجد ما خلصا إليه من أنه “لا يمكن تحديد هوية الضحية والجاني تحديدا دآئما” شيئا لا يقل عن الإعتدآء علي مفهوم القانون الدولي نفسه.

إن اللحظة التي خطط فيها الرئيس بشير وطّبق ونسّق الإغتصاب والتعذيب والقتل الممنهج لأهل دارفور هي ما جعلته “مُعّيناً بشكلٍ دآئم” لنفسه كمرتكبٍ للجرآئم الدولية. ولقد عّين بشكل دآئم الضحايا الذين قام جنوده ومعاونوهم في السلطة بإغتصابهم، وتعذيبهم، وقتلهم.

وإحساساً منها بحقيقة أن الجناة والضحايا ربما يظهرون في أي جانبٍ من جوانب النزاع، طبّقت المحكمة الجنآئية الدولية مدخلاً رفيع المستوي للإتهام، منزهاً عن التمييز، لممارسة الإختصاص علي النزاع بأكمله. والحق يقال، سعت المحكمة الجنآئية الدولية في قضية دارفور لإحالة المتهمين من جانِبّي النزاع – بتوجيه الإتهام لقادة دارفور علي قدم المساواة مع الرئيس بشير وغيره من المسؤولين الحكوميين. ولئن طالب الرئيس بشير ببرآءته، فعليه إذن أن يذعن لإختصاص المحكمة الجنآئية الدولية ويثبت برآءته عَبر إجرآءاتٍ منصفة وغير متحيزة.

إقترح مبيكي وممداني “أن العنف الجمعي هو أمرٌ سياسيٌ أكثر منه موضوعاً جنائيا.” إلا أنه، هل يتأتي حقا أن تُبرئ الدوافع السياسية مَنْ أصدر الأوامر بإنتهاج العنف الجمعي أو إقراره مِنْ أعمالهم؟ القتل المدفوع بالسياسة لا يقل عن القتل لأي سببٍ آخر، ويجب أن يُعَاقب بنآءا عليه.

وفيما يمكن للدولة أن تسامح كإجرآء معقول بعض الجرآئم الموجهة لها في سعيها لتحريك المجتمع والإشتغال بالسياسة قُدُماً، يبقي الإلتزام الأخلاقي ماثلاً نحو ضحايا الجرآئم المريعة بحق الإنسان – مثل القتل، والتعذيب، والإغتصاب – وذلك بأخذ الجناة بالمسؤولية الجنآئية عن أفعالهم.

ليس هناك مكان لمجرمي الحرب في مجتمعات ديمقراطية. وبدلا من التباكي علي”الذين أدينوا وجّرت معاقبتهم كجناةٍ لا يُؤذن لهم بالحياة في النظام السياسي الجديد”، كما فعل مبيكي وممداني، نحس بالراحة لمعرفة أن أولئك المذنبين بإرتكاب الجرآئم الشنيعة سوف يُبْعَدون عن بنآء الأمة القابل.

وبإنكار دور المحاكم في العدالة الدولية، يتجاهل مبيكي وممداني الفوآئد التي تضيفها العمليات القضآئية لنجاح مساعي السلام وتماسكها. فإن التعقب القضآئي لمجرمي الحرب يمثل رادعاً دون وقوع خروقات جديدة، ويُعلي من حكم القانون، ويبني ثقة العامة به، ويُخرجُ سجلاً تاريخيا يُوثق به بشأن إنتهاكات حقوق الإنسان. والحقيقة أن إتهام سلوبودان ميلوسوفتش من قبل المحكمة الجنآئية الدولية ليوغسلافيا السابقة أدي إلي تقوية قرار شركآء الناتو ووفر قاعدة شرعية لبناة السلام للدعوة لتغيير النظام. وفي تلك الحالة، أفسحت العدالة الدولية المجال لإزاحة مجرم حربٍ من السلطة وأسرعت بالإنتقال السلمي والديمقراطي للدولة.

تقدم الآليات العدلية أيضا للضحايا فرصة شافية لإبدآء ما لحق بهم من تجربة واستصراخ للقصاص ممّن إعتدي عليهم. من ثم، تشكل الآليات العدلية أولوية مفتاحية في تفاوض الضحايا حول ما يختص بالنزاع. وخلال آخر ما جري أثنآء مفاوضات سلام دارفور قبل وقتٍ قريب، كمثال، قاد ممثلوا اللاجئين والنازحين الدارفوريين المطلب الخاص بآليات المحاسبة. وعلي الرغم من مساعي الحكومة السودانية لإستبعاد المسآئل العدلية من دآئرة التفاوض الواسعة، ظلت المطالبة بتحقيق تلك العدالة للضحايا عنصراً حيوياً لإحراز سلام دآئم.

في ظل المآسي الماضية واستمرار المواجهة في وقتنا الحاضر، لا يمكن أن تُتحمل الحصانة من جرآئم الحرب لأي سبب. وعوضا عن تقويض القانون الساري والآليات القضآئية الدولية مثل المحكمة الجنآئية الدولية، لسوف يكون تنظير ممداني ومبيكي لمداخل حل النزاع أفضل حالآ، بتبني مبادراتٍ شاملة للسلام المُرام.

إن النزاع إذا استطال لحقبٍ وأجيال، يكون لزاماً علي كل أطرافه أن تتحمل آلام الضحايا والعار اللاحق بالجناة. وأياً ما كان الأمر عليه، لا يعفينا هذا الواقع المعقد من الإلتزام الخلقي الملقي علي عاتقنا لنسعي لتحقيق العدالة لضحايا الجرآئم المروعة وإنهآء حصانة الجناة. إن بإمكاننا، كما أنه واجبٌ علينا، أن نفعل الأحسن.

*ماثيو ت سمبسن محامي في الولايات المتحدة، كندي الجنسية، كان المستشارالقانوني لوفد دارفور في مفاوضات سلام دارفور التي رعتها الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي.

*أحمد حسين آدم أستاذ زآئر والرئيس المشارك في برنامج Two Sudansفي معهد دراسة حقوق الإنسان في جامعة كولمبيا في نيويورك. ألف كتابا باللغة الإنجليزية تحت الطبع عنوانه “خيانة دارفور: رؤية من الداخل”

*ترجمة بروفسور محجوب التجاني، جامعة ولاية تنسي، رئيس المنطمة السودانية لحقوق الإنسان القاهرة.

مراجع http://www.nytimes.com/2014/02/06/op…wars.html?_r=1 http://reliefweb.int/report/sudan/au…r-prosecutions http://www.sudantribune.com/spip.php?article32973 http://1997-2001.state.gov/www/regio…vo_indict.html <http://www.worldpolicy.org/blog/2014/02/17/don%E2%80%99t-decriminalize-war-crimes> [http://www.worldpolicy.org/sites/default/files/imagecache/node/node_img/5322938895_3f5ca4917a_z.jpg]<http://www.worldpolicy.org/sites/default/files/node_img/5322938895_3f5ca4917a_z.jpg>

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *