الحلقة الخامسة ( 5 – 10 )
[email protected]
+ الاستاذ علي عثمان محمد طه ؟
ذكرنا في الحلقة الاولى من هذه المقالة ان الاستاذ علي عثمان مسؤول مسؤولية مباشرة عن معظم الكوارث والماسي التي حلت بالسودان من فجر الجمعة 30 يونيو 1989 وحتى تنحيته في يوم الأحد ٨ ديسمبر 2013 ، وظهوره المغتغت خلف كواليس المسرح السياسي في يوم الاحد 28 يناير 2018 ، واحتمال صنفرته بتعيينه رئيساً للوزراء في مكان الفريق بكري حسن صالح ، او وزيراً للخارجية في محل البروف ابراهيم غندور ، في تعديل وزاري يقوم به السلطان قريباً ، ولا يحدث اي بغمات ، لأن الجميع بيادق في رقعة شطرنج السلطان الواحد الاحد ، ولا يملكون إلا ان يقولوا سمعنا واطعنا .
استعرضنا في الحلقات الاربعة الاول من هذه المقالة بعض البعض من جرائم الاستاذ علي عثمان ، ونواصل الاستعراض لهكذا جرائم في النقاط التالية :
1-علي عثمان والفساد ؟
عندما كان الاستاذ علي عثمان مسيطراً على مفاتيح السلطة ، إستشرى الفساد في السودان ، وتحول من ظاهرة تخص حفنة من الأفراد والمسؤولين في مختلف مراتب الدولة، إلى مؤسسة متكاملة هائلة السطوة ومتعددة النفوذ ومرتبطة مباشرة بمنظومة المحاصصة السياسية الاخوانية التي سرقت السلطة في يونيو 1989 .
يأتي سودان الانقاذ في المرتبة 174 من أصل 176 للدول الأكثر فساداً في العالم، حسب آخر تصنيف لمنظمة «الشفافية الدولية» ، أي ثالث دولة أكثر فساداً في العالم . ومما ساعد في تجذر مظاهر الفساد والافساد اكثر فاكثر ، غياب الشفافية ، وانعدام الرقابة المالية ، وعدم المحاسبة .
ساعد الاستاذ علي عثمان في تغلغل الفساد في اعلى الهرم السياسي ، وفي شراء السياسيين المعارضين ، وفي تفتيت احزاب المعارضة . صارت مؤوسسة الفساد متأصلة في بنيان الدولة الانقاذية الاخوانية .
سال السيد مبارك المهدي زميله المتنفذ الانقاذي عوض الجاز في عفوية وطيبة سودانيتين :
انتو قروش الدولة دي بتودوها وين ، والوضع الاقتصادي متازم ، والدولار يفنجط ، واولاد الناس بدأوا يأكلون من الكوش ؟
رد عوض الجاز :
القروش دي بنشترى بيها اللي زيك من عديمي المرجعيات الاخلاقية الذين يتكأكأون على فتات موائدنا كذباب متهافت .
إعتراف بالفساد من اهلها ؟
سؤال ثان ، ومثالاً وليس حصراً :
قبل نحو عقدين من الزمان ، سأل الطيب صالح الاستاذ علي عثمان مستغرباً ومستهجناً :
من الذي يبني لك المستقبل ، يا هداك الله ، وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات ، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟
ولا يزال السؤال قائماً .
2. علي عثمان و الانكار ؟
كان الاستاذ علي عثمان يعاني من أزمة إنكار لوجود أزمة ؟
ليس عيباً أن يواجه إنسان، أو حكم، أزمة، ولكن الأزمة الحقيقية هى ألا يعرف أنه فى أزمة.
وأزمة الأزمات هى إنكار وجود أزمة.
وهناك دائماً فى كل زمان ومكان ، خصوصاً في زمان ومكان الانقاذ ، من يعشقون نظرية أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
إنكار الأزمة هو فشل لإمكانية التصدى لها ، والتعرف على أبعادها ، وبالتالى إيجاد حلول وبدائل لاستيعاب نتائجها .
وبالتالي فإن إنكار وجود ازمة هو إلغاء للحوار الوطني الجاد بمستحقاته ، وهو إلغاء للمفاوضات التي دخلت حلقتها ال 16 بين الحركة الشعبية الشمالية ونظام الانقاذ … ببساطة لان الاستاذ علي عثمان وولي نعمته الرئيس البشير يؤمنان أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
طول مكوث الأنظمة الشمولية في العراق وسوريا وليبيا ومصر وتونس واليمن ، وإنكار قادتها للواقع المأزوم ، أحدث التشرذم، وقاد لثورات الربيع العربي وما تبعها من جوطات في هذه الشموليات .
النظام الشمولي لا يفتح أذنيه ولا عينيه لرؤية الواقع لإيجاد الحلول، فهو في حالة انكار ما انزل الله بها من سلطان .
يخشى الاستاذ علي عثمان من فتح الملفات ، إذا حدث تغيير في النظام . فلذلك تراه يستمر في انكار وجود ازمة ، ورفض اي حوار جاد بمستحقاته يقود لتغيير النظام ، لانه يعرف انه قد ارتكب كثيراً من الجرائم ، التي سوف تتم محاسبته عليها ، وادانته ، وسجنه لما تبقى من اجله .
ومن ثم حالة الانكار التي يعيش فيها الاستاذ علي عثمان وصحبه المجارمة الآخرين .
ولكن هل نسي الاستاذ علي عثمان مصير ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر التي انكرت في زمنها وجود ازمة ؟
قالت :
( إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء .. دعهم يأكلون كيكاً ) .
وفي يوم الاحد 4 اكتوبر 1789 ، قامت مظاهرة نسائية كبيرة ضد الملكة ماري أنطوانيت، أشعلت شرارة الثورة الفرنسية ، التي قامت باعدام الملكة ماري أنطوانيت تحت المقصلة في ميدان الكونكورد .
مصير الملكة ماري أنطوانيت هو مصير كل من ينكر وجود ازمة .
وحينما أنكر الرئيس صدام حسين والعقيد معمر القذافى والرئيس مبارك والرئيس زين العابدين بن علي وجود ازمة ، تهاوت عروشهم كبيوت العنكبوت ، وصاروا اثراً بعد عين .
يحاكي الرئيس البشير الاستاذ علي عثمان ، ويستمر في تبني منهجية انكار الواقع الماثل ، ويصر على عدم رؤية الفيل في الغرفة ، ويواصل في تبني منهجية إغماض العين عما يراه الجميع كما في اسطورة الفرعون العريان . وبعد هذا الانكار المزدوج ، يتخذ الرئيس البشير قراراته الكارثية وهو ينظر ولا يرى ، وهو يسمع ولا يستوعب ، وهو يلمس ولا يحس … صار الرئيس البشير يجسد الصم البكم العمي الذين لا يعقلون .
ولكن قدر الرئيس البشير والاستاذ علي عثمان الإصابة بصمم لا يسمعان إلا طبول الثورات والانتفاضات. لهؤلاء نردد مع الشاعر العراقي أحمد مطر:
طفح الليل ..
وماذا غير نور الفجر
بعد الظلمات؟
للأسف ، تقود هذه الانكارية العبثية الى اخطاء وخطايا كارثية ما انزل الله بها من سلطان .
الترياق ضد هذه الانكارية العبثية هو ما يخطط حزب المؤتمر السوداني تدشينه يوم السبت 21 ابريل 2018 ، وهو استمرار المظاهرات والاحتجاجات والوقفات السلمية ، التي تتبعها الإضرابات والاعتصامات ، ويتوجها العصيان المدني الشامل . عندها يفيق الاستاذ علي عثمان وسيده من حالة الانكار المرضية التي يعانون منها … ولكن بعد مغادرة القاطرة لمحطتهم .
… فنادوا ولات حين مناص .
لا يتدبر الاستاذ علي عثمان وسيده عبر وقصص التاريخ ، فعلى القلوب اقفالها ، وعلى الابصار والبصائر براقعها … وبالتالي فهم محكمون باعادة التاريخ ، والوطن يقترب اكثر واكثر من قاع الهاوية .
لا شىء يتحرك خارج سياق التاريخ ، ومن ثم الواجب الاوجب للاستاذ علي عثمان وسيده ، هو الإلمام بالتاريخ ووقائعه ودروسه.
وكما قالت 111 يوسف :
{ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِى الْأَلْبَابِ…}
نعرض نموذجاً من عصر الخليفة عبدالله ، وإن كان الامر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى نموذج ، يمكن الاستدلال به على خطل هذه المنهجية الانكارية فى التفكير وصناعة القرار.
كان الخليفة عبدالله يعرف ان جيش كتشنر المرابط في كرري على النيل شمال امدرمان مجهزاً بالمدافع الرشاشة ، والمدافع الاوتوماتكية الحديثة ، و تدعمه البواخر الحربية . لم ير الخليفة عبدالله الفيل المرابط في الغرفة ، وأغمض عينيه عما يراه الجميع من تفوق البارود على السلاح الابيض ، ورغم ذلك رمى بجنده في نيران كتشنر في اكبر عملية انتحارية في التاريخ الانساني ، ناسياً تكتيكات الامام الاكبر عليه السلام في معركتي الجزيرة ابا وشيكان .
وسوف تدور الدوائر على الرئيس البشير لانه يعيش في منهجية الانكار واغماض العين عما يراه الجميع .
نعترف للرئيس البشير بالفهلوة والشطارة والثعلبة ، فقد نجح في التخلص من منافسيه الواحد تلو الآخر ، من عرابه وولي نعمته الدكتور الترابي وزملائه في النهب المسلح فجر الجمعة 30 يونيو 1989 ، مروراً بالاستاذ علي عثمان والدكتور نافع وغيرهما من ابالسة الانقاذ .
صار الرئيس البشير الان الشمس التي تدور حولها كل مجرات مراكز القوى الامنية والعسكرية والسياسية في السودان .
في يوم الاربعاء 24 والخميس 25 يناير 2018، وبتوصية من الاستاذ علي عثمان ، احكم الرئيس البشير قبضته على كل مفاصل الدولة بتكوينه لسته مجالس سيادية … سيادية اسماً وشكلاً ، وصورية جوهراً ومحتوى ، فالترتار يقف عند الرئيس البشير .
والمقتولة لا تسمع الصائح ، و ( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا مدبرين … وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم … وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ … ) .
حقاً وصدقاً آفة حارتنا الإنكار .
في يوليو 1957 اذن مؤذن في واشنطون .
خاطب السناتور جون كينيدي مجلس
…