كلمة الدكتور جبريل ابراهيم محمد في الاحتفال بذكرى عملية الذراع الطويل المجيدة

بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان كريم، و أعاننا الله و إياكم على صيام نهاره، و قيام ليله، على الوجه الذي يرضيه. ثم عاطر التحايا و الدعوات لكم و أنتم تحيون ذكرى عزيزة على النفس، ألا و هي ذكرى عملية الذراع الطويل، التي شهد بجسارتها و حسن تخطيطها الأباعد قبل الأقارب، و العدو قبل الصديق.
التحية لشهداء الثورة السودانية من لدن المهدية إلى يوم الناس هذا. و التحية للجرحى مع خالص الدعاء لهم بعاجل الشفاء. التحية للشباب القابض على الزناد في الأحراش و الصحاري. التحية للنازحين و اللاجئين الذين صبروا دهرا على ما هو أمر من الصبر. التحية للثوار و للقوات المسلحة الذين خلعوا الطاغية و فتحوا الباب لعهد جديد زاهر بإذن الله. و التحية للشعب السوداني أجمع و قد صار مضرباً للمثل في إدارة الثورات السلمية.
ثم التهنئة الخالصة لكم جميعاً بما تحقق من نصر بخلع رأس النظام البائد. إلا أن النصر لم يكتمل بعد. و لن يكتمل إلا بمحاكمة الذين إرتكبوا جرائم الحرب، و جرائم ضد الإنسانية، و جريمة الإبادة الجماعية.لا استقرار و لا سلام بغير تحقيق العدالة. و حتى لا يجرُؤ أحد لإرتكاب مثل هذه الجرائم الفظيعة مرة أخرى في السودان، لا بد من إقامة القصاص الذي تحيا به الأنفس. “و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون.” لن يكتمل النصر إلا بمحاكمة المفسدين، و إسترداد أموال الشعب المنهوبة. لن يكتمل النصر حتى تعاد هيكلة الدولة بحيث تصير ملكاً للشعب لا لحزب.
الثورة عملية تراكمية. و ما حدث نتاج لجهد معارض مدني و عسكري متواصل منذ العام 1989 حتى غدا النظام عى شفا الانهيار، فأكملتم المهمة بنجاح كبير رغم التضحيات الجسيمة في الأرواح. و في هذا المضمار، لا شك أن لعملية الذراع الطويل، و المعارك الكبيرة التي خاضتها الحركة و الحركات الأخرى مع النظام البائد، سهم كبير في إضعاف النظام، و بالتالي فيما تحقق من نصر. حققت الثورة حتى الآن قدراً من النصر و من أهدافها، و لكن عليها أن تكمل المشوار حتى النهاية، و أن تتجنب مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية بسبب النزعة الانتقامية الرعناء عند البعض. نحن مع المحاسبة و مع إقامة العدل و القصاص، و لكننا ضد أي مشروعات انتقامية محلية أو بعون خارجي تشعل حروباً أهلية لا تبقي و لا تذر.
الثورة عملية متواصلة. و على الثوار التحلّي باليقظة الكاملة، حتى لا يختطف محترفو الثورات ثورتهم و إفشالها قبل بلوغ كامل مراميها. مشوار التغيير مشوار طويل. و لن يتحقق التغيير المرجو إلا بوحدة الثوار و المعارضة، و الابتعاد عن التشطر و التكالب على السلطة بغير حقها و قبل حلول أوانها. على المعتصمين أن يواصلوا اعتصامهم إلى أن تتحقق مطالبهم، و عليهم ألا يسمحوا لأحد كائناً من كان أن يجيّر نضالاتهم لمصالح تنظيمية أو حزبية ضيقة. على المعتصمين التعبير عن مطالبهم بوضوح، و التأكد من أن الذين يتفاوضون مع المجلس العسكري الانتقالي، يعبّرون عن هذه المطالب بدقّة و دون تبديل. و على المفاوضين باسم الثورة أن يراعوا التنوع في التمثيل، و أن تكون وفودهم معبّرة عن السودان الذي يسع الجميع. ثم عليهم أن يعلموا أن إطالة زمان المفاوضات ليست في صالح الثورة التي تواجه ثورة مضادة تجيد فنون الإلتفاف و ضرب وحدة المعارضة.
قد يسأل البعض لماذا أخاطبكم من على البعد، و سانحة العودة إلى أرض الوطن و المشاركة في الثورة و في المؤسسات الانتقالية متاحة الآن. هذا سؤال مشروع. و لكننا رغم إلتزامنا بوقف العدائيات لإتاحة الفرصة للثورة السلمية لتحقق أهدافها، إلا أننا لم نطمئن بعد بأن النظام قد زال على الوجه المطلوب. لآ يزال أسرانا يقبعون في الزنازين و لم يطلق سراحهم كما كان متوقعاً، و جهاز الأمن لا يزال يتربص بالثوار ليل نهار، و الأحكام الصادرة في حق بعض الثوار و أوامر القبض الصادرة في حق آخرين لا زالت قائمة و سارية. في ظل هكذا وضع، يصعب على قادة الحركات المسلحة العودة إلى الداخل دون أن تكون هناك إشارات عملية واضحة بأن تحوّلاً قد حدث في العقلية و الطريقة التي كانت تدار بها البلاد. لن تستطيع الحركة المشاركة في مؤسسات الحكم الانتقالية قبل الوصول إلى اتفاق سلام شامل، لأنها لا تستطيع التفاوض مع حكومة هي جزء منها. و من الخطأ الفادح أن يحسب الناس أن مشكلة الحرب قد حُلّت بمجرد زوال النظام، و أن مشاركة بعض الأفراد في مواقع الحكم هو غاية المنتهى. قضيتنا أعمق و أقدم من النظام البائد. و تحتاج إلى معالجات حقيقية عبر اتفاق سلام شامل يخاطب جذور المشكلة، و يعالج آثار الحرب، و يردّ الحقوق و يرفع المظالم التاريخية.
موضوع الأسرى موضوع محوري، و يجب أن يكون إطلاق سراحهم في مقدمة مطالب المعتصمين و الثوار و المفاوضين. الحركات المسلحة جزء أصيل من الثورة، و لهم فيها سهم كبير كما أوضحنا. فليس هناك من منطق مقبول يبرر بقاء أسراهم في الزنازين و في السجون السرية بعد أن انتصرت ثورتهم. نحن ندعو، من على هذا المنبر، المجلس العسكري الانتقالي أن يطلق سراح جميع الأسرى فوراً و دون شروط، إن كان المجلس صادقاً في سعيه لإيجاد بيئة مهيأة للتفاهم مع الحركات المسلحة، و الوصول معها إلى سلام قابل للإستدامة. أمر الأسرى لا يقتصر على إطلاق سراح الذين نعرف أماكن وجودهم، و لكننا نريد أن نعرف أين أسرانا منذ عملية الذراع الطويل. و نريد أن نرى محاكمات ناجزة للذين تسببوا في إزهارق أرواح بعض أسرانا و على رأسهم الشهيد جمالي حسن جلال الدين. على الجميع أن يعلموا أن أمر أسرانا غير قابل للتجاوز أو النسيان.
أخيراً، أطمئن أهلي في معسكرات النزوح و اللجوء و في كل الأقاليم المتضررة بالحرب، أننا نعض على مطالبهم و حقوقهم المشروعة بالنواجز، و لن نأتي و نقف أمامهم إلا بعد تحقيقها بالكامل.
ختاماً، نريد لقواعد الحركة و قادتها أن تستعد لمد ذراع طويل إلى كل بوادي و قرى و مدن السودان بالعمل السياسي المدني، و أن تستوعب أن أوان التغيير بالعمل السياسي السلمي و عبر صناديق الاقتراع قد آن. و هذا تحد كبير ليس بأقل من القتال في الأحراش. فالتغيير البنيوي الذي تنشده الحركة عصيّة على التحقّق بفقدان بعض الأفراد لمواقعهم و إستبدالهم بآخرين. الأمر أعمق، و يحتاج إلى جهد سياسي و اجتماعي و توعوي دؤوب يستغرق وقتاً طويلاً حتى يجد الأجيال القادمة سوداناً يحسن إدارة التنوع كما يحسن إدارة الموارد الكثيفة التي حباه الله بها. فهلموا إلى الجهاد الأكبر الذي يعتمد التغيير السلمي الشامل منهجاً و وسيلة.

تحياتي لكم جميعاً، و السلام عليكم و رحمة الله.

جبريل إبراهيم محمد
رئيس حركة العدل و المساواة السودانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *