كارل ماركس والمهدي الكبير ؟

كارل ماركس والمهدي الكبير ؟

ثروت قاسم

[email protected]

1- كارل ماركس ؟

في يوم السبت 5 مايو 2018 ، احتفل العالم بالعيد ال200 لميلاد المفكر والفيلسوف الالماني كارل ماركس في يوم الثلاثاء 5 مايو 1818 في مدينة ترير في المانيا . توفى كارل ماركس عن 65 عاماً ، في لندن في يوم الاربعاء 14 مارس 1883 ، وتم دفنه في لندن ، بعد ان تم طرده من المانيا وعدة دول اوروبية لافكاره التقدمية .

قالت ابنته :

في يوم الاربعاء 14 مارس 1883 ، الساعة 3 الا ربع عصراً ، توقف اكبر مفكر عرفته الانسانية عن التفكير . تركناه لوحده لمدة لم تتجاوز الدقيقتين ، وعندما رجعنا ، وجدناه في كرسييه ، وقد استغرق في النوم … ولكنها كانت النومة الابدية .

نعاه الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلاً :

أنه ورغم التغييرات الهائلة التي شهدها المجتمع البشري على مدى قرنين إلا أن اسم كارل ماركس لا يزال محترما في أنحاء العالم ، بينما لا تزال نظريته تضيء بنور الحقيقة الساطع .

ماركس هو أستاذ الثورة للبروليتاريا وجماهير العمال في جميع أنحاء العالم ، والمؤسس الرئيسي للماركسية ، ومبدع الأحزاب الماركسية.

دعا ماركس للثورة البروليتارية بهدف التحول للاشتراكية ، باعتبار ذلك حتمية تاريخية .

في عام 1848 ، نشر كارل ماركس المانيفستو الشيوعي مع فريدريك إنغلز . ومن أبرز الشعارات المأخوذة من المانيفستو :

( يا عمال العالم اتحدوا) .

في عام 1849، نُفي كارل ماركس إلى لندن حيث عاش بقية حياته، ونشر المجلد الأول من كتاب ( رأس المال) .

2- مقولتان لماركس ؟

اتذكر دوما مقولتين لماركس ، سارت بهما ركباني وركبان العالم .

تقول المقولة الاولى بلغة العجم :

Experience acclaims as happiest the man who has made the greatest number of people happy.

وترجمتها بتصرف ان اسعد انسان من اسعد اكبر عدد من الناس .

من قال هذه المقولة فقد اختزل الاسلام فيها ، فالرسالة المحمدية ، كما تقول الآية 25 في سورة الحديد هي ان ( يقوم الناس بالقسط ) ، اي لاسعاد الآخر بعدم ظلمه ، ومخاطبته بالتي هي احسن ، والإحسان اليه .

قالت :

لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ، وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط …

وفي نفس المعنى يقول اينشتاين :

الانسان هنا من اجل الانسان الآخر .

وتذكرنا الآية الاولى والثانية في سورة الكهف بان الهدف من القرآن هو بشارة الذين يعملون الصالحات بان لهم اجراً حسناً ؟

والصالحات هي ما قال به كارل ماركس من اسعاد الناس ، بعدم ظلمهم ، وبأن نقول لهم حسناً ، وبأن نتصدق عليهم بالماديات التي نحبها ، بعد القول الحسن ، ففي تصدقنا خير لنا قبلهم :

… وانفقوا خيراً لانفسكم …

عاش كارل ماركس ليسعد الناس ، خصوصاً المهمشين والمستضعفين والمساكين ، ولا زال العالم يردد معه شعاره الاسطوري :

( يا عمال العالم اتحدوا ) .

الم تسمع ، يا حبيب ، السيد الامام يحاكي كارل ماركس ، ويردد :

يا اهل السودان إتحدوا .

ومقولة كارل ماركس الثانية التي تذكرني به هي :

الدين افيون الشعوب .

3- ماركس والدين ؟

كما قلنا في مقالة سابقة ، في فبراير 1844، قال كارل ماركس ، مقولته التي سارت بها الركبان :

Die Religion ist das Opium des Volkes .

( الدين أفيون الشعوب ) !

عنى كارل ماركس بهذه الجملة التي صارت مرجعية في النظرية الشيوعية اربعة أمور :

+ الأمر الأول إن المُستغـَلين والمُضطـَهدين الذين خبر حياتهم في بريطانيا لا يجدون لهم عزاء الا في الدين ( كما الأفيون ) للتخفيف من معاناتهم .

+ الأمر الثاني إن الكنيسة البابوية الكاثوليكية ، قبل ثورة مارتن لوثر البروتستانتية ( 1517 ) ، كانت تخدر الشعوب وتخرجهم من دائرة الوعي بآلية الدين الذي تستغله كما الأفيون ، وتمنعهم من التفقه في أمور دينهم ، وتمنعهم من التواصل المباشر مع خالقهم ، بواسطة آلية الكهنوت .

+ الأمر الثالث إن النظرية الشيوعية تعتبر الدين من الإفرازات السلبية للصراع الطبقي بين السادة الاغنياء والعبيد الفقراء ، والقشة التي يمسك فيها المهمشون تجنباً للغرق ، وإنه بدلاً من قشة الدين فخير للمهمشين أن يركنوا للنظرية الشيوعية لتحميهم ضد تغول الطبقات المُستغلة .

+ الامر الرابع أن الدين لا يشجع على الفكر الحر بل يبقي الناس مخدرين دون طموح للتقدم والتغيير .

في هذه الخلفية التاريخية المُستغلة للدين ، كان تحفظ كارل ماركس وبالتالي النظرية الشيوعية على الدين : يهودي ومسيحي وإسلامي أو أرضي .

4- ستالين والدين ؟

إستغل ستالين هذه المقولة الماركسية أسوأ إستغلال ، وأخرجها من سياقها الصحيح ، لتصفية خصومه السياسيين . تطبيقات ستالين الإنتقائية للنظرية الشيوعية ، وعدم إعتراف ستالين بالدين على إطلاقه ، كانت نتيجته وصم الناس للنظرية الشيوعية بالإلحاد ، وتم إختزالها في كلمة الإلحاد ، في أكبر تشويه للنظرية .

مع إن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير .

فكنا نرى الأستاذ عبد الخالق محجوب يصلي ويصوم ، ومن الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . في رمضان ، كان الأستاذ عبد الخالق يبسط البروش خارج منزله في ام درمان عند الغروب ، ويدعو السيارة للإفطار والصلاة معه . وكان يحرص على أن يؤوم المصلين شخص غيره ، لأنه يعرف ويقدر إن العوام يربطون الشيوعية بالإلحاد .

لأسباب لا علاقة لها بالدين ، أثبت التطبيق العملي للنظرية الشيوعية في الإتحاد السوفيتي ودول شرق اروبا الشيوعية لمدة تجاوزت السبعة عقود من عام 1917 وحتى سقوط حائط برلين في عام 1989 . إثبت التطبيق العملى للنظرية الشيوعية بواسطة دول متقدمة دارت حول القمر ، اثبت الفشل الذريع للنظرية الشيوعية ، فنبذها القوم ، لأسباب لا علاقة لها بالدين وكونه أفيون الشعوب .

كتب ماركس مقولته عن كون الدين أفيون الشعوب في فبراير 1844 ، قبل معركة ابا في 13 اغسطس 1881 ب 37 سنة ، وقبل دخول الامام الاكبر عليه السلام الابيض في 19 يناير 1883 ب 39 سنة .

5- ماركس ومعركتي ابا والابيض ؟

بعد معركة ابا في يوم السبت 17 رمضان الموافق 13 اغسطس 1881 ، ومعركة الابيض في يوم الجمعة 19 يناير 1883 ، نجد ماركس قد غير موقفه وموقف النظرية الشيوعية 180 درجة من الدين وكونه من الأفرازات السلبية للصراع الطبقي ، وكونه افيون الشعوب .

بعد معركتي ابا والابيض صار ماركس ( وبالتالي النظرية الشيوعية ) يدعو ليكون الدين ( وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية) ، بدلاً من افيون الشعوب !

بعد معركتي ابا والابيض ، صار الدين رقماً موجباً وليس رقماً سالباً في نظر ماركس .

نجح الإمام الأكبر عليه السلام في إعادة هيكلة النظرية الشيوعية رأساً على عقب .

6- رسالة ماركس لانجلز بعد معركتي ابا والابيض .

في كتابه المقرؤ ( قراءة عصرية في منشورات المهدية ) يحدثنا الدكتور محمد وقيع الله ، بأن كارل ماركس قد كتب في يوم الثلاثاء 27 فبراير 1883 ، بعد حوالي شهر من دخول الامام الاكبر عليه السلام الابيض وسقوط كردفان ، لصديقه فردريك انجلز مفكر الشيوعية الأبرز رسالة مفتاحية في الأدبيات الشيوعية ، غيرت موقع الدين في النظرية الشيوعية رأساً على عقب .

قال ماركس في رسالته :

( إن الأخبار التي تأتينا من السودان، في هذه الأيام، أخبار مثيرة للفكر، وإنها ستدفع بنا إلى أن نحيل النظر في مجمل بنية المذهب الشيوعي، الذي ندعو إليه، وستجبرنا على إعادة التأمل في حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي! ) .

ثم يستطرد ، حسب الدكتور محمد وقيع الله ، قائلا :

( … فإن الدين الإسلامي، بهذه الصيغة الثورية المهدوية المتفجرة في السودان، أصبح، وسيضحى وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية ! ) .

غير الإمام الأكبر عليه السلام المفاهيم الأساسية في النظرية الشيوعية ، وقلبها رأساً على عقب .

بعد معركة الابيض ، لم يعد الدين ( مجرد إفراز للوضع الطبقي ) ، كما كان يدعو كارل ماركس ( وبالتالي النظرية الشيوعية ) !

بعد معركة الابيض ، صار الدين ( وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية ) في النظرية الشيوعية حسب كارل ماركس ، وليس ستالين الذي شوه النظرية الشيوعية وأخرجها من إطارها الفكري ، بإستعمال الدين للتخلص من أعدائه الوهميين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *