حامد حجر ـ كمبالا
الهدف النهائي لأي عمل جبهوي، هو الإتفاق علي برنامج للحد الأدني يتفق عليه كل المكونات السياسية لإسقاط النظام، لكن أن تملئ واحدة أو جزء من تلك القوي شروطها علي كيان الإئتلاف والمسك بتلابيبها والحؤول دون التقدم نحو المستقبل، أو حتي إفشال مسعي وحدة القوي الوطنية والقومية التقدمية والحديثة، من إنجاز مرحلة الوحدة الوطنية ضد النظام القائم، والذي يتفق عليه الجميع علي أنه (دكتاتوري)، وضرورة وجوب إسقاطه، بعدة وسائل منها الناعمة ومنها الخشنة، بل ولربما المؤومة (combination)، بين الإثنتين أصبحت من أنجع آليات الكفاح وتعتبر من واجبات المرحلة لكل الأحزاب وليست فرض كفاية.
لكن ما لا يفهمه البعض في هذه الأيام، هو كيف لقوي الإجماع الوطني بأن تصاب بمرض التكلس، وعدم قدرتها علي جمع كل القوي السياسية في جبهتها، وبالتالي تقوم بدور الإنتظار لما يجب أن يكون دون التقدم خطوة واحدة بإتجاه القوي الثورية المسلحة بوجه خاص لإستكمال واحدة من شروط الجاهزيتها الذاتية لإسقاط النظام، أما وأن تتم التعطيل بدوافع نفسية ضيقة لأحزاب هي نفسها في المقلب الثاني للإتهام، ويتم كيل النعوت إليها علي أنها قومية (شوفينية)، لا تختلف كثيراً عن تلك التي تنادي بالسودان (الجديد)، والحكمة تقتضي لملمة النقيضين للحد (الأدني)، طالما تستبعد كل الأطراف ديمقراطياً غلواء الإقصاء والإجتثاث، وبالتالي تكون مبادرة الأستاذ فاروق أبوعيسي إبتدءاً، هو إبتدار مِلك الشعب السوداني، وهو من يعدل في بنودها من خلال القوي المنضوية تحتها، ويوسع من آفاقها، وبالتالي لا يكون نادياً خاصاً لمجموعة سياسية تفرض الفيتو علي آخرين، هم بقطع شك يحملون وجهة نظر مختلفة وكله من أجل سودان يحلم به من وجهة نظره، وهذا حقه الطبيعي لكن بشرط عدم فرضها علي الآخرين.
من نفس الزاوية لمنظور الأشياء، وعندما طرحت تحالف (كاودا)، ميثاقها التي تطورت بسرعة لتتحول إلي وثيقة (الفجر الجديد)[1]، في يوليو 2012م، بعد إستيعاب وجهات نظر مغايرة منها ما خص حركة العدل والمساواة السودانية، وبالتالي توافقت الآراء حولها، وفي تقييم موضوعي إستطاعت الجبهة الثورية من إنجاز مهام كبيرة علي كافة الأصعدة في فترة زمنية وجيزة، حتي توجت مؤخراً بإنضمام أكبر حزب في السودان، بعد عملٍ داؤوب من جانب (الثورية)، حتي وصّلت رسالتها بشكلٍ جلي، وكانت الصدمة التي لم تفق الكثير من القوي السياسية من هولها حتي اللحظة، وهذه الخطوة محسوب علي طول أناء الجبهة الثورية، وقد قالها صراحة نائب رئيس الجبهة الثورية الدكتور جبريل إبراهيم [2]من أنه “يكفي أعلان باريس فخراً أنه أجبر، بطرحه العقلاني ومنطقه السليم، ألّد أعداء الجبهة الثورية في الساحة السياسية السودانية وأكثرهم تطرفاً، والفضل ما شهدت به الأعداء، إلى الإعتراف بأنه بحث في الأعلان عما يمكن الإعتراض عليه فلم يجده، وإنه أفضل مما حققتها مجموعة 7+7 من نتائج. ومع ذلك لا يدّعي صُنّاع الأعلان الكمال، وغاية مرادهم أن يمثّل الإعلان منطلقاً لحوارٍ وطني جاد ينتج خارطة طريق”.
والسؤال الملح هو هل قوي الإجماع الوطني مفصلة علي مقاس بعض الأحزاب الصغيرة، التي ترفض مجرد تفهم موقف (الجبهة الثورية)، التي أجبرت بدعوة من النظام إلي حمل السلاح، وصمدت بقوة علي مدي سنين عددا، وأبقت جزوة النضال مشتعلاَ، حتي أوصل النظام بتراكم الفعل النضالي المُستمر إلي حَدِها اليوم، وطفق يطلق (الحوارت)، مع ذاتها (مجتمعية) كانت أو حتي (سبعة علي مثلِها)، وفي نيتها حَرق المرحلة بشراء الوقت، والتطلع إلي إنتخابات حزب المؤتمر الوطني (المخجوجة) سلفاً، هذا من حال النظام، ولكن ألا يمثل الموقف السلبي لبعض الأحزاب (القومية)، من التقارب أو حتي التحاور مع (الثورية)، من دون أن يُنْكَر فيه حق الآخرين في أن يكونوا آخرين، خصماً عليها وتقوية لموقف النظام، وبالتالي صموده في وجه جماهير الشعب التي كانت آخر إرهاصات رفضه هو حراك إنتفاضة (سبتمبر)، وأجبر النظام علي أن يفرط في إستخدام القوة، وولغ في دماء السودانيين من جديد، رد فعل النظام وبهذا القدر من الهمجية تكفي (الثورية)، سبباً لحمل السلاح وإلا لكانت قد سُحقت وإنتهي أمرها قبل عقد من الزمان.
فالتمايز في المواقف السياسية والبرامج من قبل أي حزب سياسي حق مكفول، لكن الإستمرار في تخوين المعارضين (الزملاء)، والتنطح بتوصيف وثيقة (باريس)، بأنها رافعة أجنبية، هذا الكلام ينفع للإستهلاك الأعلامي لكن لا قيمة له في الواقع، لأن النظام لم يوفر لأحد شيئاً ذات قيمة للحوار في الداخل، وقد بات كل من ألقي البصر وهو شهيد بأن النظام يفتقد إلي مصداقية للعمل معه، غير تفهمه اللامحدود حينما يُجابه بوسائل خشنة. ولعلني أستعير من التجربة السودانية في التجمع (الوطني الديمقراطي)، بتأريخانيته الشاخصة، ما الذي أستفاده الحزب (القومي)، الذي عارض الإنضمام إلي التجمع، بإعتبارها أغتربت إلي (أسمرا)، بينما هو نفس الحزب كان يقوم بتأهيل كادره من عاصمة دولة (عربية)، بعيدة جغرافاً عن السودان، ويرقد بينهما لجة بحر (الظلمات)، ولكن العتب هذا الحزب لا يتوقف علي تجمع القوي السودانية في (أسمرا)، وهي التي أقرب إلينا من حبل الوريد، والدكتور محمد جلال هاشم، يلعن الأيديولوجيا التي تزيف الواقع سبعاً، كل ليلة قبل أن يخُلد إلي النوم.
وما الذي يجبر الناس علي البحث خارج الوطن عن حلول لمشاكل محلية غير ضيق أوعية الإستيعاب السياسي في الدولة (الرسالية)، ومشروع الإسلام السياسي. نفس الخطأ الإستراتيجي يتكرر مع تجربة الجبهة الثورية (SRF)، ويقف ذلك الحزب (القومي)، ويأبي الإنضمام إلي ذلك الكيان السوداني الجبهوي لإسقاط المشروع القروسطي في السودان، ويمسك كما أسلفت بتلابيب (قوي الإجماع الوطني)، ولا يتركها تكمل واجب الإصطفاف، ويجعل البعض يطلق أحقية السؤال عن مّن الذي يُعطل مشروع التغيير الوطني؟
ويكون منطقياً لو جاء طرح (الثورية)، في القول بقبولها بإجراء المفاوضات في مدينة الـ(كاودا)، والجبهة الثورية هي من توفر الضمانات الكافية هذه المرة، لوفد الخرطوم للحوار هناك، والشرط الوحيد هو بالطبع توقف طائرات النظام وكفها عن إلقاء البراميل المتفجرة، لأن أعضاء المؤتمر الوطني يحاورون، أو يفاوضون لا فرق، رفاقهم في الوطن في بقعة سودانية وداخل حدود الجمهورية، هذا القول رغم وجاهته، إلا أن النظام سوف لن يقبل به، لأن الموضوع من أساسه (لعبة سياسية)، يفتقد إلي أية جدية، وإلا ما الذي يجعل (غندور)، يحفُ قدماه وهو يسعي بين (برلين)، و(فلوتو)[3]، لمقابلة قيادات (الثورية) ولا يوفق ويعود بخفي حنين؛ (لعبة)،والضايع فيها بالطبع المواطن، ثم الوطن الذي يتفتت بفعل التعنت والإستعلاء و(التحلل).
في الختام، الجبهة الثورية قد حصدت ما يكفي من النقاط السياسية، وحسناً فعلت وهي توقع مع الإمام علي وثيقة (باريس)، وحسناً فعلت أيضاً، عندما توجهت وفدها بقيادة ياسر عرمان والتوم هجو (مع حفظ الألقاب)، لمقابلة مولانا الميرغني في (لندن)، ونتمني للثورية أيضاً أن تتجه إلي (القاهرة) المعز للقاء قيادة الإجماع الوطني، وأملنا ألا تلعب حزب البعث دوراً سلبياً، وأن لا يكون للحزب (فيتو)، علي أحد، لأنه أمر غير معقول وغير عملي، ويؤدي إلي إضعاف المعارضة، وتأخير العمل وتعويقه ورهنه لرأي مكون وآحد، ولما الخوف أصلاً من الجدل العقلي المطلق، وحرية تفحص الإطار المعرفي بوحدة القوي المعارضة، ستكتمل صورة الإصطفاف، ووفق برنامج للحد الأدني متفق عليه، بل حتي يمكن أن يُصارُ إلي تشكيل حكومة (المنفي)، وعندئذٍ، فالتكن الإنتفاضة الشعبية والعصيان المدني، إحدي أدوات التغيير وليست الوحيدة، ولا داعي لــ(دسا لمحافير). ويمكن إستشراف الضمانات من القائد ياسر عرمان في قوله “الحوار الذى يدور فى بلادنا بين القوى الديمقراطية، والحركات الإجتماعية الجديدة فى الهامش والمركز، وإن أى قصة ناجحة للتغيير فى السودان لايمكن أن تُبنى على أساس إثنى سواء بالأحتفاظ بالمركز القديم أو محاولة بناء مركز إقصائى جديد، ولا يمكن تبديل الضحايا بضحايا آخرين”[4].
حامد حجر ـ كمبالا [email][email protected][/email]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]، الجبهة الثورية السودانية هي تحالف لقوي سياسية سودانية مدنية ومسلحة، تأسست في يوليو 2012م، ثم إكتمل تكوينها في أواخر العام 2012م. وخاض جناحها العسكري معارك عنيفة ضد النظام وكسبتها في كل من أم روابة، أبوكرشولا،شمشكة، كانجا، جبل الداير، أم جاك، البوطة،أبوذبد، التروجي وجبل أبودموع.
[2]، الدكتور جبريل إبراهيم: مقالة بعنوان لماذا وقعت الجبهة الثورية اعلان باريس مع حزب الأمة.
[3]، برلين، فلوتو مدينتان تقعان في ألمانيا.
[4]، ياسر عرمان: مقالة بعنوان مملكة الضياء.