قراءة نقدية لقانون المشورة الشعبية وتأثيرها على مستقبل اقليم جبال النوبة

قراءة نقدية لقانون المشورة الشعبية وتأثيرها على مستقبل اقليم جبال النوبة

( 1 – 2 )

بقلم / آدم جمال أحمد  – أستراليا

      يهدف هذا المقال الى تقديم قراءة نقدية لقانون المشورة الشعبية لأنها لم تقم على منهج واضح فى تسلسل لمواد بنودها المنصوص عليها من خلال ملاحظاتنا تفتقر الى الموضوعية والعلمية فى وضع منهجية واضحة فى كيفية معالجة عملية القصور والاهمال والتهميش التى كانت من دواعى أسباب تسلسل الصراعات تباعاً والتى قادت فى نهاية المطاف الى إنفجار الحرب بالاقليم مما أدى الى التحاق أبناء جبال النوبة بصفوف الحركة الشعبية لاسترداد حقوقهم المسلوبة وتحقيق تطلعات شعب الاقليم والتى تتمثل فى تجلياتها الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية ، بل نجد أن قانون المشورة الشعبية إتبنى على منهج وصفى تحليلى فضفاض دون ذكر أى معالجات أو حلول جذرية فى نصوص واضحة وجلية لذلك ، خاصةً فى ظل التطورات السياسية الجارية الآن في السودان ومدى تأثيرها سلباً أوإيجاباً على مستقبل إقليم جبال النوبة ، ولا سيما الدولة مقبلة على عملية إنتخابات عامة والتي ستجرى في البلاد في أبريل 2010 ، ولا شك بأنها سوف تساهم بقدر كبير فى تغيير الخارطة السياسية فى السودان ويتبعه إنتخاب مجلس تشريعى بالولاية يترتب عليه تكوين مفوضية برلمانية لتقوم بالتوعية والمراقبة حتى يتمكن مواطنو منطقة جبال النوبة من الإدلاء برأيهم في إتفاقية السلام عن طريق ممارستهم للمشورة الشعبية بعد تكوين الحكومة الجديدة ويعقب ذلك أيضاً استفتاء لسكان منطقة أبيي ثم جنوب السودان لتقرير المصير ، فلذا لا بد من ترسيم أبعاد هذه المشورة الشعبية والتى تحتاج منا جمعياً لوقفة صلبة وتضافر كل الجهود فى هذا الظرف الحرج الذى يمر به شعب اقليم جبال النوبة والمأزق التاريخى التى وضعتهم فيها الحركة الشعبية حينما ساومت بقضيتهم بعد تفويضهم لها فى سابقة هى الأولى من تاريخ العمل السياسى ، والتى كانت مسمار النعش للقضية النوبية بعد أن قدمت الحركة الشعبية أرتال من التنازلات لحكومة المؤتمر الوطنى فى مفاوضات سرية بينهما لتحقيق مصالحها فى الجنوب ، بل وغضت الطرف عن تطلعات وحقوق منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق.

      ومن خلال إطلاعنا على مسودة نص قانون المشورة الشعبية لولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق والتصفح عبر فقرات بنودها ومواد فصولها والتى جاءت من (18) مادة على أربع صفحات مقارنةً بنص قانون إستفتاء منطقة أبيى والتى تعتبر جزءاً من جنوب كردفان وتم إلحاقها بالجنوب إدارياً والتى لا تعادل خمس مساحة محافظة من محافظات جنوب كردفان ، تتكون من (47 ) مادة على خمسة عشر صفحة ، فهذه أولى المفارقات .. فقانون المشورة الشعبية والذى تم إجازته من قبل المجلس الوطنى ووقع عليه رئيس الجمهورية والذى بموجبه يحدد النظام الادارى الدائم للولايتين ، اللتين تخضعان حالياً لإدارتين مؤقتين خلال الفترة الانتقالية التى تنتهى بإجراء انتخابات عامة ، نجده لا يلبى ويحقق طموحات وتطلعات شعبى الولايتين ، بل هو مشروع فضفاض كل ما يدعو اليه هذا القانون هو تنظيم وتفعيل حق شعبى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر مجلسيهما التشريعيين المنتخبين ديمقراطياً تحقيقاً لتطلعات شعبيهما الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية المضمنة فى اتفاقية السلام الشامل والتى أصلاً فشلت فى حسم النزاع السياسى فى الولايتين وتحقيق التنمية والأمن والاستقرار ، دون أن يذكر صراحة ما هو نوع الحكم وكيفية إدارة هاتين الولايتين هل تدار عبر حكم ذاتى .. أم  حكم لامركزى  .. بواسطة أبناء الولايتين .. وهل هناك إستفتاء لأبناء الولايتين بأن يحددوا مصير اقليمهم الى أى جهة تتبع إدارياً .. وما حجم نصيب كل ولاية من الثروة القومية وخاصة البترول هل تبقى بنسبة (2%) و كيفية التعامل مع الثروات الأخرى التى تكتشف فى الولايتين ، وعلاقتهما بالمركز ونصيب  كل ولاية فى الحقب الوزارية والسيادية وترسيم الحدود وتفاصيل الترتيبات الأمنية ووضع جيش الولايتين وخاصة هناك اكثر من عشرة الف (10 ألف ) جندى من أبناء النوبة ما زالوا بالجنوب لم يتضمنوا حتى فى اتفاقية السلام فى الترتيبات الأمنية والذين لم يتحدث عنهم حتى الآن قيادات أبناء النوبة بالحركة الشعبية وهو ما يثير تساؤلات كثيرة ، لماذا يصر الجنوبيين بالاحتفاظ بهؤلاء فى مناطق غرب الاستوائية بدلاً عن جبال النوبة هل لخلق توازنات فى حال الانفصال لحسم أى تمرد أو صراعات قبلية  قد تحدث كما حدث فى الناصر حينما إنفصل لام أكول وريك مشار ، أم قيادات الحركة بالجنوب لا يثقون فى الجنوبيين أم محاولة ذكية منهم لتذويب هذا الجيش الأحمر كما حدث لأبناء النوبة الذين إستخدمهم الانجليز فى فتوحاته لبعض الدول مثل يوغندا وما زالوا الآن بها و إستعان بهم عيدى أمين عندما إستولى على السلطة ، فهناك العديد من المسائل المعلقة بمنطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق والتى لم تحسمها بعض اتفاقية نيفاشا للسلام فكيف تكون الاتفاقية مرجعية للمشورة الشعبية.                                                                    
     كما ذكرت فى مقالات عديدة بأن هناك ثغرات عديدة فى اتفاقية نيفاشا وخاصة فيما يتعلق بأمر المناطق الثلاث والاتفاقات السرية ما بين الحكومة والحركة الشعبية والتى  بموجبها تنازلت الحركة الشعبية بصورة ذكية عن منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق فلم تحقق لهم الاتفاقية شيئاً .. فلذلك نحن نثمن كل التضحيات فكل إنسان كان يدفع بقضية جبال النوبة من موقعه , فلذلك هذه القيادات النوبية هي قيادات لها تجاربها وكانوا سباقون للعمل النوبي ولهم القدح المعلي في ايصال القضية وطرحها علي المجتمع الدولي من خلال مواقعهم المختلفة في تلك الظروف الحرجة والعصيبة التي مرت بها قضية جبال النوبة أوائل التسعينات , فمنهم القيادات السياسية والنقابية والفكرية فاستطاعوا طرحها من خلال المنابر والمحافل الدولية والي جانب نضالهم ومساهماتهم في دفع القضية النوبية التي ساومت بها الحركة الشعبية مع الحكومة لكسب قضية أبيي التي كادت أن تنسف اتفاق السلام في سبيل تنازل الحركة الشعبية عن منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ليحققوا بها أهدافهم كجنوبيين .. فيجب ان نكون واقعيين بأن ما تم في اتفاقية السلام الأخيرة وما جري من المراوغة والتمنع من قبل الطرفين الحكومة والحركة الشعبية وبعد مساومات وتنازلات بينهما !! فماذا كان نصيب أبناء جبال النوبة من هذه المفاوضات؟ كان حصادهم حبالاً بلا بقر وذراً للرماد في العيون!!.. وما تسمي بالمشورة السياسية وهي عبارة عن ( ملهاة سياسية ) لا أكثر ولا أقل حتي أصبحنا كدولة (بيزنطة)  في الجدل . فالسيناريو الذي حبكته كل من الحكومة والحركة الشعبية أدخلت ابناء المنطقة في نفق مظلم؟  بعد كل هذا ما  زال البعض يريد منا أن نأتي ونضرب سلام تعظيم للحركة الشعبية ونلوح لها ايادينا بالتصفيق!!..( ليس هكذا تورد الابل ) .. لأن انضمام أبناء النوبة الي الحركة الشعبية ليس ككيان منظم وفق أطر وأطروحات محددة ومعينة بل كأفراد إختاروا أن يكونوا كمقاتلين داخل صفوف الحركة الشعبية , فلذلك فشلت تجربة أبناء النوبة بالحركة الشعبية في تحقيق مطالب المنطقة وهو إمتداد طبيعي لفشل أى تجربة أنجبت نفس الأشخاص والقيادات ودفعت بهم الي الانضمام لصفوف الحركة الشعبية دون أي دراسة أو تخطيط وجرت جبال النوبة لهذه المشاكل التي نعيشها اليوم وتعاني منها المنطقة !!.. ولماذا إنسحب الكثير منهم بهدوء وهم يحملون معهم أذيال الخيبة والاحباط ولزم بعضهم الصمت وانتهي به المطاف الي ركن قصى سواء داخل منطقة جبال النوبة أو خارجها وهم يحملون معهم الكثير من المسكوت عنه .. بعد أن حاربوا أكثر من قرنين من الزمان ؟ ولماذا تخلت الحركة الشعبية عن حلفائها ابناء النوبة وساومت بقضيتهم ولماذا جاء المرحوم الدكتورجون قرنق في الآيام الأخيرة لمؤتمر كاودا ولماذا فوضوه أبناء النوبة للتفاوض نيابة عنهم ولماذا تحتجز الحركة الشعبية مجموعة كبيرة وأكثر من عشرة ألاف من الجيش من أبناء النوبة بالجنوب ولماذا لم يكن هنالك جيش من أبناء النوبة تابع للحركة الشعبية بمنطقة جبال النوبة ولماذا لم ينسحب الجيش السوداني من منطقة جبال النوبة كما تنص عليه اتفاقية الترتيبات الأمنية بوجود جيش بجبال النوبة ؟ وأين وصلت الترتيبات الأمنية لمنطقة جبال النوبة؟ ولماذا إستأثر الجنوبيين بحكم الجنوب وحدهم دون إشراك أبناء النوبة والنيل الأزرق في إطار الحقائب الوزارية والمناصب الدسمورية ؟ وأين نصيب أبناء النوبة في السلك الدبلوماسي والأجهزة التنفيذية والوزارات الاتحادية التي من نصيب الحركة الشعبية وهي شريك أساسي في الحكم والسلطة؟ وماذا كان يتم ويجري وراء الدهاليز اثناء المفاوضات وتغييب المعلومات عن وفد أبناء جبال النوبة؟ وهنالك أسئلة ذات حساسية لماذا لا يتحدثون عنها وهي كثيرة يجب أن نجيب عليها ، فى الوقت الذى تمسكت فيها الحركة الشعبية بحق الاستفتاء لسكان منطقة أبيى والتى كادت أن تنسف بإتفاق السلام.

    ولاجراء عملية المشورة السياسية يتطلب ذلك إنشاء مفوضية برلمانية من كل مجلس تشريعى فى أى من الولايتين ، وتتكون المفوضية من سبعة أعضاء من ضمنهم الرئيس والمقرر والبقية أعضاء بموجب قرار من المجلس التشريعى ، ويكون مقر المفوضية عاصمة الولاية المعنية ومن شروط الأعضاء السبعة أن يكونوا منتخبين فى المجلس التشريعى وتنتهى عملها بانتهاء عملية المشورة السياسية ، ولكن تكمن خطورة المسودة فى المادة 12 المصادر المالية للمفوضية والمادة 14 التوعية الخاصة بالمشورة الشعبية والمادة 15خيارات وإجراءات ممارسة المشورة الشعبية والمادة 17 نتيجة المشورة الشعبية ، والتى سوف نقوم بتناول بعض بنود هذه المواد والعمل على تحليلها حتى يقف القراء على حقيقة ما يجرى ويخطط له مسبقاً. 
فىالمادة 12 تتكون المصادر المالية للمفوضية من الميزانية التى تخصصها الولاية المعنية للمفوضية والمنح من الأشخاص أو المؤسسات غير الحكومية أو من المنظمات الوطنية والأجنبية والمامحين والأصدقاء وأى مصادر أخرى ، كما جاءت فى البنود من (أ) الى (ھ ) ولكن بشرط أن توافق عليها الحكومة أو المجلس أو بطلب من رئيس المفوضية ، لأن الذى يتحكم عى عملية التمويل والدعم المالى يستطيع أن يفرض سيطرته الكلية على المفوضية وتوجيه عمل مهامها وإجراءات سير المشورة الشعبية بالولاية ، والتى مهمتها أن تقوم بالتوعية ومراقبة إجراءات المشورة الشعبية بالاضافة الى القوى السياسية وبعض الأطراف.أما فى البند (1) من المادة 14 ينص على الآتى ( يجب على الحكومة وحكومة كل ولاية ضمان توفير الفرص والمعاملة المتساوية لشعب الولاية والقوى السياسية المختلفة للتعبير عن الآراء المختلفة حول المشورة الشعبية عبر الأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة والولاية المعنية .. والبند (2) يحظر تقييد حق التعبير أو إساءة استعمال السلطة لغرض تحقيق ذلك .. للأسف لا توجد أى ضمانات بأن تنقض الحكومة عهودها فى كل مرة وهل يستطيع الحزب الحاكم أن يسمح باستخدام أجهزة اعلام الدولة المملوكة له وهو يسيطر على مجلس وحكومة الولاية بالأغلبية المى منحها أياه إتفاقية السلام زحل يسمح بالأراء الأخرى المخالفة له  وبأن تصبح ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق بعيدة عن ما رسم وخطط له جاخل أروقة الحكومة وخاصة فى ظل قانون الأمن الوطنى ، ولو فرضنا جدلا كان ذلك صحيحاً كما تدعى فلماذا تمسكت بهما وناكفت فى المفاوضات بأن لا تكون جزءاً من الجنوب أو حتى منحهما الحكم الذاتى أو الاستفتاء أثناء مفاوضات نيفاشا .. فما هذه إلا مناورات سياسية وتكتيكات تقوم بها الحكومة لإخفاء حقيقة نواياها وما تسعى وتطمح له تجاه هاتين الولايتين والذى لا يمكن بكل المقاييس أن تفرط فى شبراً واحداً منهما.
والى اللقاء فى الحلقة القادمة والتى نتناول فيها خيارات وإجراءات المشورة الشعبية ونتائجها …. 
 
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *