قد يكون قدرنا

 قد يكون قدرنا

إستيلا قايتانو

هل هو قدرنا أن نولد في أرض هي أوسع بلاد العالم ولكن نجدها سجن بالكاد يكون متر × متر لا نستطيع حتى مد أرجلنا قدر لحافنا فيها.
هل هو قدرنا أن نولد في أرض فيها أطول نيل في العالم ويموت إنسانها وحيوانها ونباتها عطشاً؟
هل هو قدرنا أن نولد في أرض خصبة وأخذت لقب سلة غذاء العالم ويطحن الجوع مواطنيها؟
هل هو قدرنا أن سنحت لنا فرصة لبناء دولة وسياسة رشيدة ، تبلغ من العمر خمسين عاماً وما زالت مراهقة تتخبط في أهوائها؟

هل هو قدرنا أن كل العالم يتجه نحو التكتلات والاتحادات لصنع مركز للقوة ونحن نتجه نحو الانفصال والتفتت وربما نصبح جارتين صديقتين في دولتين مستقرتين وهذا ما يتمناه زلوط في أحلامه وما يعشم به كعشم أبليس في جنات الله.
لأننا بعيدون كل البعد عن الاستقرار كيف لا وقد صنفنا من قبل بأننا من دول العالم الأكثر توتراً وزلزلة ونهدد استقرار المنطقة بأسرها. هل هو قدرنا أن نرفس نعمة أن نكون الأفضل على مستوى أفريقيا بحكمة إدارتنا لهذا الكم الهائل من الثراء النوعي على كل المستويات بيئة – اقتصاد – مجتمع ، لنقدم للعالم الثالث نموذج للتعايش السلمي رغم التنوع ، ولكن يبدو بأن الفتنة تغلب الحكمة في بلادنا كما تغلب الكثرة الشجاعة.

هل هو قدرنا بأن حتى الآن لم تولد حكومة تغلب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية وتغلب مصلحة العامة على أنانية الذات وموالاة الأقارب وإلا كيف يستشرى كل هذا الفساد وأكل المال العام وعدم المسائلة؟

هل هو قدرنا أن ننام متوسدين القلق من باكر ونحن نفترش الخوف من المستقبل؟ هل هو قدرنا أن نسرح مبتعدين من ضحكات أطفالنا حين نلاعبهم ونحن نفكر في مستقبلهم، وحين تجيش فداحة الأشياء نتمنى لو لم ننجبهم؟

هل هو قدرنا أن نكون مجرد مستهلكين ، مستهلكو معرفة بعد أن تكتب القاهرة وتطبع بيروت فكنا القراء وربما لا زلنا ، مستهلكو خدمات لأننا معوزين جوع ومرض وجهل ، مستهلكو رياضة … وإلا كيف فإننا – قاعدين فراجة – وآخرون – يبرطعون – في ملاعبنا؟

هل هو قدرنا أن دائماً هناك هوة بين المسئول والمواطن لا المواطن قادر أن يصل المسئول ولا هو داير يجى ويحس مجرد إحساس بنبض الشارع ليسمع قلوب مواطنيه الواجفة؟

هل هو قدرنا إلا يتسع ديوان المشوارات والمؤتمرات إلى جميع رجالات ساستنا … دائماً هناك من هم بالخارج أما جبراً أو حردان أو حتى ساي مجرد “كجين ” ثم تأتي نظرية المؤامرة والتآمر لتقضى على أخضر ويابس المؤتمرين ولو كان ذاك يصب في مصلحة الوطن والناس؟ هل هو قدرنا أن نسمع حلو الكلام اليوم لنرى مرارة الفعل غداً؟

قد يكون قدرنا (2)

أتمنى أن تشرق شمس يوم ما ويفكر فيه كل السودانيين بقلب رجل واحد ما زال في صدره ضمير حي ، هكذا كما يفعل من أسرف في الحياة وأذى نفسه والآخرين ويغتنم لحظة التوبة تلك ، يرتجف أمام كل تلك الأسئلة الصعبة … لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ .. وهل في العمر متسع للإصلاح؟

هكذا أجد نفسي في أحلام يقظتي أغلق علينا أبواب السودان بعد أن يجتمع الجميع داخله حكومتهم ومعارضيهم ، كبارنا وصغارنا ، رجالنا ونساءنا ، وكل فرد يحمل في وجدانه بصمة سوداني … لنقف لحظة ونسأل أنفسنا كيف وصلنا إلى هنا؟ ولماذا ؟ .. كيف تم قيادتنا خلال هذه الـ 50 عاماً لننتهى على شرفة وادي سحيق مظلم من تاريخ البلاد ثم نخير بأن ننط الهوة أو ننط جوة ، وهما خياران أحلاهما مر.

قد يكون قدرنا أن ننط جوة ثم تخيل ماذا ينتظرنا هناك؟ ما يؤلم حقاً هو أن نجد أنفسنا أضحوكة العالم ونحن نتقافز هنا وهناك لتدويل مشاكلنا؟ ونقبل صاغرين أوامر سادة العالم عندما يقولوا لنا : جلوس … ونفذوا هذه الاتفاقية … من مفارقات الأشياء هو أن نختلف حول تنفيذ الاتفاقية!!!؟ فهو أصلاً اتفاق من أين يأتي الاختلاف؟

أن تكون كريماً أكثر إذا تمت دعوة أخوية للجلوس والتحاور ؟ ولكن من أين نأتي بهذا الأدب ؟ إذا كانت نشأتنا في الأساس قائمة على الأوامر .. أوامر من الأب والأم والأخوة الكبار أوامر من الأساتذة أو من رب العمل وهكذا؟
لم ننشأ على أن يناقشنا أحد فيما نريد أو ما لا نريد ولكنا آليات لتنفيذ من يريده الآخرون. ما نحن فيه الآن هو مسئولية الجميع الساسة بالتخبط وضيق الأفق والمفكرون والمثقفون بالإنكفاء والإحباط والمواطنون بالصمت.

لقد آن أوان القول ويكفينا الصمت حتى اللحظة فالجراحات تدعو أن نصرخ وننبه لخطورة المسائل وأمامنا لنحدد بأن نكون أو لا نكون. فمصلحة العالم هو أن نؤمن له الغذاء في ظل الفجوة الغذائية وأن نؤمن له المياه في ظل شح المياه الصالحة للشرب ودول أفريقيا التي ما زالت تتناحر أعينهم علينا لنقدم لهم نموذج في التعايش السلمى لدولة يكثر فيها التنوع. هل في مقدرونا أن نقدم خدمة للعالم الذي أرهقنا عواصمه بمشاكلنا بأن نحقق له هذه الضمانة… الغذاء والماء ومن ثم الحياة؟ وهل في مقدورنا أن نكون عصا موسى في أن نحول أفريقيا إلى دنيا جديدة تعيش في أمن وإستقرار ورخاء بعد أن نقدم لهم النموذج الذي يتطلعون إليه؟

فيا سادتنا الذين في الكراسي ويا سادتنا الذين يحملون السلاح .. في أيديكم أن تحولوا هذه البلاد إلى محرقة وإنسانها إلى رماد … أو أن تحولوها إلى جنة في الارض وإنسانها إلى محظوظ يتمتع بكل أنواع الثراء -مادي – معنوى – ثقافي – بيئي – في ظل ديمقراطية وحكم رشيد … لنبدع جميعاً في رحاب الحرية والكفاية. وتذكروا دائماً أن الإنسان السوداني يستحق أن يعيش في الجنة وأن يكون محظوظاً – يستحق بكل جدارة.
 
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-2567.htm

Mariam Al-Mansoura

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *