محيط ـ هبة عسكر
مظاهرات للصحافين السودانيين اعتراضا على قانون الصحافه
أثار إقرار البرلمان السوداني قانون الصحافة والمطبوعات الجديد “المثير للجدل” بحسب وصف المراقبين، ردود فعل متباينة في الأوساط الإعلامية والسياسية ، حيث اعتبروه هما جديدا يضاف إلي الأزمة السياسية عقب إصدار مذكرة اعتقال الرئيس عمر البشير والصراع الدائر في دارفور.
حيث صوت البرلمان السوداني بالإجماع على قانون الصحافة للعام 2009 الذي يعطي للمحاكم السودانية الحق في إيقاف الصحف وتغريمها ماليا وسحب الترخيص من الصحافيين لممارسة المهنة، ومن المعروف أن السودان يصدر به يوميا أكثر من ثلاثين صحيفة متنوعة بالعربية والإنجليزية وتمثل مختلف التيارات السياسية، شيوعية وإسلامية متشددة وموالية للحكومة.
بنود القانون
أعطى القانون الجديد مجلسا حكوميا يقع تحت إشراف الرئيس عمر البشير حق الموافقة على إصدار الصحف في السودان، كما أعطى القانون مجلس الصحافة حق إيقاف الصحيفة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، فيما يعود إلغاء الترخيص وإيقاف المطبوعة إلى المحاكم.
كما ينص علي أن “تمارس الصحافة بحرية واستقلالية وفقا للدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة لحقوق الآخرين وخصوصيتهم دون المساس بالأخلاق العامة ولا تفرض على حرية النشر الصحافي إلا بما يقره القانون بشأن حماية الأمن القومي والنظام والصحة العامة ولا تتعرض الصحف للمصادرة أو تغلق مقارها”.
وأسقط المجلس مادة جاءت في مشروع القانون وتنص على فرض غرامة تصل إلى 50 ألف جنيه على الصحفي إذا خالف قانون الصحافة، وأحال تقديرها إلى المحكمة.
كما نص القانون على عدم فرض أي قيود على حرية النشر الصحفي فيما يتعلق بالأمن القومي والنظام إلا “وفقا للقانون”، وألغى عقوبة حبس الصحفيين في قضايا النشر.
ويحظر القانون الجديد على الصحف أن تنشر كل ما من شأنه “إثارة الفتن الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للحرب أو العنف”، مضيفا أن على الصحف “احترام وحماية الأخلاق العامة، والقيم الدينية”.
في المقابل ، يقر القانون إيقاف الصحفي وتعليق عمل المطابع، ويترك المجال أمام تدخل الدولة على أساس اعتبارات الأمن القومي أو النظام العام ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان سيتقلص دور الرقابة.
وينص القانون على أنه “لا يجوز فرض قيود على حرية الصحافة والنشر وفقا للقانون، إلا في القضايا المتعلقة بالحفاظ على الأمن القومي والنظام العام والصحة”.
كما يمنح مجلس الصحافة السوداني سلطة تعليق صحيفة لما يصل إلى ثلاثة أيام دون تدخل قضائي وإصدار تراخيص للشركات الصحفية ووضع شروط القيد للصحفيين والموزعين وجهات الطبع.
ويجعل القانون الجديد من الناطق الرسمي للمؤسسات العسكرية المصدر الوحيد للمعلومات الصحفية عن القوات المسلحة ونشاطها والمؤسسات العسكرية الأخرى، ويجيز حبس الصحفيين وحظر الصحف في قضايا النشر.
مخاوف الصحفيين
من جانبهم ، يخشى بعض الصحفيين من أن يظل مجلس الصحافة الذي يعين الرئيس عمر حسن البشير ستة من أعضائه وعددهم 21 يتمتع بصلاحيات واسعة في ظل القانون الجديد.
ويري رئيس تحرير صحيفة الأخبار المستقلة محمد لطيف أن إجازة القانون لا تمثل علامة فارقة “لجهة أنه ألغى عددا من العقوبات، ولكنه فتح الباب أمام فرضها “وفقا للقانون”، معتبرا أن هذه العبارة مطاطة جدا وتكون رهينة بالتنفيذ، ووصف لطيف القانون بأنه مشروع توافق سياسي، لكن لم تراع في هذه التسوية السياسية مصالح الصحفيين.
وفي الوقت نفسه دعا صحفيون سودانيون من مختلف الانتماءات الفكرية في مذكرة موجهة للحكومة إلى إصلاح قانون الصحافة الجديد الذي يرونه “مكمما لحرية الصحافة”، مطالبين بتحرير مجلس الصحافة من السلطة التنفيذية، وفي ذلك رئيس الجمهورية نفسه، واقترحوا أن يتكون المجلس “من ممثلي المجتمع المدني، كما في كينيا، أو يتبع للبرلمان، كما في مصر، ليكون جهازا مستقلا ذاتي التنظيم والضبط، مهمته الأساسية دعم استقلال الصحافة، وحريتها، وازدهارها”، بحسب رأيهم.
واعتبر رئيس تحرير صحيفة “أجراس الحرية” مرتضى الغالي اعتبر أن القانون هو مجموعة من المواد السيئة وأنه غير قابل للتعديل “بل من الواجب على البرلمان رفضه تماما”.
وقال إن القانون “يحمل كل مساوئ القوانين في العالم” لأنه يجيز حبس الصحفيين ومصادرة المطابع والصحف ويفرض أعلى العقوبات على الصحفيين.
وأضاف أن القانون يتحدث عن مجلس الصحافة الذي يعين أمينه العام رئيس الجمهورية، في أكثر من عشرين مادة من أصل 31 مادة، مشيرا إلى أن القانون يعطي الجهاز التنفيذي الحق في التحكم بالصحف بل يحجر على حريتها تماما.
وذهب البعض إلى وصف القانون بأنه الأسوأ في تاريخ السودان ، ومن بين هؤلاء الصحفي وأستاذ الإعلام فيصل محمد صالح الذي يقول أن المشروع تم إعداده في غرف مغلقة ولم يعرض في أي من مرحلة من مراحل إعداده للتشاور.
وتابع قائلا “كما انه لم يناقش فيه الصحفيون العاملون بالمهنة ولا السياسيين والقانونيين المهتمين بالآمر، كما لم يخضع لأي نوع من التشاور مع الجهات العاملة في مجال حرية التعبير والصحافة من منظمات وتجمعات ومجالس مختلفة”.
ويرى صالح أن مسودة مشروع القانون لم تلتزم بقيم الحرية والديمقراطية، وبهدى الدستور الانتقالي الذي نص على حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة في عدد من مواده.
وكال صالح جملة من الانتقادات لمشروع القانون الجديد واصفا إياه بأنه قانون للعقوبات يعج بلائحة عقوبات تكثر من الحظر والمنع، وتعمل عكس القاعدة القانونية والشرعية،مشيرا إلى أن المواد التي جاءت تحت مسمى حرية الصحافة والصحفيين( المادة 5) أكثرت من الحظر وأباحت اعتقال وحبس الصحفيين أثناء ممارسة مهنتهم، وجوزت حظر الصحف ومصادرتها.
وأضاف أن القانون أغلظ من العقوبات التي يمكن أن تفرض على الصحف والصحفيين، فقد كرر السماح بنظر الشكاوى وإصدار العقوبات فيها مرتين ، أمام مجلس الصحافة وأمام القضاء، كما حوت لائحة العقوبات الحظر وسحب الترخيص ومصادرة المطابع ورفع سقف الغرامة إلى خمسين ألف جنيه إضافة لوجود مواد في القانون الجنائي تحكم بالسن والغرامة أيضا في قضايا النشر.
وأشار صالح إلي المشروع تم إعداده في غرف مغلقة ولم يعرض في أي من مرحلة من مراحل إعداده للتشاور .
وعدد في هذه السياق جملة من البنود التي قال إنها تتعارض مع عملية التحول الديموقراطي، ولا تتناسب مع قانون كفالة الحريات الصحفية، وحماية الصحفيين، وانتقد الجزاءات المنصوص عليها في مشروع القانون، كما رأى أن العقوبات يجب أن تكون قضائية وليست عقوبات إدارية من سلطات مجلس الصحافة والمطبوعات.
مظاهرات للصحافين السودانيين اعتراضا على قانون الصحافه
أما البروفسير علي شمو رئيس مجلس الصحافة المنتهية دورته، فقد أكد عدم إشراك مجلس الصحافة في تشريع القانون ، كما قال إن الرأي العام وجمهور الصحافيين والساسة تشكل لديهم يقين بأن الغرامات الواردة في نص مشروع القانون مبالغ فيها وغير معقولة حسب تعبيره.
وحول تبعية المجلس إلى رئاسة الجمهورية مثلما ينص مشروع القانون، قال شمو انه أمر طبيعي تحكمه بنود الدستور التي تنص على ضرورة أن تكون هنالك صلة بين الآليات المختلفة والأجهزة التنفيذية، وفي حالة مجلس الصحافة فقد رأى شمو انه الأفضل أن يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية.
خلاف سياسي
من جانب أخر ، أكد مراقبون أن هذا القانون يزيد من حدة الخلافات بين القوى السياسية السودانية ممثلة في نوابها بالبرلمان مما يشير إلى أن قوانين التحول الديمقراطي .
ففي وقت يصر فيه المؤتمر الوطني على هذا القانون رغم تحفظات كثير من القوى السياسية عليه، يعتبر المناوئون للقانون الجديد أن إجازته تمثل انتكاسة كبرى في مجال الحريات العامة وحرية الصحافة على وجه التحديد.
وانسحبت كتلتا الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع الوطني الديمقراطي من الجلسة الخاصة بالتداول حول القانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م، والذي تمّت إجازته في مرحلة السمات العامة.
وشهد البرلمان مغالطات من الكتل البرلمانية حول الجهة التي وضعت مشروع القانون المثير للجدل، فيما قابلت شبكة الصحفيين السودانيين القانون بجملة من التحفظات، وتجمّعت أعداد من الصحفيين داخل البرلمان وسلّموا مذكرة للكتل البرلمانية المختلفة.
وقال رئيس كتلة الحركة الشعبية ياسر عرمان :”إن الحركة طلبت في اجتماع رسمي تأجيل التداول حول القانون الأسبوع القادم لإكمال المشاورات مع بقية الكتل الأخرى والاتفاق حول التعديلات الضرورية.
وعزا عرمان مقاطعتهم للجلسة بأنّ الحركة لا يمكن أن توافق على القانون في مرحلة السمات العامة وقال: “إذا صوّتنا ضد السمّات العامة سيستخدم المؤتمر الوطني الأغلبية الميكانيكية”، وأضاف إذا وافقنا عليه الآن فهذا سيجعلنا نوافق على القضايا، ونصوّت ضد ما تبقى من القانون في المراحل التفصيلية، مشيراً إلى أنّ ذلك سيُحدث تناقضاً.
وقال عرمان إنّه اعترض على إيداع القانون في جدول الأعمال لعدم التشاور معهم، مشيراً إلى أنّ الحركة لم تستشر طوال السنوات الماضية في إعداد جدول أعمال البرلمان.
من جانبه ، استنكر رئيس كتلة المؤتمر الوطني الدكتور غازي صلاح الدين خطوة انسحاب الحركة والتجمع من المجلس، ووصف الخطوة بغير المفهومة وغير مبررة.
وقال أنهم لم يبدوا أي اعتراض على القضايا العامة، واعتبر غازي أنّه لابد من مبرر واحد لتأجيل القانون، وقال هذه الكتل تطالب باستعجال إجازة القوانين لتهيئة المناخ، الانتخابات تأتي وتنسحب من التداول حول القوانين، واعتبر غازي الخطوة بأنّها تعطيل لإجازة التشريعات، وقال إنّ البرلمان في جوهره الجدل والنقاش وليس التكتيكات الصغيرة.
وفي ذات السياق رفض فاروق أبو عيسى عن الكتلة بشدة قانون الصحافة ووصفه باللقيط وأنّه غير شرعي لا أب له ولا أم، وأنّ القانون الحالي مخالف للدستور والاتفاقية ويجب استبداله بقانون ديمقراطي،.
وأوضح ابو عيسى في حال وافقنا على إجازة السمات العامة سيجيز المؤتمر الوطني القانون بالأغلبية الميكانية بدون تعديلات، مضيفاً أنّ المجلس يعيش حالة ربكة واضحة في إجازة القوانين غير المتماشية مع التحوّل الديمقراطي.
حقوق الإنسان ترفض
وفي سياق متصل ، أكد صالح محمود الناشط في حقوق الإنسان أنّ القانون يخالف الدستور و وثيقة الحقوق والحرّيات، وأكّد محمد آدم عن كتلة سلام دارفور وقوفهم التام مع قبيلة الصحفيين لإقرار قانون ديمقراطي، مُعلناً مقاطعتهم جلسة البرلمان.
من جانبها عبّرت شبكة الصحفيين السودانيين عن رفضها للقانون ، مشيرة إلي انه يعد انتهاكاً واضحاً للدستور الانتقالي واتفاقية نيفاشا والمواثيق الدولية التي صادق عليها السودان، وطالب بإسقاطه داخل البرلمان.
وعبّرت الشبكة عن رفض القانون الذي يحرم الصحافة من أداء وظائفها الأساسية والخاصة بالحصول على المعلومات ورأت الشبكة أنّ القانون يمثل تراجعاً في الحريات ودعت أعضاء البرلمان لرفض القانون واستبداله بآخر يحترم الحرّيات.
وقالت سيلينا بريوير من منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان ومقرها واشنطن: “الأمن القومي لديه صلاحيات مطلقة للاعتقال بسبب أعمال غير واضحة المعالم ضد الدولة، ودون إصلاحه فلن يضمن القانون الجديد بدرجة كافية حرية الصحافة”.
تصعيدات سابقة
وقد صعدت الحكومة من ممارساتها الرقابية بحق وسائل الإعلام على مدار العام الماضي، لا سيما بعد هجوم متمردي العدالة والمساواة على الخرطوم في مايو2008 ، كما شنت قوات الأمن السودانية حملتا على من انتقدوا الحكومة أو من جاهروا بالحديث في دعم العدالة الدولية إثر إصدار مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، في 4 مارس 2009.
وفي أبريل، قام مراقبو الحكومة فعلياً بوقف نشر صحيفتين، هما أجراس الحرية، وهي صحيفة يومية تكرر تعرضها للحذف الرقابي، إذ تم تجميد نشرها ثلاثة أيام إثر رفض الرقابة تغطيتها لتعليقات الأمين العام لحركة تحرير شعب السودان في مؤتمر صحفي، وتغطيتها لنقاش حول قانون الصحافة الجديد. وفي الأسبوع التالي، اختارت صحيفة الميدان الأسبوعية ألا تصدر حين اعترضت الرقابة على 17 موضوعاً فيها، منها مقالات رأي تخص مشروع قانون الصحافة الجديد.
وقال كمال الجزولي، المحامي وكاتب مقالات الرأي لصحيفة أجراس الحرية السودانية: “بيئة عمل الصحفيين تتدهور من سيئ لأسوأ”. وأضاف: “وليس مسموحاً لنا التحدث عن أية قضية حساسة، بما في ذلك مشروع قانون الصحافة نفسه”.
لجنة حماية الصحفيين: الوضع أليم جدا
وبالإضافة إلى قانون الصحافة لعام 2004، فإن السلطات السودانية تعتمد أيضاً على سلطات واسعة تتمثل في قانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 للتحكم في منافذ السودان الإعلامية وللقيام بالرقابة قبل الطبع للصحف التي تكتب عن أي قضايا حساسة سياسياً، بما في ذلك مجريات عمل المحكمة الجنائية الدولية، وتطورات الأوضاع في دارفور، وبواعث القلق الخاصة بحقوق الإنسان. وقد استخدم ضباط خدمات المخابرات والأمن الوطني سلطاتهم بموجب هذا القانون في اعتقال واحتجاز الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وفي تجميد وتجريم الصحف.
وقالت لجنة حماية الصحفيين أن الوضع أليم جدا بالنسبة للصحفيين العاملين في الصحافة المطبوعة في السودان ، ففي فبراير 2008 تم تسريع الرقابة عندما اتهمت وسائل الإعلام الحكومة السودانية بدعم محاولة انقلاب فاشلة في تشاد المجاورة، وازدادت الأساليب القمعية سوءا منذ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بطلب إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
ويتم إرسال عملاء الحكومة إلى المطبعة لرؤية الصحف واستعراض المحتوى وفرض رقابة على الموضوعات.
ومنذ بداية العام، تم طرد اثنين من الصحفيين الأجانب هم التونسي زهير لطيف ، والكندية مصرية الأصل هبة على ، وواجهت عديد من الصحف تعليق الصدور كما أن جريدة “الوطن” التي تمت مداهمتها العام الماضي لا تزال مغلقة.