في الشـرق الاحـتلال يواصـل اعـتدآته
الانقــاذ تجبن عن المواجهة
جبهة الشرق باعتها
د. ابومحمــد ابوامــنة
مرة اخري برزت مشكلة حلايب علي السطح السياسي رغم الجهود التي تبذلها الانقاذ للتستر عليها وابقائها في طي الكتمان, الا ان مواطني حلايب الشرفاء لم يرضوا بالذل والهوان, فصاروا منذ الاحتلال يطالبون السلطة بالتدخل وانهاء المعاملات الوحشية التي يتعرضون لها من قبل القوات المحتلة, وتحرير المثلث من الاعتداء الوحشي. فرضت سلطات الاحتلال الحظر الحدودي ومنعت السكان واغلبهم من قبائل البشاريين من التواصل مع اقربائهم جنوب خط ال22 شمالا. لم يرضي المواطنون بالعزلة المفروضة عليهم, فرفعوا الصوت عاليا يريدون الخلاص, الا ان سلطات الاحتلال, كما كشف السيد محمودحمداللة محمد نائب دائرة حلايب بمجلس تشريعى ولاية البحر الاحمر, تواصل مسلسل الاعتقالات والمضايقات ممااجبر مئات الاسر من الفرار من جحيم المعاملة الوحشية.
بينما مواطني حلايب يطالبون بتحرير الارض ورمي الغزاة الي خارج الحدود يفاجئنا السيد مصطفي اسماعيل بموقف تخاذلي جبان اذ يعرض سيادته ان تكون حلايب وكل المدن الحدودية مدن تكامل بين البلدين حيث تكون هذه المدن نواة لتحقيق التكامل المصري السوداني. وكما كان متوقعا لم يجد الاستجابة من جانب المعتدين بل بالعكس اذ طلبوا منه التزام الصمت عن هذا الموضوع اذ هم يعتبرون المنطقة اراضي مصرية والحديث عنها خط احمر لا يسمحون بتخطيه, ازاء هذه التهديدات لزم السيد الوزير الصمت لكنه طمأن المحتلين بان الخلاف الحدودي يمكن حله بالحوار الاخوي الثنائي الدائر بين البلدين.
لم يتوقع احد ان تتحرك الانقاذ لمواجهة عسكرية, هذا فوق طاقتها, فهي منهمكة في حروب ضد شعبها في الغرب كما كانت في الجنوب والشرق, كما تستعد بشكل محموم لمواجهات في الجنوب وعلي دولة تشاد. وفوق ذلك هي دولة معزولة عالميا, ورئيسها مطارد دوليا بسبب جرائمه في دار فور ومصر لن تنسي محاولته لتصفية السيد حسني مبارك في اديس ابابا, فاخذت منها مدخلا للضغط علي النظام ليسير حسب هواها.
ان لم يستطع النظام المواجهة العسكرية, ولا احد يطلب ذلك, كان بامكانه اثارة الموضوع محليا واقليميا وعالميا, لكنه فضل السكوت ودفن الرؤوس تحت الرمال. كان بامكانه تسيير المواكب الهادرة في كل مدن السودان منددة بالغزو ومطالبة باخراجه وباعادة حلايب لحظيرة الوطن. سبق ان سير النظام مواكب بسبب امور تافهة للغاية مثل حادثة المعلمة البريطانية جوليا التي قيل انها اساءت للعقيدة. فهل موضوع احتلال حلايب وملاحقة مواطنيها وتهجيرهم واذلالهم وتعريضهم للسجون والمعتقلات والمعاملات الوحشية لا يرقي الي مستوي حادثة المعلمة؟ افتونا يا ناس السلطة!
نعم كان بوسع الانقاذ ان تولعها نارا بهتافات الجماهير في كل مدن السودان. كان يمكن ان تحاصر السفارات والقتصليات المصرية في مختلف انحاء العالم بجماهير هادرة مستنكرة الاحتلال والاعتدآت المتكررة علي المواطنين في حلايب.
لكن الانقاذ تجبن عن المواجهة.
كان بوسع الانقاذ ان تثير القضية في المحافل الاقليمية, فكما هو معروف فان ميثاق الوحدة الافريقية ينص بكل وضوح بضرورة الابقاء علي حدود الدول الاعضاء كما كانت عليه عندما نالت استقلالها, فكان يجب علي الدولة ان تحشد الدعم الافريقي الدبلوماسي والاعلامي والشعبي لدعم موقفها.
لكن الانقاذ تجبن عن المواجهة.
عانميا كان يجب علي الانقاذ ان تثير المشكلة في المحافل الدولية المختصة كمجلس الامن والمحاكم الدولية وتتابع وتصر علي اصدار قرار منها. ان مجلس الامن لم يتمكن حتي الان من النظر في الموضوع لان الانقاذ تطلب التأجيل من جلسة الي اخري وعلي مر السنين. ان الانقاذ غير جادة في مواجهة مصر للاسبلب التي ذكرت, فالحكومة السودانية هي التي ترفض مبدأ اللجوء للتحكيم الدولي ارضاء وخنوعا لرغبات القاهرة.
صدقت الكاتبة سارة عيسي عندما تقول ان المصريين يعرفون أن بقاء الرئيس البشير في السلطة وهو ملاحق دولياً يعني أن السودان سوف يكون ضعيفا في المحافل الدولية ولا يستطيع إسترجاع حلايب عن طريق الأمم المتحدة.
قبل هذا وذاك يجب مخاطبة الشعب المصري الشقيق في احزابه المختلفة و في الجامعات ومنظمات الصحفيين والمحامين واصحاب الرأي والنقابات ونكشف لهم الاعتدآت الفظيعة التي تدور بحلايب بما قد يلحق باضرار بليغة بالعلاقات بين الشعبين.
الغريب ان الانقاذ تتحدث عن تكامل والاحتلال يتحدث عن ثوابت وخطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها. يدل هذا ان احد الطرف يتحدث من موقف لين متهالك بينما الاخر يتحدث من موقف قوة السلاح والاستعلاء وفرض الامر الواقع.
ان اقتراحات التخاذل التي تتبناها الانقاذ مرفوضة جملة وتفصيلا عند اهل الشرق, فهم يريدون طرد المعتدي ووضع حد للمعاملات الوحشية التي يتعرضون لها. ثم التكامل الذين يتحدثون عنه يجب ان يتم بين طرفين متساويين, وعلي كل طرف ان يعرض ما يقدمه للطرف الاخر, فلو قدمنا مثلث حلايب فما ستقدم مصر؟
لا يجوز منطقيا تقديم شيئ للتكامل دون مقابل, فلا بد للطرف الاخر من تقديم شيئ موازي. فكما هو معروف فان القبائل التي تسكن بين اسوان وخط 22 شمالا هي قبائل من اصل كوشي كالنوبيين والعبابدة والبجا والعليقات, فليقدموا هذه الاراضي مقابل مثلثنا الحبيب, هذا مقابل ذاك. هذا العرض يمكن ان يكون قابلا للنقاش, اما التنازل مقابل لا شيئ فهذا تخاذل وخيانة للقضية.
ثم يمكن اعادة النظر في الحدود, لو اشتهت مصر ذلك, بشكل يضم القبائل الكوشية شمال خط 22 بعضها علي بعض, ولا يمكن ان تكون مراسيم القرن التاسع عشر الخديوية هي المرجعية الاخيرة فلنا تاريخ ضارب في القدم يمتد من قنال السويس حتي مصوع ومن النيل حتي البحر الاحمر.
الانقاذ تتحدث عن تكامل وود واخاء, ونست ان الطرف الآخر جاء بقوة السلاح واحتل الارض بالقوة, وحين قاومت قواتنا العسكرية كان مصيرها القتل والابادة والتجويع. لقد سالت دماء الشهداء من قوات البحرية والشرطة بكثافة دفاعا عن الوطن, الا ان المعركة لم تكن بين قوتين متكافئتين, فبينما حشدت مصر الدبابات والراجمات ومختلف انواع الاسلحة الثقيلة واعدادا كبيرة من الجنود في هجومها المباغت, لم يكن لقوات البحرية غير الكلاشن وللبوليس غير البندقية ابو عشرة. الا انهم قاوموا ولم يستسلموا, ففاضت ارواح الكثيرين في تلك الملحمة الشريفة دفاعا عن الوطن.
لقد سقوا ارض حلايب بدمائهم الطاهرة البريئة في شجاعة نادرة. هؤلاء الابطال يستحقون الاشادة, فقد سجلوا اسماءهم باحرف من نور في سجل التاريخ. من الانصاف الان كشف اسماء هؤلاء الابطال ومنحهم ما يستحقونه من تقدير واجلال, كذلك من الواجب علي زملائهم الذين بقوا علي الحياة كشف اسرار تفاصيل المعارك التي دارت بينهم وبين الغزاة وكيف تخلت الانقاذ عنهم وهم يواجهون الغزاة بعتادهم الحربي الثقيل.
الانقاذ نست دماء الشهداء من القوت المسلحة ومن الشرطة ومن المواطنين وتتحدث عن تكامل فيا للعار. ان دماء الشهداء لن تذهب هدرا. فقد اعلنت قيادات قبيلة البشاريين تمسكها بارض حلايب كجزء أصيل من الوطن وادانت الارهاب الذي تمارسه قوات الاحتلال.
لقد تنازلت قيادة جبهة الشرق عن ادراج قضية حلايب والفشقة في مناقشات اتفاق السلام في عام 2006 رغم الزام قيادات مؤتمرالبجا بتسني بوضعها علي رأس الاجندة واعتبارها شرطا اولويا للمفاوضات, الا ان السيد مصطفي اسماعيل, رئيس الوفد الحكومي المفاوض, قال ان قضية حلايب هي شأن قومي ولن يقبل النقاش فيه مع جبهة الشرق وكذلك لن يقبل سيادته النقاش في اقامة الاقليم الشرقي الموحد, ولمح بانه لا يمانع في منحهم بعض المناصب في المركز والولايات. فرضوا بالاغرآت. تخلوا عن قضية حلايب والفشقة والاقليم الشرقي الواحد مقابل المنصب والمال. والان يلعبون باعصاب الجماهير بعد ان اضاعوا كل القضايا الهامة.
ان النصر لا شك قادم طالما تمسك الشعب بحقه وواصل نضاله رغم السجون والاعتقالات والتهجير القسري وتخاذل الانقاذ.