عام من الموت فى جبال النوبة : بالانتنوف والجوع والقنابل العنقودية
عثمان نواي
فى الخامس من يونيو الجارى يمر عام ثقيل , وشديد المأساوية والكارثية على جبال النوبة , عام وبدأ ببضع رصاصات اطلقت فى نهار ساخن , فى صيف ملتهب شهد انتخابات مشحونة بالاتهامات , وصناديق اقتراع , تحولت الاوراق فيها الى ذخيرة فى سويعات حولت حياة الاف المدنيين الى جحيم من القصف والقتل والترويع , الفرار الذى بدأ فى ذلك النهار ونأسف لانه بعد عام ما زال مستمرا , ومستعرا بدرجة اكبر مما كانت عليها من قبل .
لم تكن الحرب يوما الخيار الافضل لحل الازمات , ولكن فى النظم القمعية والشديدة القسوة , يكون العنف هو وسيلة احيانا للتعبير عن حدود قصوى للوعى , والتصدى لذلك العنف ولتلك القسوة , وهذا النظام الحاكم فى الخرطوم الذى يقتل شعبه ببرود كامل , ودون شعور بالمسؤولية ناهيك عن الذنب , ققد عبر هذا النظام فى حربه ضد شعب جبال النوبة الاعزل , قدر من الوحشية واللانسانية بدرجة لا يمكن وصفها . فان الحرب منذ بدايتها اتسمت بعنف بقصد القتل والابادة من قبل النظام , الذى يستعمل الان الته العسكرية والسيساسية والاعلامية والتنفيذية عب رمؤسسات الدولة المختلفة فى عملية ممنهجة لاستهداف شعب باكمله .
ان الالاف وعشرات الاالاف الذين ياكلون اوراق الاشجار يعيشون تحت حصار مطبق من قبل النظام ارضا وجوا , فطائرات الانتنوف تصبح وتمسى على اهل جبال النوبة بمحتلف انواع القنابل العنقودية والغير العنقودية فى هجمات عشوائية لاهداف مدنية فى الغالب , وتكخطء حتى اهدافها العسكرية لتصيب اهداف مدنية فى النهائية , فالهدف لايبدو انه تدمير قوة عسكرية مضادة بالهدف هو استمرار حالة الرعب والخوف فى نفوس الاطفال والنساء والشيوخ الذين تمطر السماء عليهم قنابلها كل صباح ومساء , وحتى السحاب الذى كان يمطر على جبال النوبة رخاءا وخيرات , اصابه الرعب من تلك الوحوش الطائرة التى تتجول فى فضائه مثيرة الخوف والقتل ومغيبة الحياة عن احدى اجمل بقاع الارض واغناها بكافة الموارد المختلفة , التى ملأت خزينة الدولة فى السنوات والعقود الماضية , ولكنها لم تملا ابدا بطون اطفال جبال انوبة الجوعى اليوم , الذين لم تفكر فيهم دولتهم تلك وهى تقصف وتحرق بيوتهم ليل نهار وترميهم بالقنابل التى يظنونها العابا فتتفجر فى ايديهم البريئة لتحولهم لمعوقين قبل ان يعرفوا من القاها عليهم ولماذا؟
ان ما يقدر بمليون من مواطنى جبال النوبة العزل يعيشون الان خطر الموت جوعا بسبب الانقطاع عن الانتاج الزراعى لموسمين , حيث لم يتمكن المزارعون من اكمال الموسم الزراعى بعد بداية الحر ب فى يونيو الماضى , ونتيجة للقصف المستمر هجر المواطنون المعتمدين على الزراعة فى الاساس فى حياتهم , هجروا قراهم واراضيهم ولجأوا لكهوف الجبال احتماءا من القصف الجائر , والهجوم العسكرى البرى المتكرر على قراهم والذى ادى فى الغالب الى تدمير العشرات منها وتحويلها لاكوام من الرماد , اضافة فقد ونهب ومقتل وتسمم مئات الحيوانات التى لم يتمكن اصحابها من رعيها او نهبها منهم الجيش ومليشيات النظام التابعة له , كما تلوثت او دمرت مصادر المياه الطبيعية او الابار الجوفية , ونتيجة لذلك اضطر مواطنو جبال النوبة الى ان يستنفدوا من القليل من مخزونهم الغذائى الذى استطاعوا الوصول به الى الكهوف التى يعيشون فيها , ووصلوا منذ نهاية العام الماضى الى مرحلة استهلاك حتى الحبوب المدخرة لتكون بذور الزراعة للعام القادم , ونتيجة لذلك كانت نداءات دولية اطلقت منذ يناير الماضى تحذر من شبح المجاعة فى المنطقة فبحلول مارس الماضى , وبالفعل فان الاوضاع الان فى جبال النوبة ومنذ 3 اشهر وصلت الى نقطة المجاعة الشاملة حيث يفتقر الناس الى الغذاء ويعتمدون على اوراق الاشجار , وخاصة الاطفال الذين يعانون من سوء التغذية باعداد كبيرة خاصة فى وسط الاطفال الحديثى الولادة , كما ان النساء يعانين من سوء التغذية ايضا ,وبالتالى فان شعب جبال النوبة الان يواجه خطر الموت جوعا .
وفى ظل هذا الوضع الانسانى الكارثى لا زال النظام فى الخرطوم يتمادى فى استخدام الغذاء كسلاح مخالفا بذلك القوانين الدولية والانسانية , معرضا حياة الالاف للخطر , بسبب تعنت يصل بمرتكبيه الان الى ارتكاب جرائم ضد الانسانية , فالحرمان من الطعام حق اساسى واستعماله كسلاح , من درجات الابادة الجماعية وجرائم الحرب القصوى والتى لا يجب على المجتمع ان يقف متفرجا عليها , وفى ظل هذه الكارثة الانسانية , لا يزل النظام السودانى يواصل حملته العسكرية , منتقلاالى درجة اخرى من العنف والارهاب , هى استعمال القنابل العنقودية المحرمة دوليا مثل القنبلة التى القيت على قرية انقولو فى مايو الجارى , والتى لم تنفجر بالكامل مما يجعلها تشكل خطرا اكبر على السكان وخاصة لاطفال .
وفى عام من القتل والتهجير والتشريد , والاعتقال والتعذيب والارهاب والخوف لشعب جبال النوبة فى داخل السودان وخارجه لا تزال الدول الكبرى والمجتمع الدولى فى حالة شلل كامل وفشل كبير فى الاضطلاع بادوارهم فى حماية المدنيين , وايصال المساعدات الانسانية العاجلة للمتضررين الذين يتعرضون لخطر الوت جوعا فى ظل البطء فى التحرك من المجتمع الدولى والسماح لنظام الخرطوم بالامساك بمقاليد الامور بالموافقة او الرفض لدخول المساعدات , مع علم المجتمع الدولى مقدرة النظام على التموية والتسويف اللانهائى , وان هذا النظام وقادته هم مجرمى حرب مدانين ومطلوبين , ولكن يواصل المجتمع الدولى تجاهل مؤسساته والتخذيرات التى بعثتها منذ اشهر وكالات الغوث , وبالتالى فى ان شعب جبال النوبة يواجه الان كارثة انسانية حقيقية ومستقبل قاتم فى ظل استمرار الاعمال اجرامية التى يقوم بها النظام الحاكم واهمها الان هو منع دخول المساعدات , واستمرار القصف واستعمال الاسلحة المحرمة دوليا اضافة الى الاستهداف المستمر لابناء جبال النوبة داخل السودان وخارجه , والقابعون داخل المعتقلات , والاخرين اما خائفين او مهددين .
ان شعب جبال النوبة رغم صموده فى وجه كافة الصعاب , الا ان الوضع الانسانى يثير القلق ويوجب التحرك السريع , وان الايام القادمة ستكون الايام والساعات التى تمر, ما هى الا عدادات لارواح الموتى جوعا خاصة من الاطفال , ولذا فان الازمة الانسانية الان وبعد عام من الموت والحرب يجب ان تأخذ الاولوية لدى اطراف الحرب والمجتمع الدولى والقوى السياسية , خاصة مع التدهور فى الاوضاع الاقتصادية فى السودان ككل وقرب هطول الامطار مما سيؤدى الى قطع الطرق واستحالة الوصول الى بعض المناطق ممما يعنى كارثة حقيقية , يمكن تفاديها بتحرك جاد وعاجل على المستويات المحليةوالدوليةوفى كافة الجوانب السياسيةوالمدنيةوالانسانية .
[email protected]