عالم عباس، وجيله، عفواً (2-3)/ صلاح شعيب

عالم عباس، وجيله، عفواً (2-3)
صلاح شعيب
المناخ الاجتماعي هو مرتع الشاعر كما لو أن الحقل هو موضع انطلاق الفراش إليه ومنه. وتفاصيل هذا المناخ المركب التي لا يلتقطها إلا روائي حصيف، أو لماح، هي التي تزف لنا قريض الشاعر. وهو بكل ذلك التفرد ينهض إنسانا متأثرا بالمجتمع الذي ساكنه، وحاول بقصيده إعادة تركيبه، أو تثويره، جماليا. وشعر عالم صهره ذلك المناخ الخصيب لفاشر نهاية الخمسينات، والستينات، والتي ورثت تاريخا من العلم، والمعرفة، والصوفية، والعناد السياسي لمواطنيها الذين تقفوا أثر عزم من حرقوا العلم الإنجليزي في المدينة.
وبرغم بعد الفاشر عن دوائر المعرفة إلا أنها ظلت من خلال الوافدين إليها تخلق ثقافتها، ومعرفتها الاجتماعية، لمدى تجاوز القرنين. ففاشر عالم ضمت مزيجا من الأجناس الآتية من مختلف مناطق القطر، وخارجه من آسيا، وأوروبا حتى. ولو أدرك النقاد الذين وسموا عالم بأنه ابن الثقافة العربية الإسلامية المركزية ثقل مدينة الفاشر الثقافي، لأدركوا خطأ التوصيف، والتصنيف، لتجربته الشعرية، ومقولاته النثرية. فالفاشر تمثل صرة ثقافة الحزام السوداني الذي يبدأ من المحيط، ويشمل كل تلك البلدان التي تقع في درب الحج ليؤثر في كل عواصم السودان، ويتعداها إلى الخليج. وفي هذا فأنها كانت الحوض الثقافي الذي يستوعب كل هذه المؤثرات لتخرجها بطعمها شأنها شأن مدن الحزام المتصلة بعضها بعضا.
في مدينة عالم التي نشأ فيها تعايشت كل قبائل الحزام السوداني في واحدة من أنضر اللقاءات الإنسانية في العالم. ففي مركز المدينة تعايشت وفود العشائر المحلية الممثلة لكل قبائل الإقليم. وجاء الجلابة الذين أقاموا نهضة شرق المدينة منذ عصر كوبي الغابر، وتزاوجوا مع السكان المحليين من قبائل الفور، والداجو، والتاما، والمساليت. ولاحقا تمازج السنهاير مع اولاد الريف، وآل شاشاتي مع الصليحاب، وآل القاضي زكريا الدنقلاوي مع المساليت، والدادنقا الذين يعود أصلهم إلى جنوب السودان مع الفور، والزيادية مع آل أبوسم، والفولانيين مع الفيزان الليبيين. أما الشناقيط المتحدرون من موريتانيا فكان الإمام محمد العلوي بمثابة أحد المفتيين في المدينة، ولاحقا شكل ابناؤه جزء من طاقم التدريس، والإدارة. وهناك الكثيرون الذين ذهبوا إلى مليط ليقيموا زوايا الشناقيط التي كلما امتد فضاء ليلهم اشتد ضوع ذكرهم. وضمت فاشر عالم شيخ مجوك الدينكاوي الذي صار رمزها الديني، واستوعبته بتسامحها، ومنحته شياختها بنوبته التي تئن وترجحن حين يكون للذكر أريجه، وللمداح سلطة “تحويط” ليل المدينة الباريسي الذي يمتص طقسها التضاريسي نهارا. وهناك آل أبو صوفيطة المتحدرين من ليبيا الذين منحوا ريادة التجارة الخارجية في المدينة، وآل أبو اليمن الذين ساهموا في ترقية الصوفية والعلم. ولا ينسى عبد الرحمن الريح السنهوري والذي لم ينعقد مجلس أعيان في المدينة دونه. لم تكن فاشر الخمسينات والممتدة إلى مطلع الثمانينات إلا ذلك الأرخبيل الإنساني المتضام. فعالم لا بد أنه احتك أيضا بأبناء الأغاريق، والشوام، والاقباط، والهنود، والأرمن، ورأى بسكالي، ومماكوس، وغيرهما، الذين يستوردون الثياب والأقمشة، ويندغمون في أريحية مجتمع المدينة، وكنيستهم تحتل مكانا عليا. وهناك عرف عالم أبناء إلياس شاشاتي، والذي تزوج قريبة لنا وانجب منها الأبناء والبنات منهم منصور، وخليل، وباسيلي، وعادل، وعادلة، وآخرين. ويعرف شاعرنا أن ديانة شاشاتي لم تكن حجرة عثرة حتى لا يرتبط بمكون الفاشر المحلي المسلم. وذلك هو جزء من معالم التسامح التي حفت حياة عالم، وانعكست في خلقه الفني، والاجتماعي. ولا بد أن شاعر “ماري وأمبوي” تجول في سوق الفاشر الذي كان يمثل مركزا من مراكز الثقافة والتجارة، وتفهم طبيعة تكوين كل المزيج المتعدد فيه، بل إنه اختزن في قصيده هذه التلاوين الإنسانية قبل أن يتوجه إلى عاصمة البلاد.
-2-
أما أسرة عالم فهي إنما كانت أسرة علم، ودين، وتجارة، وجودية، وخدمة مدنية، وأدب. فجده محمد نور كان رمزا من رموز المدينة الذين رفعوا أسهمها في مجال نشر صوفية التجانية، واصبغوا معظم دارفور بتدينهم المتسامح، وامتد أثر أهله من التجانيين إلى كردفان، والنهود، وأمدرمان، ورفاعة، والقضارف، وأجزاء من مناطق النيل الأزرق.
ولقد اعتنق أهل عالم الطريقة التجانية منذ زمن بعيد لا يعلمه عالم نفسه. ولكنه يعلم أن جده لأمه هو الامام عبد الماجد إبراهيم، والذي كان تلميذ الشيخ كاكوم بحر العلوم إمام السلطان علي دينار، والذي اختاره السلطان ليكون الإمام بدلا عن الشيخ كاكوم. الامام عبد الماجد وأحد ابنائه الشيخ التيجاني، والذي أسس المدرسة التجانية الشهيرة في الفاشر، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق ـ ولعل الاسم نفسه دلالة على تغلغل الطريقة التجانية في الأسرة، وفي السلطنة عموم ـ تولى إمامة مسجد الفاشر الكبير، ثم تولى الإمامة ابنه محمد، ثم ابن اخته الشريف محمد الأمين كرار. وأخت الإمام هذه كانت عالمة شهيرة، وذات غنى، وثروة، وكانت عصمتها بيدها. ومن ابنائها محمد الأمين كرار، والشيخ حامد بدين، والعاقب آدم، والسيدة الزهراء، وكلهم أعلام في تاريخ الفاشر، تزاوجوا مع مكونها المحلي، وساهموا في تطوير تدين، وثقافة، وتعليم الأجيال المتعاقبة.
وأما جد عالم لأبيه فهو الشيخ محمد النور عالم، وكل من النور وعالم من العلماء المشهورين في تاريخ دارفور العلمي. وكلاهما يملكان حواكير ما تزال في غرب الفاشر من نواحي مجدوب وغيرها. وجده محمد النور واخوه سيبويه النور عالم (سيبويه اسمه وليس لقبه). ومحمد النور امتهن التجارة وازدهرت تجارته وامتدت ما بين الفاشر وابشي، وانجمينا، وحتى نيجيريا، وبالطبع شمالا وشرقا الى أمدرمان ومصر.
ومن ابناء الجد محمد نور الذين لعبوا ادوارا ً مهمة كان هناك الطيب محمد النور عالم، والذي يمثل كاريزما مهمة في الفاشر، وخاصة في مؤتمرات الصلح والجودية، لما له من حضور وكاريزما، ومعرفة، ولباقة، وكياسة، وحكمة. وكذلك هناك يوسف محمد النور والذي كان من قادة الحركة الاستقلالية، وأحد الذين قادوا ثورة الفاشر ضد المستعمر، وشارك في حرق العلم الانجليزي فتم نفيه، وسجنه عامين في سجن البانجديد، ومن أبنائه الصحافي، والشاعر، سيبويه. وهناك عباس محمد النور، والذي كان أيضا أحد قادة ثورة الفاشر، وقد جرح، وحوكم، وأودع، في سجن شالا. أما إبراهيم محمد النور فهو من أعمدة التجانية في الفاشر، ومن تجارها المعروفين. وهناك أحمد محمد النور وهو من كبار التجار والذي تركز نشاطه التجاري ونفوذه بتشاد بصفة خاصة، وعبد الحميد محمد النور الذي مارس التجارة بتشاد، واستقر نشاطه التجاري بمدينة الجنينة. وهناك علي محمد النور والذي صار معلما وأخيرا مصطفى محمد النور والذي تقلب في الاعمال المهنية، والفنية.
هكذا كان مناخ النشأة الأسري الذي أحاط بالشاعر عالم عباس وشقيقه الشاعر حافظ في مدينة العلم، وحاضرة سلطنة الفور السابقة. ولا بد أن عالما قد نهل من تاريخ أسرته علوم الدين، واللغة، والفقه، واستعان بمواريثها الثقافية التي تقوده لاحقا لبحث المعرفة بجانب براحات محدثة للشعر. ولقد استفاد عالم مرة ثانية من إرث الخلاوى في المدينة، والتي تضم بجانب خلاوى الإمام عبد الماجد خلوة الفكي سليمان، وخلوة الفكي عبد المجيد نور الدين، والفكي عبدالله البنجاوي، وخلوة حي التيجانية، وخلوة الفكي حميدة، وخلوة الفكي بشير، وخلوة جامع الفيزان، وبعض المدارس الصغرى، وكثير غيرها.
-3-
ويصف عالم المناخ الثقافي في الفاشر آنذاك بقوله:”كانت في المدينة مكتبات عامرة تأتيها الكتب مباشرة من بيروت، والقاهرة، مثل مكتبة حسين عبود، ومكتبة عبدالله الكتبي، ومكتبة النهضة، ومكتبة الجماهير، وفيها كانت كتب مارون عبود، وجبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وكتب دار العودة، ودواوين أيليا أبو ماضي، والياس فرحات، ونزار قباني. كانت هنالك مجلة الآداب، والطليعة، والحوادث. وكانت تأتي من مصر مجلات الهلال، والمختار من ريدرز دايجست، والمصور، وآخر ساعة، والاثنين، وروز اليوسف، وصباح الخير، وروايات إحسان عبدالقدوس، والسباعي، ونجيب محفوظ. تتنافس في ذلك مكتبة النهضة، ومكتبة الجماهير الثقافية. كانت مكتبة الشيخ الصالح عبدالله الكتبي (والد المذيع المعروف محمد الكبير الكتبي)، المعروفة بتخصصها في كتب علوم الدين، والفقه، واللغة العربية، يقصدها طلاب المعهد العلمي، وشيوخها، وعلماؤها. وكان ثمة أنواع أخرى من الكتب من منشورات مصطفى البابي الحلبي وغيرهم، والتي تباع في أكشاك، ومحلات عديدة، مثل قرة العيون، ومفرح القلب المحزون، والحصن الحصين، وأبو زيد الهلالي، وعنترة، ومتن العشماوي، وابن الجزري، وفصوص الحكم، والأجرومية والسيرة النبوية، وبعض دواوين الشعر، ذات الطبعات الرخيصة و الورق الأصفر، وبعض الكتب ذات الخط المغربي والرموز الغريبة، منتشرة عند بعض الباعة القادمين من غرب افريقيا. كانت الأندية الرياضية، المريخ والهلال والأهلي والاستبالية، تقوم إضافة لنشاطها الرياضي بنشاط ثقافي ومسرحي يقوم بها الرياضيون من الطلاب، والتجار، وأصحاب الحرف، وخاصة ابناء الفاشر الذين يدرسون في حنتوب وبورسودان وخورطقت ووادي سيدنا، حيث كانت إجازاتهم مهرجانات ثقافية ورياضية عامرة وبهيجة. كانت الأندية رياضية وثقافية بحق، وكان الطلاب الذين يدرسون في مصر(الأزهر ودار العلوم وعين شمس)، يقيمون المحاضرات الثقافية و يحركون النشاط السياسي في المدينة وقتذاك. كان هنالك نادي الفاشر والذي بناه الأهالي أيضا ويحوي ملعبا للتنس ومسرحا ضخما وسيعا على الجانب الشمالي منه، أما الجزء الجنوبي فيضم مباني الأنشطة الاجتماعية والثقافية الأخرى، كالمكتبة، وأماكن للعب الورق، وتنس الطاولة، والدومينو، والطاولة ..الخ، كما كان هنالك نادٍ للعمال، جنوب شرق السوق الجديد. كان، كأنه شرط لازم أن يضم كل نادٍ مكتبةً مسؤولٌ عنها أمين من إدارة النادي. كان بالمدينة ملعبان للاسكواش. وملاعب للتنس في معسكر الجيش وبعض المدارس والأندية، وملاعب للسلة وكان هنالك نادٍ للصبيان، إضافة إلى دار ضخمة للسينما، حلت محل سينما نصار المتجولة. كانت هنالك المظاهرات التي يسيرها طلاب المدرسة الثانوية في كل عام يقام في نقعة الفاشر احتفال بثورة نوفمبر، فتطاردهم الشرطة، ويحتمون ببيوت الأهالي فلا تجرؤ الشرطة على ملاحقتهم..”
كانت تلك هي الفاشر التي خبرها الشاعر عالم، ومدته بكل هذه الطاقة الشعرية المتدفقة من خلال دواوينه الكثيرة التي وضعته في مقدمة البارزين في صياغة شعر التفعيلة في السودان. وسواء وجد شاعرنا النقاد المنصفين في العالم العربي، أو لم يجد، فهو بالنسبة لنا يتقدم كثير من شعراء العربية المحدثين، والذي دعمه بعض انتمائه الأيديولوجي بشكل غطى على تراث المجيدين من الشعراء مثل عالم، والذين يصدرون من موقع الاستقلالية.
-3-
بشكل عام تنتمي قصيدة الشاعر عالم عباس إلى التفعيلة. وهو من ذلك الجيل الذي جاء إلى الساحة الثقافية ليجد فطاحلة هذه القصيدة الذين أثاروا الجدل الكثيف حول هذا النوع المتمرد من الشعر الذي ما تزال نسبته التاريخية إلى مؤسسيه نذر إشكال ثقافي، وقطري. فبرغم ما رشح إلينا بأن السياب، ونازك الملائكة، كانا أول من عبرا عن رفض القالب الشعري القديم إلا أن هناك قراءات جديدة تشير إلى استباق لويس عوض الآخرين في هذا الضرب. وهناك محاججة لنقاد سودانيين يشيرون إلى أن عبدالله الطيب من خلال قصيدته (الكأس التي تحطمت)، والتي كتبت عام 1945 سبق كل رواد قصيدة التفعيلة.
حينما تموضع جيل عالم في المشهد الثقافي كان هناك محمد المهدي المجذوب، ومحيي الدين فارس، وتاج السر الحسن، ومحمد الفيتوري، ومحمد عبد الحي، ومصطفى سند، وصلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي إبراهيم، والنور عثمان أبكر، وتيراب الشريف الناقي، مثالا. وعلى مستوى الشعراء الذين توطنوا في الساحة الثقافية من كتاب القافية كان هناك جعفر حامد البشير، ومحمد محمد علي، ومنير صالح عبد القادر، ومصطفى طيب الأسماء، وفراج الطيب، ومهدي محمد سعيد، والعباسي، وغيرهم من الأحياء حينها، وهناك الراحلون الذين كان تأثيرهم آنئذ نافذا، ومؤثرا، سواء على مستوى المنتديات الثقافية، أو على مستوى المقررات الدراسية، وتناولات النقاد في الملاحق الثقافية للصحف، وبقية أجهزة الإعلام.
سوى أن الموهبة الشعرية وحدها هي التي مهدت للشاعر عالم عباس سبيلا، واحتفاء، على المستوى القومي منذ أن فاز بجائزة الشعر الأولى للشباب عام 1973. بعدها جاء ديوانه الأول “إيقاعات الزمن الجامح” الذي ضم عددا من القصائد المليئة بالصور الشعرية الجديدة، والصياغة اللغوية المحكمة للمفردة، والتناول الجرئ لرموز، وموجودات، البيئة، وترميزها في النص. وما يميز لغة عالم من دونه من شعراء جيله استنادها على البلاغة القرآنية. ويمكن ترصد ذلك في كثير من قصائده التي كتبها، إذ هو برغم أنه يمثل جيلا تركزت لغته على الابتعاد من التعابير التراثية إلا أنه منح التفعيلة رونقها بأن ربطها بالإرث الإسلامي، والصوفي، وبالتالي جاءت قصيدته تزاوجا بين مواضيع العصر والتراث اللغوي. ولست أدري اي إسهام للشعراء الذين جايلوه قد أخذ من نفس القرآن الكريم، واللغة التراثية، تلك الدلالات اللغوية المعطونة في المعاني البليغة. وكذلك المفردات الجديدة التي لا تغيب فهم المتلقي بغموض مصطنع كما قرأنا لشعراء كثيرين. ومن هؤلاء من حسب أن قصيدة التفعيلة ليست هي إلا الاعتماد على الغموض غير المبرر، مدعومة بالانسحاب البديع من القافية، والجرس الموسيقي، وغيرهما من الأساسيات التي تميزت بها القصيدة العروضية.
وإذا كانت لغة التفعيلة قد وجدت ذلك النقد الذي لم يفرق بين الذين صاغوا القصيدة في إطار التجديد وأولئك الذين وجدوا في تغييب الإيقاع أو القافية مجالا فإن المعضلة صارت أكبر بعد أن وصلنا إلى قصيدة النثر. إذ إنه برغم إبداع كثيرين في فرض جمالياتها اللغوية، إلا أن قصيدة النثر ما تزال تحاول تجاوز معضلتي اللغة، والمعني، والموسيقى، لتثبت ذاتها كجنس إبداعي ليس هو صفوي، بقدر ما أنه يحاول طرح مضامين وجماليات هي من وظيفة الشعر المتعارف عليها إلى وقت قريب. وتلك الوظيفة لا تنتهي عند التلقي وإنما تعطي انطباعا بأن للشعر وظيفة تتكامل مع وظائف الأجناس المعرفية في شحن الأمل نحو تلك اليوتوبيا، وتشكيل قسمات الوعي، بجانب وظائف الشعر الجمالية الأخرى. إذ هنا تتمتع الحواس بلذة الخلق، والابتكار الادبي، وتسافر مع الدفق الشعوري الذي له سحر السريان في النفوس.
ضمن قراءاتنا لقصيدة عالم لا نجد ذلك الغموض الذي ظل يكسو تلك القصائد الجديدة. وربما يعود ذلك إلى ارتباط عالم الحميم بالتراث الديني في تجلياته كافة. فهو متصل بالتاريخ الإسلامي الذي يوظفه في قصائده ودواوينه دون أن يوطن ذاته في ابتذال. وفي ديوانه الأخير واصل عالم في تجميل سياقاته بذلك الاقتصاد اللغوي، والمضج بعنفوان الموقف من المستجدات الحربية التي عصفت بجزء من ذلك المناخ المتسامح الذي عاش فيه، ورأى أن اياد ماكرة عبثت به. ولقد دار حوار عميق بين النقاد في ندوة واشنطن عن اللغة المباشرة التي جاء بها الديوان، وكيف أنها فارقت نهجه السابق في الاعتماد على التلميح في عباراته. ولكن عالم لم ير غضاضة في أن تكون المباشرة أحيانا أداة الشعر حين لا ينفع بعدها شئ، كما قال في حوار إذاعي مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *