طموحات العقيد القذافي والأزمة السودانية
محمد بحرالدين ادريس
[email protected]
قبل عامين من الأن تمكًن العقيد معمر القذافى من جمع الحركات المسلحة بدارفور فى مدينة سرت الليبية بعد ان أطلق مبادرته المعروفة بتوحيد الفصائل الدارفورية ، وعرضت وسائل الأعلام وكتبت المقالات حول جهود القذافى وإمكانية مساهمته فى حل الأزمة السياسية الطاحنة فى دارفور لما تتميز الجماهيرية الليبية من علاقات الطيبة وحسن الجوار مع دارفور من جهة والسودان ككل من جهة اخرى ، ولكن مبادرة القذافى لم تصمُت طويلا امام الرفض التى واجهتها من حركة عبدالواحد و التبريرات التى ساقتها حركة العدل والمساواة اللتان تمثلان حينها كبرى الحركات المسلحة فى دارفور ولاحت فى وقت مبكر بوادر إنكسار مبادرة العقيد أثر غياب الجهات الرئيسية وحضور الجماعات المنشقة عن الأصل ، كانت اسباب طرح المبادرة بالأساس لا تعدو كونه أكثر من مكاسب سياسية للعقيد وتعزيز دوره فى الأقليم وكانت خالية من النية الصادقة ، لذلك كان تفكير القذافى يقول انه لا يمكن ان يقف مكتوف الأيدى وان حلمه سوف يتبدد وأنه لا يمكن ان يخرج خالية الوفاض من هذه المبادرة دون قطف ثمارها فسرعان ما حولها من مبادرة خاصة يجمع أطراف دارفور الى مؤتمر دولي بشأن دارفور فيما عرف بمؤتمر سرت وحضره شخصيات عالمية والمهتمين بشأن السودانى والممثلين للأمم المتحدة والأتحاد الأفريقى ولم يحقق المؤتمر أية النتائج ولكن استطاع العقيد جذب أنظار العالم لشخصه العظيم ولمدينته الفاضلة وكشف للمؤتمرين ما يدور فى ذهنه حول ما يجرى فى دارفور وقال بعبارة صريحة ان أزمة دارفور هى صراع من أجل جمل وليس ألا .
واليوم تبرز صورة جديدة ومشهد جديد فى مائدة القذافى الرمضانية ويكون محورها قضية دارفور وأقطابها الزعامات السياسية بدارفور وصرح أكثر من جهة عالمية يؤيد الدور الليبى وزعيمها معمر القذافى فى مغامراته الشاقة من أجل أيجاد الحلول لأزمة دارفور وتقريب وجهات النظر بين فرقاءها وأدلى المبعوث الخاص للرئيس الأمريكى الى السودان أسكوت غريشن الذى يستعجل الحل من أجل رفع العقوبات عن السودان بدلوه فى الموضوع وقال أنه ممتنة لجهود الذى يبزله القائد الأممى يشأن دارفور ثم أدلى جهات أقليمة مهتمة بأمر دارفور بالقول أن دور الذى يقوم به العقيد جدير بالثناء ولكن القائد الأممى لا يحتاج الى الثناء والتذكية هذه المرة كحوجته فى مؤتمر سرت 2007 فهو اليوم بثوبه الجديد يملك حطام الارض وسلطانه ومخول عليه السلطات والصلاحيات يتصرف فى أمر أفريقيا كما يشاء فهو رئيس الأتحاد الأفريقى وملك ملوك أفريقيا ومسؤول شؤون الأمن والدفاع بموجب قرارات القمة الأفريقية الأخيرة فى ليبيا كثمن لما خسره فى حربه من أجل تأسيس ولايات المتحدة الأفريقية ورغم أن هذه المناصب تعتبر شرفية من جهة الحقيقة الا انه حوله الى مناصب حقيقية يستخدم سلطاته على أرض الواقع ويتبجح بها وسط نظرائه العرب فعندما إنهمك فى سجال لا مبرر له مع ملك عبدالله فى قمة الدوحة لا يفوت فطتته من استخدام عرش مملكته الجديدة للفشخرة السياسية وعلو الصوت فوبخ الأخير بأن لا ينسى أنه ملك ملوك افريقيا أيضاً , فالمُلك كله مُلك مهما أختلفت الممالك وحدود سلطتها ، والمُلك لله وحده
ما يورق القذافى هو ان يرى واحدة من أكبر القضايا فى أفريقيا تطير الى أحضان الخليج لذلك كان همه الأول والأخير ان يعود هذا الطائر الهارب الى أفريقيا ويكون هو قطب الرحى الذى يوظف أمكانياته لتشريعه وتفصيله ، ليس لأنه يحب الزعامة والشهرة فقط وليس لأنه يدعى الحكمة والقدرة على حل العقد ، وليس لأنه يقوم بأخفاء حقيقته ويظهر كمنقذ لأفريقيا ومخطط لمشاريعها ومشخُص لمصالحها بل لانه يدعى لنفسه الحق فى كل ما تخص أفريقيا , فبذل قصارى جهده من أجل ذلك ، وجمع الحركات الرافضة لمشروع الدوحة للسلام فى طرابلس و أنبثق منها ميثاق طرابلس فى محاولة لأفشال جهود قطر ، ولكنه باعت بالفشل ولم يحقق طموحاته وأحلامه ، فبادر مجددا بدعوة حركة العدل والمساواة الى ليبيا فى محاولة لتقريبها بمغاذلتها حيناً والضغط عليها حينا أخرى من أجل جرها من الحضن الخليجى ان أستطاع سبيلا ، ولكن عندما أدرك العقيد ان الأمور لم تسير كما تمناه تدحرج قبل ان يعود د/ خليل أدراجه الي دارفور وأنغمص بدلا من دارفور فى الشان السودانى ومد لسانه مترا الى الأمام ليفصٌل الشعب السودانى الى الزنوج والعرب والمستعربة ، والمسلمين والوثنيين ومجوس ، وأعلن دعمه لأنفصال الجنوب عن شماله وأقسم على ان لا شئي يجمع الجنوبيين بالشماليين – ربما يئس القذافى من أمر الجنوب كما يئس الطيب مصطفى صاحب منبر السلام العادل من الامر نفسه ، ولكن مّن مِن القيادات الدارفورية المجتمعة فى مائدة الزعيم يضمن لنا أن سعادته لا ينطق غداَ بأن دارفور لا يشبه السودان فى شئى وأن غداَ لناظره قريب .