طبُول السّلام
بقلم: زكريا عثمان بنقو
السلام أسم نسبه الله سبحانه وتعالي اليه ضمن أسمائه الحُسني، وهو تحية بين الناس و دعوة الأنبياء جميعاً، وهو أمان وأستقرار بالطبع.
لا يمكن إهمال الدور الذي يلعبه السلام والتصالح في الحياة اليومية.
وما يمكن تحقيقه في أوقات السلم أضعاف مضاعفة عن ما يمكن تحقيقه زمان الحرب، واضعين في الاعتبار ميزانيات الحرب وكلفتها الباهظة التي تدفع من عرق المواطن، كما أن البناء والإعمار لا يحصل الا في أوقات السلم والأمن.
ولا يعرف قيمة السلام الا من عاش تحت وطائتها وويلاتها.
في الأسبوع المنصرم تم التوقيع بالأحرف الأولي علي إتفاقية السلام بين سلطات الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية السودانية بوساطة دولة جنوب السودان الشقيقة.
وهذه هي المرة الأولي التي تُشخص قضايا المناطق في منظومة المسارات (دارفور، المنطقتين، الوسط، الشمال، الشرق) بوجود قاسم مشترك بينهم الا وهو التهميش الممنهج من قبل المركز، ولا ننسي بأن هناك خصوصية لكل مسار .
مفاوضات جوبا بدأت بدعوة كريمة من الفريق سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان استشعارًا منه بأهمية السلام في السودان.
حيث بلغت الجولات زهاء العام من النقاش والحوار والتفاوض حول مجمل القضايا التي تودي الي معالجة أسباب الحرب وبتر جذورها نهائياً.
كان من المتوقع أن يتم السلام في فترة وجيزة حسب التوقعات، ولكن فكرة الشراكة الوطنية لم تنضج عند أحزاب المركز المكونة لقوي الحرية والتغيير.
غير أن هناك أطراف وأعني هنا المكون العسكري والقليل من المكون المدني في مجلس السيادة أكثر تفاهم وإرادة تجاه قضية السلام.
هناك في الطرف الاخر حزب عجوز يدير معركته ضد عملية السلام بعقليته البالية، وفي نفس الوقت يستنجد قيادة هذا الحزب العجوز بحميدتي خوفاً من بطش الجبهة الثورية كما ورد في كتاب البروفيسور ولد لباد.
كما يري هذا الحزب وحلفائه ذات الاقلية القاعدية، عدد قواعدهم لا يتعدي عدد مقاعد بص واحد.
أن السلام خصم من إمتيازاتهم التاريخية ويعيد معالجة الخلل في المؤسسات الراهنة.
والجدير بالذكر أن غالب المواقع القيادية في الخدمة المدنية قد نالها ذلك الحزب العجوز وحلفائه بصورة انتهازية بعد انتصار الثورة.
ولكن اتفاقية جوبا للسلام قد عالجت هذه الانتهازية بالنصوص الصريحة.
لذلك سعت هذه الأحزاب ليل ونهار من أجل افشال السلام.
بدأت محاولات الإفشال منذ سقوط حكومة الديكتاتور ظنًا بأنهم قد ظفروا بالثورة ومكتسباتها.
أولي هذه المحاولات كانت بأديس ابابا عندما طلبت الجبهة الثورية السودانية من قوي إعلان الحرية والتغيير تضمين بعض البنود في الوثيقة الدستورية كعربون للسلام، ولكنهم تراجعوا عن ذلك بُعيد عودتهم الي الخرطوم.
حينها تم التوقيع علي الوثيقة الدستورية رغم عللها.
المحاولة الثانية كانت في مصر منتجع العين السخنة، حيث حضر عدد يسير من أعضاء الحزب العجوز وحلفائه وتم مناقشة خيانتهم للعهد وموقف الجبهة الثورية السودانية من ذلك مع وضع بعض الشروط لاستعادة جزء من الثقة المهترئة وكانت الطامة الكبري في ردهم “بانهم ليس مفوضين”.
ثم تلتها عدة محاولات ولكن دون جدوي.
وسط هذه الأجواء المتلاطمة الأمواج وضعف أحزاب الخرطوم الحاضنة السياسية لحكومة الثورة وعدم مقدرتها في التعاطي مع أمهات القضايا مثل قضية السلام وانشغالهم بتحقيق مصالح سياسية والتعامل بعقلية النشطاء وليس رجال دولة.
وضح جليًا للمكون العسكري وبضعِ أعضاء من المكون المدني في مجلس السيادة الذين تم ترشيحهم بواسطة الشرفاء من الثوار وبضغط من الشارع دون إرادة الحزب العجوز وحلفائه.
أن الوصول للسلام ضرورة من ضروريات المرحلة، لذلك تم إدارة ملف السلام بواسطة هؤلاء، خاصة أن العسكر أقرب الي السلام بحكم تجاربهم في الحرب، ولا يعرف قيمة السلام من عاش ويلاتها.
وبفضل جهود الأطراف والوساطة تم الوصول علي التوقيع بالأحرف الاولي للسلام يعقبها التوقيع النهائي والمتوقع في غضون هذا الشهر.
السلام ذلك الحلم الذي ظل يراود كل مواطن، ويطمح كل طفل لمستقبل مشرق.
أن هذا الحلم هو مسمار في نعش دولة النخب النيلية، وبث الروح في السودان الجديد.
حلم يخطو بنا خطوات نحو السودان الجديد، وطن خالي من العنصرية والجهوية.
وبفضل هذا الحلم سوف تتحول حركة العدل والمساواة الي حزب سياسي يخوض العملية السياسية بجدارة كما خاض الحرب بجدارة أيضاً، و محافظاً علي الديمقراطية.
أن مشروع حركة العدل والمساواة السودانية هو الخيار الأنسب لكل الشعب السوداني، كما ان أبوابها مشرعة لكل أطياف الشعب السوداني.
في الختام نزجي آيات الشكر والعرفان الي أرواح شهداء ثورتنا الظافرة وعلي رأسهم الشهيد الدكتور خليل إبراهيم وصحبته الكرام.
كما نزجيها الي الجرحي والاسري والمفقودين ان يعودوا قريباً.
تل أبيب
6 اغسطس 2020م