صيف الثورة السودانية يضع الديكتاتور على صفيح ساخن من واشنطن للخرطوم عبد الفتاح عرمان

[email protected]

“I suppose leadership at one time meant muscles, but today it means getting along with people”.

المهاتما غاندي

كما قال (ملح الأرض) المهاتما غاندي من قبل أن القيادة في وقت من الأوقات كانت تعني (العضلات) أي سياسة (العضل) لكنها في يومنا هذا تعني كيفية التعايش مع الأخرين. وما دري ملح الأرض أن قادة حكومة الخرطوم وعلى رأسهم الديكتاتور البشير ما زالوا يؤمنون بسياسة العضل مثل (فتوات)  الحارة في مصر المحروسة. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فالديكتاتور البشير إذا غضب أو استثير رقص، وإن إنبسطت أساريره وانشرح صدره رقص.. وهِز يا وز!.

فالأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني منها السودان الآن لم تأتٍ من فراغ بل سببها المباشر عنتريات الديكتاتور التي لم تقتل ذبابة من قبل ولن تقلتها الآن. فعلى سبيل المثال حينما قبل الشعب السوداني على مضض إنفصال الجنوب إثر السياسة الخاطئة التي إتخذها كيان المؤتمر الوطني المحتل، أصر الديكتاتور على فرض رسوم عبور لبترول الجنوب تعادل (36) دولاراً أمريكي للبرميل الواحد! وتم وضع هذه الرسوم في ميزانية الدولة بإقرار وزير مالية النظام يوم أمس أمام البرلمان أو بالأحرى مجلس شوري المؤتمر الوطني. تأمل معي أيها الشعب السوداني الفضل في عقلية (الجلابة) هذه التي تشتري منك (الديك) بريال وتبيع لك ريشه بريالين. كيف يبني الديكتاتور ووزير ماليته ميزانية الدولة على رسوم عبور قبل أن يتم الإتفاق عليها مع حكومة الجنوب التي ظن جهابزة المؤتمر الوطني أنهم بسياسة لي الذراع وفتوة الحارة سوف يفرضون عليها- جمهورية جنوب السودان المستقلة- رسوم لا يقبلها الإسلام الذي يتشدقون به ليل نهار، ولا تقبلها حتي الأعراف والقوانين الدولية. بالإضافة إلى التجارب القريبة منا، حيث تصدر دولة تشاد بترولها عبر نيجيريا ولم تتجاوز رسوم العبور للبرميل الواحد مبلغ (2) دولار أمريكي. لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فقد كان إبراهيم أحمد عمر القيادي في التنظيم الحاكم يتحدث يوم أمس لوسائل الإعلام عن أسباب التظاهرات في الخرطوم، وأرجع ذلك إلى مؤامرة خارجية تمثل فيها حكومة الجنوب رأس الرمح! موضحاً بأن وقف حكومة الجنوب لإنتاجها من البترول خلق أزمة إقتصادية في الشمال على الرغم من أنها- حكومة الجنوب- تحتاج إلى عائدات البترول أكثر من الشمال. إذاً عبر هذا التحليل الخاطىء قررت حكومة الخرطوم لي ذراع جوبا وإرغامها على دفع الرسوم التي تطلبها الخرطوم، لكن جوبا فأجات الخرطوم وأغلقت صنابير النفط الذي كان يلتقم عائداته قادة النظام مثلما التقمت عصا موسي أفاعي سحرة فرعون. لذا وصف إبراهيم أحمد عمر الخطوة التي اتخذتها جوبا بـ”الغرابة”، لكن في الواقع الغرابة والطرافة تكمن في عقلية قادة النظام الذين ما زالوا ينظرون إلى جوبا وكأنها جزءاً من السودان.. جوبا عاصمة لدولة مستقلة لا مفر من التعامل مع هذه الحقيقة لفهم قرار حكومة السودان الجنوبي كدولة ذات سيادة لها حق إصدار قرارتها حسب مصلحتها هي لا مصلحة النظام الفاشي في الخرطوم. ولم نسمع في السياسة شىء يسمي الغرابة، اللهم إلا إذا كان عمر مولع بالقرءاة للجاحظ؛ وما غريب إلا الشيطان!. ماذا ضر الديكتاتور البشير لو قبل بعرض جوبا القاضي بدفع دولارين مقابل تصدير النفط عبر الشمال، سيما وأن الخط الناقل للأنابيب تم بناءه من بتروك الجنوب نفسه (من دقنو وأفتلو). لكن القيادة الفاشلة في الخرطوم صارت تغتات من الأزمات وسياسة رزق اليوم باليوم.

النظام الآن وصل مرحلة اللاعودة، وكل الإجراءات الإسعافية التي يتحدث عنها قادة النظام لإنقاذ الإقتصاد الوطني وتخفيف أعباء المعيشة على المواطن لا تعدو سوي أن تكون (شيكات طائرة) ووعود كاذبة يسعي عبرها قادة النظام لإنقاذ أنفسهم.

ولنتحدث بلغة الأرقام- وبحسب صحافة النظام نفسه، الصادرة صباح اليوم الجمعة- فقد قفز سعر جالون البنزين الواحد من (9) آلاف جنية إلى (13.5) آلاف جنية، وربطة الجرجير من (1000) ألف جنية إلى (3000) آلاف جنية (وإدلع الجرجير في عهد المشير)، وكليو السكر من (5000) آلاف جنية إلى (7000) آلاف جنية، والقائمة تطول. وبحسب البروفيسور عصام بوب، الخبير الإقتصادي فإن نسبة التضخم بلغت 30%، والمساحات المزوعة لهذا العام لا تتجاوز 10%- حسب صحيفة حريات الصادرة صباح اليوم الجمعة.

في مثل هذا الوضع، كان من المتوقع أن يخرج الشارع مطالباً الديكتاتور بالتنحي والإستقالة، حيث هتف المتظاهرون الغاضبون ضده بـ”جوعت الناس يا رقاص” و”تسقط حكومة الكيزان” و”يا خرطوم ثوري، ثوري ضد الحكم الديكتاتوري”. وهذه الهتافات التي شقت جدار الصمت متسمرة، ونتوقع لها الإستمرار في ظل هذا الوضع المذري.

أمام الديكتاتور خيارات محدودة للمرواغة، وعليه أن يختار من بين الرحيل عبر (الخطوط الليبية) أو (التونسية).. فهو وحده لا شريك له سوف يكتب نهايته بنفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *