شماليون بجيش الجنوب وجنوبيون بجيش الشمال…الغام على طريق الاستقرار

شماليون بجيش الجنوب وجنوبيون بجيش الشمال…الغام على طريق الاستقرار

حمزة بلول

الاهتمام بدمج وتسريح العسكريين بالطرفين مطلب ضروري لحفظ واستتباب الأمن بالمنطقة

تلوح في افق الترتيبات الأمنية ما بين شمال السودان وجنوبه نذر أزمة جديدة، وهي الأزمة المتعلقة بعدم حسم قضية تسريح وإعادة دمج قوات الطرفين المنخرطة في جيش الآخر. فهناك أعداد من الشماليين في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان، وبالمقابل هناك عناصر جنوبية في القوات المسلحة السودانية، مما يجعل احتمال اندلاع العنف المسلح قائما في حال عدم توضيح مصير هذه القوات، لذلك خصصت الأمم المتحدة مفوضية تتولى مسؤولية تنفيذ برنامج إعادة إدماج أو تسريح القوات المختلطة ويرمز له بالأحرف «DDR» اختصارا لـ Disarmament, Demobilization and Reintegration.

قراءة أحدث تقرير بشأن هذه القضية من مسح الأسلحة الصغيرة

لكن العلاقة بين مفوضية التسريح وإعادة الدمج الأممية والحكومة السودانية تمر حاليا بأزمة ثقة تتعلق بكيفية صرف المفوضية لمواردها المالية، فقد طالبت الحكومة في نهاية ديسمبر 2010 الأمم المتحدة بموافاتها بتقرير مفصل عن مراجعة الحسابات المتعلقة بأوجه صرف أموال برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وذلك على خلفية التقرير السري الذي نشرته صحيفة « دير تاجستسايتونغ» الألمانية حول صرف 14 مليون دولار لخبراء تابعين للمنظمة الدولية بالجنوب. في حين قال السكرتير التنفيذي للمجلس القومي لتنسيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج العميد عثمان نوري في تصريحات صحفية \”هذه المبالغ تخص بعثة الأمم المتحدة في الجنوب، وتتصل ببرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج\”، وشكك في صرف أموال برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في السودان في أوجه غير مخصصة لها، مبينا أن الهدف من هذه الأزمة سياسي ومقصود.

بيد أن القضية الرئيسية تقع خارج هذا الجدال المحاسبي، فلا تزال هناك أعداد هائلة من الجنود الشماليين بالجنوب والجنوبيين بجيش الشمال الذين لا يعرفون مصيرهم، وهو ما دفع مفوض التسريح وإعادة الدمج بالجنوب وليام دينق دينق للقول لصحيفة الشرق القطرية بضرورة بقاء مفوضية (DDR) الى ما بعد نهاية الفترة الانتقالية لإكمال مهامها التي اعتبر أنها احد المشكلات الكبيرة التي تحتاج إلى مزيد من الوقت لحل معضلاتها، بعد أن تم تسريح عدد غير كبير من الجنود وأعيد دمجهم بالمجتمع المدني. وقال للشرق \”في حالة انفصال الجنوب، لا توجد أمام الشريكين طريقة إلا باستمرار مفوضية إعادة الدمج والتسريح لأن وجود السلاح لدي أي طرف سوف يتسبب في مشكلة ضخمة\”. وأنحى دينق باللائمة على حكومتي الخرطوم وجوبا بسبب عدم تعاملهما مع البرنامج باعتباره برنامج وطني بل اعتبروه برنامج للامم المتحدة فقط.

عرمان: الشماليون بالجيش الشعبي اكبر عددا من مجموع حركات دارفور

لكن ما هو الحجم الحقيقي لأفراد القوات المختلطين؟ نائب أمين عام الحركة الشعبية ياسر عرمان قال للشرق القطرية إن عدد الجنود الشماليين بالجيش الشعبي أكبر من مجموع جنود حركات دارفور المتمردة على السلطة، مما يعني ضخامة عددهم. ومع حالة العجز النسبى للمفوضية بإعادة دمجهم كمدنيين أو دمجهم بالجيش السوداني الشمالي فان أعدادا ضخمة من الجنود المسلحين سيحملون معهم ضغينة كبرى ضد الجيش مما يمكن أن يؤدى إلى أزمات أخرى على الخارطة السودانية. وهو ما اكده نائب والى جنوب كردفان القيادى بالحركة الفريق عبد العزيز الحلو المنحدر من جبال النوبة والذي أبان أن عدد أبناء النوبة بالجيش الشعبي رقم كبير يحتاج إلى عمل كبير لحصره، ورغما عن تشديد رئيس الحركة الشعبية الفريق أول سلفا كير ميارديت على أن الحركة ستخوض مفاوضات مع المؤتمر الوطني بشأن استيعاب أبناء جبال النوبة في الجيش السودانى، على أن يستوعب الجيش الشعبي أبناء الجنوب المنخرطين في القوات المسلحة، الا ان الحلو قال في حوار منشور \”إذا رفض المؤتمر الوطني دمج أبنائنا بالجيش السوداني، نحن لا نحتاج إلى ذلك، سنكون متواجدين، لن يتم تسريحنا لأننا نحمل سلاح، وقادرين على خلق وضع لأنفسنا\”. مما يشي بكثير من التهديد العسكري للشمال عبر قوات قال عرمان إنها تكبر على مجموع جنود حركات دارفور.

جوبا 2009 — الصورة من قبل الأمم المتحدة

غير أن رئيس هيئة اركان الجيش الشعبى الفريق جيمس هوث قلل من حجم القوات الشمالية في الجيش الشعبي الجنوبي حيث قال \”الشماليون في الجيش الشعبي سيذهبوا للشمال وسنعطيهم حقوقهم، وأعدادهم بسيطة.\” وأوضح قيام اللجان المشتركة في الوقت الراهن بمناقشة أوضاع ابناء جبال النوبة والنيل الازرق بالجيش الشعبي وكيفية إدخالهم بالجيش السودانى، وقال \”الآن وبعد استفتاء الجنوب كل القوات الشمالية ستذهب إلى الشمال والجنوبيون في القوات المسلحة سيتم تسريحهم وإعطائهم حقوقهم ومن ثم يأتون إلى الجنوب. حكومة الجنوب ستتعامل معهم وفق ما تراه مناسبا ، لكن اللجنة السياسية يجب أن تخرج بإجراءات بشان أبناء النوبة والانقسنا، لأنهم شماليون وإذا حدث تظالم فان المشكلة ستكون في الشمال\”.

وعلى ذات النهج المخفف لأعداد الشماليين بالجيش الشعبي قلل الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية الفريق احمد التهامى من أعداد الجنوبيين بشرطة الشمال بقوله للشرق القطرية \”عددهم قليل، مئات فقط، لا يبلغ الالف.\” ورغما عن إعلان وزير المالية السودانى على محمود امام البرلمان السودانى بمنح كل المغادرين حقوقهم كاملة الا ان حالة بعض الجنود الجنوبيين الذين وصلوا سن التقاعد ولم يمنحوا بعد مستحقاتهم، ينبئ عن أوضاع كارثية حال استمر الوضع على عدم الايفاء بالمستحقات المالية لانهاء خدمة الجنوبيين العسكريين بالشمال والعسكريين الشماليين بالجنوب، فقد خرج هؤلاء العسكريين في عام 2008 إلى شوارع الخرطوم وأغلقوا بعض المنافذ (كبرى الانقاذ الرابط بين الخرطوم وام درمان) احتجاجا على أوضاعهم.

مكمن الخطورة بالنسبة للطرفين هو ان هؤلاء العسكر من أصحاب الخبرات العسكرية الكبيرة التي تصل في بعضها إلى العمل العسكرى لاكثر من 30 عاما، وبالتالي يمكنهم لعب دور حال نشوب حرب لمعارفهم الكبيرة بأصدقاء الأمس وأعداء اليوم وخبرتهم الطويلة في الأراضي التي كانوا يحمونها سابقا ويستهدفونها آنيا، وذلك في حال تلكأت الحكومة فى منحهم مستحقاتهم او تعثر دمجهم بالقوات الجديدة لكل منهم.

ولا تزال مباحثات اللجان مستمرة في الوقت الراهن للخروج بحلول مرضية، خصوصا عقب حملات نزع السلاح بالجنوب والشمال، تلافيا لازمة طاحنة حال استفحلت وصعب حلها ستؤدى إلى حريق كبير بالسودان مما يجعل الاهتمام بدمج وتسريح العسكريين بالطرفين مطلبا غاية في الضرورة لحفظ واستتباب الأمن بالمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *