د. خليل ابراهيم.. قصة استشهاد غير مسبوقة في التاريخ الحديث
خالد ابواحمد
مرت علينا أمس ذكرى عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معانى العظمة والسمو والرفعة، هي ذكرى استشهاد الاخ البطل د. خليل ابراهيم وصحبه الأماجد، والآن تطوف بي الكثير من المواقف التي كان بطلها الشهيد وأتصور أن كل ما كتب في بلادنا من شعر الحماسة والرجولة والمرؤة والاقدام قد كتبت في د. خليل ابراهيم، كل الكلمات التي تصور عظمة البسالة تطبق على الشهيد خليل، وكل عبارات التمجيد في (اخوان فاطمة) تطبق عليه جملة وتفصيلا.
وفي التاريخ الحديث حدثنا عن قصيدة (السيل بوبا) التي نُظمت في البطل محمود ود بساطي أحد ضباط قوة دفاع السودان الذي منحه الحكم الثنائي رتبة بك لشجاعته وإقدامه في الحرب العالمية الثانية مما جعل شقيقته آمنة تمدحه بقولها:
غير خالد ماليك تنين عرش دود الأربعين
السيل بوبا يا الفوتك مو دحين
تغني ليك أم هاني
ويشهدو أهل المعاني
نضيفا خاتي ريحة الشاني
كتل ديلاك خبرو جاني
يا القمره الماك شهير
يا الرأسى الماك صغير
أبوك بساطى القبيل
تبراهو الشعبه والجنزير
خت كرسيه للعديل
وكورك قال يا غفير
سيفه بدلي الجفير
العاداك وين يطير
شقيا صادف نكير
شدلوا ليك في أم سبيب
كشفن ليك أمات وضيب
يالقاصدو ظنك ما بخيب
والف الشمس قبال تغيب
تغنى ليك ظبية الحدر
ما بتبلع من بي وصفو مر
المكنه فوقو بتكاكى
والمدفع تحتو بيخر
لا بيخاف ولا بيتر
قدام العينهم خضر.
والله انه لوصف يشبه الشهيد خليل ابراهيم ذلك المقدام حرّاس العِرض والشرف، الثائر الذي لم يتواني في خدمة قضية الشعب، فإن استشهاده تمثلت فيها كل معاني الرجولة وقد كان يدرك ان الطريق الذي سلكه يؤدي به لهذا المصير المحتوم لكنه كان يقول للاجيال من بعده من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى في أن يعيش وينتصر، من غيرنا يحمي عرض نساءنا وشرف أهلنا، وقد صدقت في هذه الأبيات من القصيدة المذكورة:
تغنى ليك ظبية الحُدر..ما بتبلع من بي وصفو مُر..المكنه فوقو بتكاكي..
والمدفع تحتو بيخر..لا بيخاف ولا بيتر..قدام العينهم خضر.
وقد أعاد التأريخ نفسه لأن الذين قتلوه كانوا هم ذات الأعداء الذين جيء بهم لتنفيذ هذا المخطط، وكانت الطائرات تحلق من فوقه حتى أصابته في مقتل، رجل واحد ترسل له الطائرات لقتله..أي عظيم هذا..؟، وأي بطل هذا، وأي قصة استشهاد هذه..؟!، انها قصة استشهاد غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
وعندما دخل الشهيد وصحبه الأماجد أمدرمان كانت قصة بسالة حقيقية وقد صدق وعده، ومن قبل أيام على الحادثة قال انه متحرك نحو امدرمان، وكان على الموعد تماما دخلها نهارا جهارا، فارتعد القوم وضاقت بهم الارض بما رحبت، وبعضهم فكر في مغادرة البلاد وشوهد د. نافع علي نافع يرتجف خوفا يبحث عن اقرب طائرة مغارة الخرطوم، لذلك كان ثمن اغتياله واستشهاده مكلفا جدا، من عرق ودماء الشعب السوداني لأنهم حينها أدركوا بأن ثأر اغتصاب الأمهات والاخوات في دارفور سيتعقبهم أين ما ذهبوا، وأن الانتقام من الطلعات الجوية اليومية التي تحرق القرى وتقتل العشرات في كل يوم، ستلاحقهم في حياتهم ومماتهم، وأن الموت يترصدهم داخل قصورهم وأن جيوشهم وأجهزة أمنهم واستخباراتهم ما عادت تشعرهم بالطمأنينة.
إن قصة استشهاد البطل خليل ابراهيم حقيق بنا أن نستفيد من عبرها ومن دروسها لأنها صبغت بالدماء الطاهرة وبالصبر على الإبتلاءات، وبالصدق مع الله ومع القضية ومع الشعب، وعملتنا أن الموت في سبيل الحق أجمل الأمنيات، د. خليل ابراهيم لم يكن طالبا لدنيا وقد كانت الدنيا طوع بنانه، ولم يكن طالبا لجاه فالجاه كان يستحي من صدقه وتعلقه بالثريا، وكان الجاه ليخجل من فرار خليل من ملذات الدنيا، كان همه قضية شعبه العادلة، وفي حربه ضد الظلم كان عادلا ووقورا ومهذبا، لم يشتط وهو صاحب الحق، ولم يتكبر على الآخرين برغم أن أعداءه هم السُفهاء والكذابون والظلمة وآكلي السحت قاتلهم الله انا يؤفكون.
طبت أخي خليل ابراهيم حياً وميتاً وقد قدمت الدروس والعبر في مسيرة حياتك العامرة بالعمل والمثابرة والاخلاص للقضية..تغمدك الله في الخالدين مع صحبك الكرام في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
الثلاثاء 24 ديسمبر 2013م