أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تقريراً حول ظاهرة استحواذ بعض الدول الغنية لأراضٍ في دول أفريقية فقيرة، وجاء التقرير بعنوان (اغتصاب أرض أو فرص تنمية؟)، حيث حذر من الآثار السلبية لظاهرة منح حكومات أفريقية (من ضمنها السودان) لمساحات كبيرة من أراضيها لحكومات دول غنية أو شركات مدعومة من تلك الحكومات بهدف استثمارها زراعياً وذلك مقابل وعود خميرة بتشييد بنى تحتية وزيادة فرص العمل للمواطنين المحليين. وأشار التقرير إلى أن كلاً من الصين وكوريا الجنوبية ودولاً خليجية اشترت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ما يعادل (2,5) مليون هكتار (الهكتار يساوي 10 كيلومترات مربعة) من حكومات السودان وإثيوبيا وغانا ومالي ومدغشقر مما جعل البعض يتحدث عن نوع من الاستعمار الجديد، خاصة وأن بعض الدول المستثمرة تشترط قدوم عمالتها لفلاحة الأرض، هذا إضافة إلى أنه قد يأتي زمن ترسل فيه الدول المستثمرة قوات عسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية.
ركز التقرير على خطورة هذه الظاهرة على حقوق السكان المحليين في تلك المناطق في ظل تغييبهم عن آليات صنع القرار حول مستقبل مناطقهم وعدم الحصول على موافقتهم المسبقة على تلك المشاريع وتسوية أوضاع المتضررين منهم وعدم تخصيص جزء من الفوائد المرجوة من تلك المشاريع لصالح إعمار المنطقة. وخلص التقرير إلى أن معظم الدول الأفريقية التي دخلت بجموح في اتفاقات من هذا النوع ليس لديها آليات كافية لحماية حقوق المواطنين الأصليين لتلك المناطق، حيث إن قوانينها ليست متطورة بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، كما يضعف فيها مستوى الشفافية بشأن توافر المعلومات للرأي العام، وتضعف فيها الرقابة المؤسسية على عقود البيع وحيازة المنفعة للأراضي. وأشار التقرير إلى أن دوافع الدول الغنية من عمليات الاستحواذ هذه تتمثل في ضمان أمنها الغذائي في ظل الفجوة الغذائية العالمية وارتفاع أسعار الحبوب وحاجتها للوقود العضوي كبديل للنفط إضافة لاقتناص فرص الربح السهل. والمفارقة في مقابل ذلك أن كل الدول الفقيرة التي تفرط في أراضيها ما زالت تتلقى الدعم المالي من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
عند النظر إلى الجزئية التي تخص السودان في هذا التقرير نجد أن السودان من أكثر الدول الأفريقية جذباً للمستثمرين الأجانب لدرجة أن منظمة (الفاو) نفسها اعتبرته وكندا واستراليا ثلاث دول مرشحة لتكون سلة غذاء العالم، حيث إن به حوالي (200) مليون فدان صالحة للزراعة مستغل منها فقط حوالي (20%)، كما يتميز السودان بتنوع مناخي ووفرة مائية.
هنالك تقارير غربية غير مؤكدة تشير إلى أن السودان أبرم اتفاقات منح بموجبها الصين وكوريا الجنوبية والسعودية والإمارات ومصر آلاف الهكتارات لفترات قد تصل إلى (99) عاماً، وفي مقابل ذلك نجد أن تراجع أسعار النفط واستحقاقات السلام زادت ضغوط الميزانية العامة للسودان. وكل الذي نخشاه أن يكون إسناد وزارة الزراعة والغابات للدكتور عبد الحليم المتعافي الذي أشتهر إبان توليه منصب والي الخرطوم بعقليته الاستثمارية خطوة نحو مزيد من بيع الدولة للأراضي الزراعية للشركات والحكومات الأجنبية وذلك دون مراعاة لحقوق الموطنين الأصليين، فقانون تشجيع الاستثمار لعام (1999) والمعدل لعام (2007) يفتح الباب على مصراعيه للتفريط في حقوق السكان المحليين والأجيال القادمة، فالقانون يمنح المشاريع الزراعية إعفاءات ضريبية بنسبة (100%) طوال عمر المشروع إضافة لإعفاءات جمركية لكل التجهيزات الرأسمالية ومدخلات الإنتاج ويمنح الأراضي بميزات تفضيلية. هذا إضافة لكون أن الضغوط الدولية بشأن أزمة محكمة الجنايات قد يجعل الحكومة في وضع قابل للابتزاز وتقديم تنازلات لضمان دعم موقفها في المحافل الدولية. هذا التخوف على مستقبل الأراضي الزراعية في السودان مبرر إذا وضعنا في الاعتبار أن جودة عثمان سليمان وزير الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم صرح لصحيفة (الوطن) السعودية بتاريخ 24/5/2009 (بأنَّ خطة وزارته للمشروعات الزراعية المطروحة للاستثمار في ولاية الخرطوم وحدها تبلغ « 45 » مليار دولار). وعلى المستوى القومي صرح دكتور عمر عبد الوهاب أمين دائرة التشريع والإصلاح المؤسسي بالنهضة الزراعية لصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 21/5/2009 (بأن التشاور جارٍ للوصول لاتفاق حول خصخصة المشروعات الزراعية القومية المتمثلة في مشاريع الرهد وحلفا والسوكي). وفي نفس السياق وبالرغم من نفي المتعافي لنيته بيع مشروع الجزيرة إلا أنه قال في تصريحاته الصحفية تلك بتاريخ 31/5/2009 (إن المشروع به « 110 » آلاف مزارع و « 110 » آلاف مشكلة)، وزاد قائلاً: (لو لقيتوا مشتري جيبو لينا).
يجب على المتخصصين السودانيين دراسة الآثار القانونية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية على البلاد عامة والسكان المحليين خاصة لظاهرة استحواذ مستثمرين أجانب على أراضي شاسعة، فمنح قطع أراضي سواء بالبيع أو المنفعة لأجانب يعني أن نصيب السكان المحليين قد نقص في ميزان توزيع الثروة والسلطة في منطقتهم، كما يعني ضمنا منح المستثمر الأجنبي نصيباً من مياه الري في ظل وجود تململ بين دول حوض النيل حول نصيب كل من السودان ومصر، هذا مع العلم بأن المحللين يتوقعون أن تكون الحروب القادمة في المنطقة حول المياه. وكما هو معلوم بالضرورة فإن المستثمر الأجنبي سيكون مدفوعاً بالربح دون مراعاة الآثار البيئية السلبية لزراعته على الأرض، هذا إضافة إلى أن حيازة الأرض من قبل الأجنبي تعني حرمان الرعاة التقليديين من الانتفاع منها مما يؤثر على الثروة الحيوانية للبلاد، ناهيك عن أن استقدام أجانب لفلاحة الأرض يؤثر على التركيبة السكانية للمنطقة واللهجات المحلية ويجلب ثقافات دخيلة مما يهدد الثقافة المحلية والهوية، واهم من هذا كله فإن إحساس السكان المحليين بأن خيرات بلادهم ينعم بها غرباء دون تخصيص جزء من عائداتها لتعمير المنطقة سيغذي روح التمرد التي بدأت في الأعوام الأخيرة تجتاح أطراف البلاد، وليس بعيداً عن الأذهان أحداث منطقة كجبار والخلاف حول تعويض المتضررين في منطقة المناصير. في مقابل ذلك تتحمل الحكومة الحالية مسؤولية تاريخية تجاه الطبيعة القانونية للعقود التي تمنح بموجبها أراضٍ للمستثمرين الأجانب سواء بالبيع أو الإيجار، خاصة وأن الآثار المستقبلية لهذه الظاهرة لم تتضح بعد، كما يقع على عاتقها ممارسة الشفافية حول هذه العقود لضمان حقوق السكان المحليين وأن يصيبهم نصيب من هذا الخير عبر تعويض المتضررين وتحديد نسبة من عائدات المشاريع لتشييد البنى التحتية للمناطق التي تقع فيها واشتراط نسبة من العمالة المحلية في المشروع، إضافة لاشتراط دخول نسبة من محاصيل المشروع للأسواق المحلية، وقديما قيل( إن طباخ السم بضوقو
[email protected] كمال الدين بلال / لاهاي
ركز التقرير على خطورة هذه الظاهرة على حقوق السكان المحليين في تلك المناطق في ظل تغييبهم عن آليات صنع القرار حول مستقبل مناطقهم وعدم الحصول على موافقتهم المسبقة على تلك المشاريع وتسوية أوضاع المتضررين منهم وعدم تخصيص جزء من الفوائد المرجوة من تلك المشاريع لصالح إعمار المنطقة. وخلص التقرير إلى أن معظم الدول الأفريقية التي دخلت بجموح في اتفاقات من هذا النوع ليس لديها آليات كافية لحماية حقوق المواطنين الأصليين لتلك المناطق، حيث إن قوانينها ليست متطورة بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، كما يضعف فيها مستوى الشفافية بشأن توافر المعلومات للرأي العام، وتضعف فيها الرقابة المؤسسية على عقود البيع وحيازة المنفعة للأراضي. وأشار التقرير إلى أن دوافع الدول الغنية من عمليات الاستحواذ هذه تتمثل في ضمان أمنها الغذائي في ظل الفجوة الغذائية العالمية وارتفاع أسعار الحبوب وحاجتها للوقود العضوي كبديل للنفط إضافة لاقتناص فرص الربح السهل. والمفارقة في مقابل ذلك أن كل الدول الفقيرة التي تفرط في أراضيها ما زالت تتلقى الدعم المالي من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
عند النظر إلى الجزئية التي تخص السودان في هذا التقرير نجد أن السودان من أكثر الدول الأفريقية جذباً للمستثمرين الأجانب لدرجة أن منظمة (الفاو) نفسها اعتبرته وكندا واستراليا ثلاث دول مرشحة لتكون سلة غذاء العالم، حيث إن به حوالي (200) مليون فدان صالحة للزراعة مستغل منها فقط حوالي (20%)، كما يتميز السودان بتنوع مناخي ووفرة مائية.
هنالك تقارير غربية غير مؤكدة تشير إلى أن السودان أبرم اتفاقات منح بموجبها الصين وكوريا الجنوبية والسعودية والإمارات ومصر آلاف الهكتارات لفترات قد تصل إلى (99) عاماً، وفي مقابل ذلك نجد أن تراجع أسعار النفط واستحقاقات السلام زادت ضغوط الميزانية العامة للسودان. وكل الذي نخشاه أن يكون إسناد وزارة الزراعة والغابات للدكتور عبد الحليم المتعافي الذي أشتهر إبان توليه منصب والي الخرطوم بعقليته الاستثمارية خطوة نحو مزيد من بيع الدولة للأراضي الزراعية للشركات والحكومات الأجنبية وذلك دون مراعاة لحقوق الموطنين الأصليين، فقانون تشجيع الاستثمار لعام (1999) والمعدل لعام (2007) يفتح الباب على مصراعيه للتفريط في حقوق السكان المحليين والأجيال القادمة، فالقانون يمنح المشاريع الزراعية إعفاءات ضريبية بنسبة (100%) طوال عمر المشروع إضافة لإعفاءات جمركية لكل التجهيزات الرأسمالية ومدخلات الإنتاج ويمنح الأراضي بميزات تفضيلية. هذا إضافة لكون أن الضغوط الدولية بشأن أزمة محكمة الجنايات قد يجعل الحكومة في وضع قابل للابتزاز وتقديم تنازلات لضمان دعم موقفها في المحافل الدولية. هذا التخوف على مستقبل الأراضي الزراعية في السودان مبرر إذا وضعنا في الاعتبار أن جودة عثمان سليمان وزير الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم صرح لصحيفة (الوطن) السعودية بتاريخ 24/5/2009 (بأنَّ خطة وزارته للمشروعات الزراعية المطروحة للاستثمار في ولاية الخرطوم وحدها تبلغ « 45 » مليار دولار). وعلى المستوى القومي صرح دكتور عمر عبد الوهاب أمين دائرة التشريع والإصلاح المؤسسي بالنهضة الزراعية لصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 21/5/2009 (بأن التشاور جارٍ للوصول لاتفاق حول خصخصة المشروعات الزراعية القومية المتمثلة في مشاريع الرهد وحلفا والسوكي). وفي نفس السياق وبالرغم من نفي المتعافي لنيته بيع مشروع الجزيرة إلا أنه قال في تصريحاته الصحفية تلك بتاريخ 31/5/2009 (إن المشروع به « 110 » آلاف مزارع و « 110 » آلاف مشكلة)، وزاد قائلاً: (لو لقيتوا مشتري جيبو لينا).
يجب على المتخصصين السودانيين دراسة الآثار القانونية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية على البلاد عامة والسكان المحليين خاصة لظاهرة استحواذ مستثمرين أجانب على أراضي شاسعة، فمنح قطع أراضي سواء بالبيع أو المنفعة لأجانب يعني أن نصيب السكان المحليين قد نقص في ميزان توزيع الثروة والسلطة في منطقتهم، كما يعني ضمنا منح المستثمر الأجنبي نصيباً من مياه الري في ظل وجود تململ بين دول حوض النيل حول نصيب كل من السودان ومصر، هذا مع العلم بأن المحللين يتوقعون أن تكون الحروب القادمة في المنطقة حول المياه. وكما هو معلوم بالضرورة فإن المستثمر الأجنبي سيكون مدفوعاً بالربح دون مراعاة الآثار البيئية السلبية لزراعته على الأرض، هذا إضافة إلى أن حيازة الأرض من قبل الأجنبي تعني حرمان الرعاة التقليديين من الانتفاع منها مما يؤثر على الثروة الحيوانية للبلاد، ناهيك عن أن استقدام أجانب لفلاحة الأرض يؤثر على التركيبة السكانية للمنطقة واللهجات المحلية ويجلب ثقافات دخيلة مما يهدد الثقافة المحلية والهوية، واهم من هذا كله فإن إحساس السكان المحليين بأن خيرات بلادهم ينعم بها غرباء دون تخصيص جزء من عائداتها لتعمير المنطقة سيغذي روح التمرد التي بدأت في الأعوام الأخيرة تجتاح أطراف البلاد، وليس بعيداً عن الأذهان أحداث منطقة كجبار والخلاف حول تعويض المتضررين في منطقة المناصير. في مقابل ذلك تتحمل الحكومة الحالية مسؤولية تاريخية تجاه الطبيعة القانونية للعقود التي تمنح بموجبها أراضٍ للمستثمرين الأجانب سواء بالبيع أو الإيجار، خاصة وأن الآثار المستقبلية لهذه الظاهرة لم تتضح بعد، كما يقع على عاتقها ممارسة الشفافية حول هذه العقود لضمان حقوق السكان المحليين وأن يصيبهم نصيب من هذا الخير عبر تعويض المتضررين وتحديد نسبة من عائدات المشاريع لتشييد البنى التحتية للمناطق التي تقع فيها واشتراط نسبة من العمالة المحلية في المشروع، إضافة لاشتراط دخول نسبة من محاصيل المشروع للأسواق المحلية، وقديما قيل( إن طباخ السم بضوقو
[email protected] كمال الدين بلال / لاهاي