خليل إبراهيم: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .. بقلم: إسماعيل عبدالله

تحل علينا هذه الايام الذكرى السادسة لاستشهاد الدكتور خليل ابراهيم محمد , رمز مقاومة المهمشين في مطلع الالفية الثالثة , وايقونة النضال المسلح , الذي ما تهاون يوماً في الوقوف في وجه جبروت الحكم المركزي في الخرطوم , فهو الطبيب العالم ببواطن امراض السودان المستعصية والمزمنة , ونحن إذ نفتقده اليوم فاننا نفتقد فيه ذلك القائد المؤثِّر الذي تآلفت حوله القلوب , وما نزال نذكر تلك الكلمة الصادعة و الصادقة له وهو بدوحة العرب , في رحلته الصادقة والامينة , وسعيه الحثيث لايجاد حلول جذرية للازمة الوطنية للبلاد , حينما قال : على جميع الحركات والتنظيمات المسلحة الانضواء تحت لواء العدالة و المساواة , من اجل الوحدة و التماسك ونصرة قضية المهمشين , وبمقولته تلك كان على يقين بانه يمتلك اسباب القوة , والأهل

ية لتوحيد صف الناس وجمعهم على عهد وميثاق غليظين , فحالنا اليوم خير مترجم لتلك المخاوف التي حذر منها الخليل , وهي التشرزم و التفرق و ذهاب ريح الوحدة سدىً , فالرجل في تلك السنة قد نضجت كاريزماه , وسعى باتجاه احتواء الوجدان السوداني الجمعي , في مشروعه العادل نحو المساواة , والتقسيم المنصف لخيرات البلاد , بين ابناء الوطن دون اقصاء لأحد باعتبارات الجهة او العرق او اللغة اوالثقافة , ففي ذكرى رحيله الى دار البقاء نتحسس ضعفنا وهواننا على الناس , وتشتتنا و تفرقنا ملل ونحل و كتل.
لقد وضع الخليل عتبة وصخرة صلدة لجيل اليوم من المهمشين و المضطهدين داخل بلادهم , و للاجيال القادمة لتقف عليها بقدمين ثابتتين و راسختين رسوخ الجبال الرواسي , فهي الاساس المتين الذي يستوجب علينا القفز منه , حتى نشرئب الى فضاءات التحرر و الانعتاق و الخلاص من بطش وتنكيل الدويلة المركزية , فالرجل رحمة الله عليه أرسى دعائم مدرسة نبيلة , لنشر الوعي بالحقوق الاساسية للمواطنة بين شعوب الهامش السوداني , بطريقته المعهودة و البسيطة التي انعكست سلوكاً ظاهراً في حركاته وسكناته , وفي مأكله ومشربه و مسكنه , و في حله وترحاله , فلقد كان ابا ايثار يقول ما يفعل وكان يفعل ما يقول , وكانت تلك هي الخصيصة التي قضّت مضجع الطاغية الذي لم يغمض له جفن , فعاف النوم وسهر الليالي , وذهب في رحلات ماكوكية مهرولاً بين العواصم الشرق اوسطية , حتى اكمل خيوط المؤامرة التي اودت بانتقال الخليل الى معية خالق البرية , في وفاء منقطع النظير لقائد وعد مواطنيه بأن يقدم نفسه رخيصة في سبيل المطالبة بحقهم في الحياة الكريمة , وقد صدق وعده , فامسى ملهماً للسائرين في درب النضال ومحاربة الجبروت المركزي , فأحيا قيماً ومعاني كادت ان تندثر بين جيل اليوم , وهي الصمود و التفاني من اجل خير المجتمع الذي ننتمي اليه , فلم يكن حب الدنيا وكراهية الموت شيمة من شيمه , وتلك كانت هي الجذوة التي اضاء وانار بها الطريق للناس .
ما تزال القبضة الحديدية لمنظومة الحكم المركزي تمارس هوايتها في البطش بالنساء و الطلاب و الصحفيين , لقد ضيقت الحريات الخاصة و العامة على الناس , وكممت الافواه , و اصبح ابداء الرأي جريمة تودع صاحبها السجن , وربما تودي بحياته , وصار الكيد و استغلال النفوذ لقهر المواطن ظاهرة بائنة للعيان , وممارسة من قبل نافذين في اجهزة الدولة , و ما قضية الناشطة (ويني) الا واحدة من ابشع صور هذا الابتزاز , وهذا القهر الذي يمارسه بعض رموز النظام بحق المستضعفات من النساء , اما حال الصحافة فقد شابه صفار و رمادية اللون , فصارت الاقلام مدجنة و مكبلة ومهددة , فهذه الاجراءات التي يتم بموجبها ممارسة الارهاب على الصحفيين , تنذر بقرب نهاية هذه المنظومة الانقاذية , فانه عندما يضيق ولي الامر زرعاً بالنصح وبالرأي ألآخر , فتلك دلالة اخرى على بلوغ الطغيان منتهاه , مثلما حاق بنظام الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين من احتقان في آخر أيامه , فيحكى انه وفي نهايات عهده ازدادت خشية مبعوثيه وموفديه منه , واصبحوا يهابون مواجهته بالحقائق , بعد حضورهم لجلسات المفاوضات المتعلقة بقضية التفتيش عن الاسلحة البيولوجية و الكيميائية , حيث كانوا لا يتجرأون على تقديمهم الطرح الشفّاف له , عندما يعودون اليه بعد انقضاء جلسات تلك المفاوضات , ذلك الطرح الذي يوصي به الامريكان وفرق التفتيش بخصوص تلك القضية , فكان مبعوثوه ومن فرط تهيبهم لانعكاسات ردات فعله , يقومون بتمليكه انصاف الحقائق , خوفاً من ثورة وغضبة الجبروت , الى ان ادى ذلك القصور و البتر المعلوماتي و عدم الشفافية , الى التعجيل بنهاية ورحيل النظام الصدّامي , فالدولة الانقاذية اليوم ضيقت على الناس فضاقت بها السبل , وتخبطت ما بين المشرق و المغرب , فتارة ترتمي في حضن الامريكان , و تارة اخرى ترمي بنفسها بكل ذل وهوان في احضان الدب الروسي , وجميع هذه التقلبات تشير بوضوح الى علامات واشراط مقدم ساعة الرحيل.
فسلام على أبي إيثار في عليائه , لقد كان هو ذلك الخبير المختص , في شئون هذه الجماعة التي آثرت إكتناز ثروات الوطن و واختزانها في خزائن منسوبيها , لذلك كان دائماً ما يوصي الناس بعدم الوثوق في وعود وتعهدات هذه الجماعة , وكان يردد مقولته الشائعة آنذاك , أن هؤلاء الانقاذيون سيكتفون بحكم وادارة جزيرة توتي , إذا كان التنازل عن بقية ارجاء الوطن يضمن لهم البقاء في الكرسي , نسأل الله ان يرحمه ويغفر اليه و يجزيه خيراً , بما قدم من رسالة وتضحية صادقة لشعبه الذي طالما كافح ونافح من أجله , وسوف تظل راية النضال من اجل استرداد حقوق المقهورين مرفوعة وخفاقة , حتى تسترجع هذه الحقوق المستلبة , وتضمد الجراح وتسود العدالة و المساوة بين ابناء الوطن الواحد والموحد..
اسماعيل عبد الله
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *