حركة العدل والمساواة السودانية ملاذاً آمناً للثوار وحارسا أميناً لتطلعات المهمشين

إن الإهمال المتعمد وغياب التنمية المتوازنة فى عموم البلاد وإسثتئثار قلة منتقاة من الشمال النيلى لمقاليد السلطة والثروة طوال عمر الإستقلال بإستخدامهم لكافة أساليب الترهيب والترغيب  والتجهيل والإستغفال، ثم الإستغلال من خلال طرح شعارات جوفاء حسب مقتضيات المرحلة، ماهى إلا سمات مميزة ومشتركة لكل الحكومات الوطنية العسكرية منها و المدنية التي تعاقبت على حكم البلاد طوال العقود الخمسة المنصرمة . ولم يكن عدم الرضا من السواد الأعظم من الشعب السودانى بهذه الحالة ظاهرة حديثة ، فقد علت النبرات الرافضة لهذا الوضع الشاذ والمطالبة بعدالة قسمة السلطة والثروة منذ بواكير الإستقلال فى خمسينيات القرن الماضى .ولكن التدهور المريع الذى حل بكل مناحى الحياة فى البلاد (الإقتصادية ، السياسية، و الثقافية، والصحية ، والتعليمية و على رأسها الأمنية ) وخاصة فى إقليم دارفور هو ما عجّل بقيام ثورة الهامش بوجهها الجديد مطلع العام ألفين وثلاثة.

 

إستطاعت الثورة ملامسة وجدان الجيل الشاب من أبناء الهامش والمتلهف للتغيير. فكان التدافع لميادين الثورة هو التعبير التلقائى لحالة الإحباط واليأس  والمستقبل المجهول  الذى كان يعيشه هذا الجيل، وفى غمرة هذا التدافع عجز الكثير من قادة الثورة عن وضع إستراتيجية ناجعة لإستيعاب هذا الكم الهائل من الشباب  بما يتوافق ويستوعب  التنوع الإثنى والقبلى لسكان الهامش، وبالتالى كسب الدعم الشعبى والتى تمثل  أرضية صلبة للإنطلاق.  عوضاً عن هذه الغاية السامية حاول البعض إلباس الثورة لباس القبيلة، ومحاولة إقصاء الآخر ظناً منهم بأن مرحلة قطف الثمار سوف  لن تطول وبالتالى الإستئثار بأكبر قدر ممكن من النفوذ و تصفية بعض الضغائن الشخصية والتى ماهى إلا إنعكاس لسنن الطبيعة البشرية فى الإختلاف غير المخل.

 

آثرت معظم القبائل الحياد مع بواكير الثورة ليس جبناً أو تخاذلا، ولكن لعدم وضوح الرؤية لدى الحركات ، الأمر الذى ظن معه بعض من القادة العسكريين للحركات ضعف  هذه القبائل، فكانت مهاجمة أراضيها وحواكيرها بغرض الهيمنة والإخضاع ، وقد أدى ذلك إلى  تغيير مسار الثورة من المواجهة مع النظام إلى المواجهة مع قبائل دارفور. الأمر الذى أوجد معه بيئة خصبة لنظام الخرطوم للصيد فى هذا الماء العكر بتوسيع هوة الخلاف بين أهل دارفور بإتباع ” سياسة فرق تسد” وقد نجحت فى ذلك بإمتياز.

 

تسارعت الأحداث بتوتيرة أذهلت الكثير من المراقبين  فكان مارثون أبوجا التى أنتجت إتفاقية لم تلبّ حتى النذر اليسير من مطالب موقعيها ناهنيك من أن تلامس جوهر قضية المهمشين وأهل دارفور. ولكن إن كانت هنالك من حسنة تحسب لصالح هذه الإتفاقية فإنها قد إستطاعت أن تضع خطا فاصلا مابين أصحاب المصالح الشخصية الضيقة و بين من يحمل هم أهل الهامش  ويقاتل من أجل أن تسود و تنداح قيم العدل والمساواة بين مختلف أهل السودان دون تمييز .

 

تتابعت الأحداث بتشظى سائر الحركات المسلحة إلى فصائل متناحرة فيما بينها تنقصها الرؤية والهدف، ولكن، إستطاعت حركة العدل والمساواة خلافا لمثيلاتها من الصمود فى وجه هذه العاصفة الهوجاء، و يعزى ذلك إلى إمتلاكها لعوامل البقاء. فهى الوحيدة التى كانت لها هيكل تنظيمى ولديها رؤية ومانفستو مكتوبتين ومنشورتين قبل إعلان إنطلاقتها ، هذا بالإضافة لكادرها السياسى والعسكرى المتمرس، فضلا عن تقاسم قائدها الدكتور/ خليل إبراهيم لشظف العيش بالميدان مع قواته وبين شعبه. كما إستطاعت الحركة تطوير خططها وخطابها وطرحت نفسها كبديل حقيقى لحكم السودان. فتوالى الدعم الشعبى لها بإنضمام العديد من القبائل التى كانت فى السابق خارج ركب الثورة . وعندما قامت الحركة بتنفيذ عملية “الذراع الطويل” النوعية و الجريئة في العاشر من مايو عام 2008  تبيّن للجميع و خاصة للثوّار خارج منظمومة حركة العدل والمساواة جديّة وصلابة الحركة فى مسعاها وتصميمها على تحقيق تطلعات أهل الهامش .

 لم تغتر الحركة بهذا الإنجاز المذهل، بل أرسلت وفودها في كل الاتجاهات لإدارة حوار جادّ بغرض توحيد المقاومة مع مختلف الفصائل المقاتلة بالميدان و مع الشخصيات الثورية السياسية ، الأمر الذى أدى بهم إلى التداعى للحاق بصفوف الحركة معزّزين ومكرّمين ، لا مفاضلة بينهم وبين من سبقوهم إلا بقدر عطائهم وإيمانهم بقضيتهم ، و توّجت كل ذلك ببسط  حركة العدل والمساواة السودانية سيطرتها على كامل ميدان الثورة ،  فصارت الآن بوتقة و نموذجاً للإنصهار القومى والإثنى و القبلى وكان ذلك جليّاً من خلال وفدها المشارك فى الإحتفالات الأخيرة لثورة الفاتح من سبتمبر الليبية . ولم تكتف الحركة بكل ذلك، بل و إنطلاقا من نهجها القومى والساعى إلى تغيير البنية الهيكلية لنظام الحكم فى السودان لضمان التمثيل العادل لأقاليم السودان فى كل مستويات الحكم، فقد دخلت الحركة فى العديد من الإتفاقيات مع الإحزاب السياسية وفى طليعتها حزب الأمة القومى وكذلك مع جميع التظيمات الثورية فى مختلف الجهات الجغرافية للوطن ، شرقها و أقصى شمالها بالإضافة إلى العلاقة الجيدة مع الحركة االشعبية لتحرير السودان فى جنوبنا الحبيب.

 

ولما كان السلام هو خيارها الإستراتيجى، لم تتوان الحركة يوما عن تلبية مختلف دعوات الحوار بقلب وعقل مفتوحين ، متسلحة برؤية ثاقبة و إيمان راسخ بعدالة القضية،  ولكن غياب الإرادة السياسية وصدق النّية لدى نظام الخرطوم هو السبب الرئيس فى إطالة أمد الصراع وعدم الوصول إلى حل لقضية السودان فى دارفور وما وفاء الحركة بإلتزامها ونقض النظام لعهدها بإطلاق سراح أسرى الحركة وفق إتفاق حسن النوايا الموقع بالدوحة فى فبراير الفائت إلا دليلا على ذلك.

 

الآن جميع أهل السودان وكل المشفقين على الحالة السودانية و على معاناة النازحين واللاجئين يتطلعون إلى جولة أخرى من المفاوضات فى أكتوبر القادم وكلهم أمل فى أن تخرج الجولة القادمة بما يرضى تطلعاتهم فى السلام والأمن والإستقرار، ولكن ما يلوح فى الأفق ينذر بعكس ذلك وما يعزز هذا القول هو تكالب الجميع والسعى من أجل أن تكون هذه الجولة إستنساخ لإتفاقية أبوجا المشئومة ، كما إن موقف الحركة واضح ومعلن وهو إنها سوف لن تجلس فى منضدة للتفاوض  بها النظام موحدا كطرف و حركة العدل والمساواة وآخرين متشاكسين فى الطرف الآخر ، و رغم أن الحركة لاتملك الحق فى أن تمنع الآخرين من التفاوض مع النظام كيفما شاءوا ، ولكنها ومن منطلق حرصها وقناعتها بأن هنالك العديد من الأفراد داخل هذه الفصائل السياسية صادقين فى نواياهم تجاه قضية أهلهم ولكنهم مكبّلين ببعض من القيود الشخصية و الإقليمية، فقد سعى رئيس الحركة بنفسه يدعوهم للإنتصار على أنفسهم  و أن أبواب الحركة مشرعة للدخول، فهلا إستجاب الجميع لنداء الوحدة ؟

 

 

 

محمد إبراهيم عبدالوهاب

مسئول مكتب بريطانيا

حركة العدل والمساواة السودانية

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *