جنوب كردفان .. ونكتة كاتب ( العرضحال ) !! .
بقلم / آدم جمال أحمد – سدنى
شاء حظ ولاية جنوب كردفان ( منطقة جبال النوبة ) العاثر أن تكون أول حكومة وحدة وطنية .. من نصيب الحركة الشعبية .. فى الفترة الانتقالية بعد سلام نيفاشا بقيادة اللواء إسماعيل خميس جلاب ( حلاب ) وبطانته الذين عاثوا فساداً فى أرجاء الولاية ، مما جعل الوضع أكثر تأزماً وتعقداً .. فأصبحت المنطقة تمر بأزمة عميقة ومتزايدة شملت كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والتنموية ، مما أقعدت بالولاية عن ركب التغيير والتقدم إسوة برفيقاتها من الولايات الأخرى .. لمسح أثار الحرب والدمار الذى لحق بها فى فترة ما .. وتضميد الجراح وجمع الصف وتوحيد الكلمة وخلق نوع من التوازن لإحداث ثورة فكرية وطفرة تنموية وعمرانية .. لإنتشال مواطنى الولاية من الواقع المرير المعاش ، بعد أن تعلقت آمالهم وطموحاتهم .. بأن التغيير سوف يكون على أيادى ( هؤلاء ) ، ولكن لقد أصابهم نوع من الإحباط وفقدان الأمل فى شاكلة هذه القيادات الى سقطت فى أول تجربة حقيقية تم تطبيقها على أرض الواقع ، فكانت المحصلة تفشى الفساد الادارى والمالى والأخلاقى.
فلذلك نستميح الأخ والصديق/ عمر منصور فضل .. ذلك القيادى الفذ والكاتب والاعلامى المرموق والصحفى المتميز بكتاباته وموضوعاته ، والذى ظل صامداً كالجبل الشامخ وسط عواصف الدسائس والمؤامرات .. وكانت أخر عنقود الحلقات تلك المسرحية الدرامية الهزلية .. والتى بموجبها تم فصله فيها ضمن القيادات الأربع من صفوف الحركة الشعبية بجنوب كردفان ، مما جعل المكتب القيادى للحركة الشعبية يصب جام سخطه وغضبه على تلك الخطوة غير الموفقة بإستهداف قيادات من أبناء الأجانق داخل صفوف الحركة الشعبية التى تعانى أصلاً من عدم إنتظامهم فى منظومتها ، فألقى ذلك بظلال أثارها على مجريات القضية النوبية ، والتى لم تبرح مكانها بعد .. فقام بإستدعاء القائد عبد العزيز الحلو الى مجلس محاسبة فى مدينة جوبا ، بالاضافة الى تقاعسه ودوره فى فشل الحركة الشعبية بجنوب كردفان وتناسيه للقضية النوبية وتسخير جل إمكانياته وقدراته وإهتماماته لأبناء المساليت وقضية دارفور ، وخاصة بعد أن جاء عبد العزيز مرغماً من أمريكا .. دعنا بأن نقتبس من مقال للصحفى عمر منصور .. نشر بجريدة ( ألوان ) فى اغسطس 2000 م العدد ( 1515 ) .. بعنوان ( جنوب كردفان .. ونكتة كاتب العرضحال ) ، الذى جسد فيها الفساد الادارى والمالى بالولاية فى عهد الوالى اللواء باب الله بريمة ، ولكنه حذف بريمة وإستعاضها بكلمة على مقدماً .. فأصبحت نكتة يتداولها أهالى جنوب كردفان .. (الولاية على باب الله ) .. فالتاريخ فى جنوب كردفان يعيد نفسه بعد مرور تسع سنوات عجاف على ولاية جنوب كردفان تعكس سخرية الأقدار أن يتقدم دوماً الصفوف فى منطقة جبال النوبة ضعاف القوم والنفوس وقيادات الغفلة لتتولى زمام الأمور وهم بهذه الشاكلة من عدم الوعى والإدراك والفهم للقضايا والتركيبة النفسية لمواطن المنطقة يعتبرون خصماً للقضية النوبية وخصماً للحركة الشعبية.
ظهر الفساد .. وتمثل فى .. المال .. المال .. هذا ( الاكسير ) الذى يحرك كل خلايا الحياة والدم الذى ينساب فى الشرايين فيكسب الأفراد والمجتمعات والأمم والدول قدرتها على البقاء والارتقاء .. لكن حاله فى جنوب كردفان حال ، و(حكايتو حكاية) !! .. فالفساد الادارى والمالى الذى ساد الولاية فى فترة ( القومندات ) أو ما يحلو لأعضاء الحركة الشعبية تسميتهم ( الكومرات ) شئ يندى له الجبين ويقشعر له البدن ولا يمكن لأى أحد تصور حقيقته مهما جنح به الخيال فالوضع يبدو وكأن لم تكن هناك أى جهاز حكومى فى هذه الفترة .. والواقع أنه لم يكن هناك إلا أسفاء و(مونيكات) وبوارق وبيارق .. أما الأداء العام ومهام الدولة فكأنما كان الجميع فى ( تفرغ تام لأجل غير مسمى ) لرعاية المصالح الفردية إذ إفتتح بعض وزراء ( العهد القديم ) مكاتب تجارية وشرع البعض فى بناء العمارات والفلل فى الخرطوم والمدن ( قدام ) .. وقسمت محليات الولاية الى قطاعات أو إقطاعيات على وجه الدقة – لكل منها وزير يقوم بشؤون ( اللف ) عليها و( اللغف ) منها ، وعندما جاء الطوفان ( بالغ ) البعض فى ( فجور الفساد ) فنهبوا حتى أثاثات المنازل الحكومية كمنازل الوزراء والمحافظين ، لدرجة أن أحد المحافظين الجدد لم يجد بمنزله من آنية الضيافة إلا كوبين ماء وواحد لا غير!!.. بل أن مسكن والى الولاية عندما وصلها الوالى الجديد عمر سليمان كانت حتى سلوك التوصيلات الكهربائية بالغرف منزوعة !! وما تبقى من أثاث عبارة عن نثار من الخشب والأسفنج المبعثر!!.. وليس فى الأمر عجب .. فالغرائب كلها والعجائب فى أداء محليات الولاية التى تبدو بعضها تماماً كالبقالات والمغالق والحلونيات التى ( تورد ) لجيوب أربابها بلا أدنى مساءلة أو سؤال فأغلب ضباط محليات الولاية أما ( غائبون عن العمل ) – مقيمون بعواصم المحافظات – وأما ( خائضون فى الوحل ) – وحل الفساد – وأما ( نائمون فى العسل ) أما الشعبيون المعنيون بالرقابة والتصحيح ففريق ( متواطئ ) .. وفريق ( متباطئ ) بينما العوام والجمهور أما ( ساخط منصرف ) أو ( ساخر منصرف ) .. فكيف يطلب منا بعد كل هذا أن نلتف حول هذه القيادات .. وقد شهدنا عجباً ولن نصم رجباً ، ونحن نراقب ونشاهد ما جرى فى الولاية حينما إحتدم جدل بيزنطى بين الوالى جلاب ومدير عام المالية بالولاية ووزير المالية وحكومة الولاية من جهة والمجلس التشريعى للولاية من جهة أخرى فى عجز الولاية التى لم تستطيع الوفاء بمستحقات المعلمين لمدة تسعة أشهر وتسديد المرتبات للموظفين والعاملين بالولاية لمدة تفوق الثلاثة اشهر ، الى أن بعث ريئس الجمهورية نائبه الأول على عثمان طه ليصبح حكماً فى حضور الجميع بالمجلس التشريعى حينما وجهوا له صوت لوم بتقصير حكومة المركز فى عدم إعطاء الولاية ميزانتها المخصصة لبند المرتبات وبند التنمية ، فرد عليهم على عثمان بإجابة شافية ( تعتبر ولاية جنوب كردفان الولاية الوحيدة التى أخذت حصة ميزانتها المخصصة لبند المرتبات والنثريات ومشاريع التنمية كاملة لمدة عام بواسطة الوالى ووزير ماليته وهذه مستندات تثبت صحة ذلك .. فأسألوه الآن هو ووزير المالية أين ذهبت هذه الأموال ..) فكان الرد كالصاعقة عليهم .. هذا ما يحدث فى ولاية جنوب كردفان .. كما يحدث فى شعارات التظاهرات السياسية حينما هتفت جماهير محلية ( الموريب ) عائد عائد عوض ، منادين بإعادة ضابطهم المنقول – ذات الموريب التى لم تشغلها مشاكلها من الهتاف .. ( من الموريب همشكوريب ) .. وكان سبقتهم هتافات محلية ( تجملا ) مظلومين .. مظلومين .. عايزين تغيير يا الوالى .. تطهير تطهير يا الوالى .. وعشرات الآليات المباعة صورياً والمهداة والتعيينات والتوظيفات ( الكيرى ) والتصاديق ( الوهم ) .. وعشرات المليارات من المطالبات ( المركونة ) تخرج ألسنتها اللئيمة للوالى الجديد!! ..
أن تكون ( ولاية ما ) قاحلة وعجفاء بلا موارد ولا مصادر مال فهذا قدر ليس للإنسان إلا التسليم به والعمل على التعايش معه ، أما أن تكون الولاية وفيرة الزرع غزيرة الضرع فيتسلط عليها أشقياء الأسرة ويحرموا الصغار من حبوب وحليب قبؤ الألم والظلم وهذا ما حدث بجنوب كردفان فى ظل إستمرار القيادات السابقة للولاية والتى كنا نعتبر أن فترة ( الحرب ) نغمة والتى تجمد فيها استغلال الموارد ، وإنعدام البنية التحتية التى تضعف إمكان استغلال الموارد وشح الدعم الاتحادى وظلم قسمة الثروة .. بينما كان النهب المنظم للمتاح من الموارد فى ظل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة خميس جلاب يجرى على قدم وساق على مرأى ومسمع من الجميع .. ونظرة عابرة لآداء أى وزارة أو مدرسة أو محافظة أو محلية بجنوب كردفان للثلاث السنوات الماضية يجعل المرء يقف على قناعة كاملة بأن التنمية والاعمار كان يمكن أن يكون قطع شوطاً بعيداً جداً إذا أحسن توظيف ( قدر معقول ) من مواردها .. ولكن الذى جرى فى هذه الولاية شئ غير طبيعى ( ومبالغ فيه ) و( ما معقول ) حتى بالمقارنة مع ما يثار عن الفساد وسوء الآداء بأجهزة الدولة المختلفة.
أما على مستوى السقوط اللاخلاقى فحدث ولا حرج .. فلذلك نستشهد بواقعة قدوم ( الفنانة ندى القلعة ) الى عاصمة الولاية كادقلى بدعوة من سيادة الوالى ( حلاب ) عفواً جلاب لاقامة حفلات بالولاية ، وحينما طلبت الفنانة ندى القلعة بأن يحجز لها شرفة ( جناح ) فى أرقى فنادق المدينة أجابها الوالى الذى كان مغرماً بها ( يوجد إنفلات أمنى فكل الأماكن غير آمنة .. لكن من دخل بيت السيد الوالى كان آمناً ) .. فوافقت الفنانة دون تردد ومكثت مع الوالى ( أسبوع تمام ) .. فى بيته الذى كان خالياً من زوجته التى لم تغادر ولاية الخرطوم.
فلذا نرجو من الحادبين والمخلصين إن وجدوا داخل مواعين الحركة الشعبية بتكوين لجان محاسبة لفتح كل الملفات السوداء للحكومة السابقة لتتبع منابع ومصبات الاختلال وتقديم كل من ساهم فيه للحساب القانونى والردع الحاسم حتى يعتبر بعض الذين لا يزالون ( على النهج سائرون ) من القيادات الوسيطة .. كما أن هذا يعتبر مطلباً جماهيرياً عادلاً وعاجلاً وخاصة وإن هذا الفساد المشهود المشهور كان يجرى على كل لسان مقروناً بالأسماء والوقائع والمواقع والوظائف علاوة على أن ذلك سيكون له دلالات ومغزى بإعتباره شيئاً جديداً قد بدأ على أسس من العدل والنقاء والنزاهة ورقابة بالأجهزة وهناك كثيرون يملكون التفاصيل ولهم الاستعداد للتطوع بها إذا سنحت لهم الفرصة ، وخاصة أن ما كان يحدث لم يكن سراً وإنما جهاراً نهاراً على سبيل ( التبجح ) والعزة بالإثم والمجاهرة بالمعاصى والمنكر.
صحيح أنه على المستوى الاداري والمالى قد لحق شئ ما برأس ( الحية ) خاصة بعد مجئ الوالى أحمد هارون من المركز بديلاً للوالى عمر سليمان الذى فشل فى معالجة قضايا الولاية فتجددت فى عهده الاحتكاكات القبلية المسلحة بين النوبة والعرب وإتسعت رقعة الإنفلات الأمنى بالولاية ، فاستطاع الوالى أحمد هارون للحقيقة والتاريخ وكلمة حق يجب أن تقال ليس دفاعاً عنه أو تحيزاً له لأن الكلمة أمانة والكتابة سرد للحقائق مهما كانت مرارتها رغم إختلافنا مع أحمد هارون وجرائمه السابقه وبإعتباره مطلوباً دولياً ، إلا أننا لا نستطيع أن ننفى عدم علاقته بالمنطقة وإرتباطه بها ، فبحكم علاقاته وتجاربه إستطاع حسم الإنفلات الأمنى بالولاية والاحتكاكات القبلية وخاصة من جانب ( القبائل العربية ) بالمنطقة ، وكذلك استطاع أن يجلب كل رئاسة مجلس الوزراء بقيادة عمر البشير على متن سبع طائرات الى رئاسة الولاية لعقد اجتماع لمجلس الوزراء فى كادقلى وأجبر كل وزير أن يقدم مساهماته لولاية جنوب كردفان .. كما استطاع أن يحسم أمر الفساد المالى ويقلل من أوجه الصرف والمال العام السائب بتخفيض المرتبات والمخصصات والنثريات إبتداءاً بنفسه ونائبه القائد عبد العزيز الحلو من ( 12 مليون ) جنيه الى ( 3 مليون ) جنيه وكل الوزراء واعضاء المجلس التشريعى واعضاء حكومة الولاية ورؤساء المحليات والذى كان اقل راتب ( 7 مليون ) جنيه الى ( 2 مليون ) جنيه .. وبل قام بجولات وزيارات مكوكية بطائرته العمودية لكل أرجاء الولاية من قري وفرقان ومدن والجلوس مع شيوخ ومكوك وأمراء ونظار القبائل ورؤساء المحليات والمواطنين والاستماع الى شكاويهم وتحسس مشاكلهم والسعى الجاد لإيجاد الحلول لها .. ومعالجة الكثير من قضايا الولاية الشائكة .. وهذه بشهادة الحركة الشعبية فى جنوب كردفان وعبد العزيز الحلو نفسه ومواطنى جنوب كردفان .. لكن الواقع يقول أن ما انقطع لم يكن إلا ذنب الأفعى والرأس لا يزال ( يجرجر ) الجسد المصاب ويستميت فى إعادته الى قوته القديمة .. إن مواطنى جنوب كردفان البسطاء الأنقياء أصبحوا يعقدون كل الأمل بعد الله فى عهده الذى تقول بشائره أنه ( مسنود من قدام ) و( مدعوم من المركز ) وموعودة الولاية بالخير والصلاح والاصلاح .. وهذه مقولة بواقع معطيات الساحة وأقوال المواطنين وبعض المسئولين.
وفى سبيل ذلك لا بد من بعض المعالجات المؤلمة والجراحة لحال جنوب كردفان لتصحيح الأوضاع والنفوس ، لأن الوضع لم يزل محبطاً ومريراً للغاية .. لكن هذا لا يعدو أن هذا الهول هو نتاجاً لما كشف من غطاء عن هذا الجب السحيق الذى حفره السابقون وهو ما يشبه تماماً نكتة كاتب ( العرضحالات ) – العرائض – التى يرويها أهلنا فى جنوب كردفان وتقول النكتة أن مظلوماً جلس الى كاتب عرضحالات يستكتبه مظلمته فلما فرغ منها طلب منه أن يعيد قراءتها له ليتأكد من أنه كتبها كما طلب .. لم يكد ( العرضحالجى ) يفعل ذلك حتى إنفجر (المظلمجى ) فى بكاء ونشيج ونحيب .. فلما سئل عن ذلك قال: ( والله ما كنت قائل نفسى مظلوم قدر كدا ) !!.
ولنا عودة ,,,,,,
10 فبراير 2010 م – سدنى – استراليا