جمهورية زرياب الإسلامية.. بدأت ببيوت الأشباح وانتهت باغتصاب الناشطة صفية

جمهورية زرياب الإسلامية.. بدأت ببيوت الأشباح وانتهت باغتصاب الناشطة صفية اسحاق داخل مقار أجهزة رسمية..هل كان السودان في حاجة لحركة اسلامية؟..الجرح النازف في الجنوب ودارفور، ومع دم الاغتصاب، والسل تظهر غلاظة وجلافة وقساوة أكباد هؤلاء القوم.
د. حيدر ابراهيم علي
مفتتح
الاعتذار والتوضيح واجب للمبدع والفنان والفيلسوف النادر (زرياب):
أبو الحسن علي بن نافع أو الكنار الأسمر أو الماء الذهبي. فهو لم يعرف أصله فارسي أو كردي، ليس مهما فهو يعرّف: الشاعر،الموسيقي،المغني،مصمم الموضة. يقال أن (الموصلي) خشي علي نفسه منه فأجبره علي الرحيل (وقديما كان في الناس الحسد) فاتجه الي قرطبة وفي الاندلس رعاه عبدالرحمن الثاني(22-852)الاموي، فملأ البلاط والمدينة والدولة واوربا كلها بالغناء والموسيقي والفلامنكو والموشحات.ولم يقف عند هذا الحد، فقد أدخل التقليعات وقصات الشعر والملابس المبتكرة وأنواع الطعام وآداب المائدة هو من أدخل نظام الثلاث وجبات ثم تقديم الشوربة اولا والطبق الرئيسي ثم التحلية.وبالمناسبة (زرياب) هو من أدخل فرشة الاسنان الي اوربا. وقد عرف السودانيون أسمه من التيجاني يوسف بشير وسيد خليفه في: (انشودة الجن) ومع اسماعيل عبدالمعين في فرقة البساتين في شخص شاب مبدع يحمل نفس الاسم.

اعتذر لأنني اقحمته في الشأن السوداني واستعرت أسمه وهو الفنان البديع لكي أصف ما يدور في الجمهورية التي يحكمها حزب الجراد.ليتها صارت جمهوريتك وعطرتها مثل(قرطبة) بالغناء والموسيقي، لأنك تريد رقي الذوق وانسنة المسلم ومنافسة اوربا.ولكن( الجراد) حوّل ليالي الخرطوم الي ديسكو يومي يغلب عليه (الكيتش) إذ تجد علي خشبة المسرح:فنانة وشاعر عجوز ووزير وظرف منتفخ ومذيع لامع الاوداج يثكل.
نحن نحب الفن والبهجة والفرح،ولكنهم يوظفون الفن للغيبوبة وكأفيون للشعوب.وهذا التزامن مع الانفصال والازمة الاقتصادية وعدوى الانتفاضات الشعبية،لليالي واماسي المدن والتي يقودها نفس الذين أحرقوا أو أوقفوا:القبلة السكرى، والوكر المهجور، وانشودة الجن.وهذه الاجواء الغنائية مع الجرح النازف في الجنوب ودارفور، ومع دم الاغتصاب، والسل الذي يبصق دما في الشرق، يظهر غلاظة وجلافة وقساوة أكباد هؤلاء القوم.

الفن أداة لديهم للتمكين وتقوية الاستبداد،لذلك لا وجود للجديد.بل بعث لما يسمونه أغاني:الحماسة،وكأننا نعيد أيام العرب أو داحس والغبراء أو موسي ود جلي ويوسف سنينات.وبالمناسبة،هذه الاغاني كان مكانها زمن جاهلية السودان:الانادي،بعد ان تكمل المريسة وتنزل الراية.

هل كان السودان في حاجة لحركة اسلامية؟

تبادر الي ذهني فور الفراغ من قراءة تفاصيل قضية اغتصاب الفتاة الناشطة سياسيا صفية إسحاق، سؤال قلق يلازمني باستمرار في حالات مشابهة،وهو:
هل كان السودان أصلا في حاجة الي وجود أو قيام حركة إسلامية أيّا كان اسمها؟ وماذا أضاف وجود هذه الحركة لتطور السودان السياسي والفكري؟وهل ساهمت الحركة في نهضة إسلامية وفي تجديد الفكر الاسلامي؟وماهي الاضافة والمساهمة التي نجدها في الكتب التي ألفها أعضاؤها ،والاجتهادات والنظريات أو الافكار الجديدة التي ترجع الي منتسبيها؟ما هو مردود هذه السنوات علي الوطن والدين أم كله مجرد حصاد هشيم بل مضاعفة معاناة لهذا الشعب العظيم؟هل ساهمت الحركة الاسلامية في دعم الوحدة الوطنية وتعايش الثقافات أم سارعت بسبب السياسات الخاطئة وغياب الرؤية،في انفصال جنوب السودان؟أين هو الإحياء أو التجديد الديني أو البعث والإصلاح؟ هل انتجت لنا محمد عبده أو الافغاني أو خير الدين التونسي أو الطاهر عاشور أو المودودي أو النورسي أو محمد اقبال؟اكتفت الحركة رغم ضجيحها وعمرها الطويل بمفكر واحد مثل الطيب صالح في الرواية! وهو الآن في غياهب السجن الانفرادي وجرده الجراد بعد المفاصلة عام1999 عن كل فضيلة بما فيها الفكر. فقد قال البشير في لقاء جماهيري،أن الترابي “ظل عمره كله يغش ويخدع الناس ويدعو الي تطبيق الشريعة الاسلامية،ولكنه لا يريد الشريعة،لأنه أحلّ الخمر وفتح البارات في الخرطوم بعد ما اغلقها الرئيس السابق جعفر النميري العام1983″،في اشارة الي اقتراح الترابي تطبيق القانون في العاصمة علي أساس شخصي،نظرا الي تعدد ساكنيها”.وقال في لهجة غاضبة : “الترابي كان شيخنا وزعيمنا،لكنه خدعنا فتخلينا عنه.أنه رجل منافق وكذاب ضد الدين ويسعي الي الفتنة ةيحرض المسلمين علي قتل بعضهم في دارفور”.(الحياة 4/4/2004).

استولوا علي السلطة، ووعدوا بدولة يقول عنها أحمد ابراهيم الطاهر( رئيس المجلس البرلمان):”حركة التشريع القائمة الآن في البلاد حركة هادفة داعية،تستمد قوتها من سمو للاهداف التي تسير الدولة،فالدولة ليست دولة أفراد أو دولة حزب انما دولة رسالة وحاملة حضارة شاملة”.(1995:64) ويضيف: “المجتمع فهو مجتمع رباني عابد عادل مشحون بالقيم الاخلاقية العالية،إذ هي ضمانته الكبرى للبقاء والنماء”.(ص90)ولكن هذه المدينة الفاضلة بدأت ببيوت الأشباح وانتهت باغتصاب الناشطة صفية اسحاق داخل مقار أجهزة رسمية.فهل كان هذا المشروع الحضاري الاسلاموي يستحق أن تبذل من أجله كل هذه الارواح في الجنوب ودارفور والشرق ومعارضي السدود؟وأن يهان بسببه كل هولاء المواطنين في بيوت الاشباح والمعتقلات ومعسكرات التدريب التي اغتيل فيها غسان أحمد الامين هارون ومعسكر العيلفون؟ وأن تستنزف أموال تطعيم الاطفال ضد الشلل ومكافحة الملاريا من أجل الدعاية والترويج للمشروع لدرجة أن يؤسس منها أحد الاسلامويين التوانسة قناة فضائية من أموال اليتامي-ياله من سفه؟

في حوار صحفي مع عبدالرحيم علي رئيس مجلس الشوري،سئل:هل يمكن أن تقوم حركة في بداية القرن الحادي والعشرين علي نمط حركة في منتصف القرن العشرين؟ اذا وضعت السؤال بهذه الطريقة الاجابة(لا)،اما إذا سألتني هل يمكن تحقيق أو استعادة بعض ميزات الحركة التي كانت تتميز بها في أوائل عهدها،فهذا ممكن.هذا ما يسمي بالتجديد في الحركات الاسلامية.(….) الكاريزما في بدايتها تكون قوية ثم تصبح كما يسميها رجال الاجتماع روتينا(…) تنقص روح الحماس في الكاريزما ولكن تكتسب أشياء أخري منها المؤسسية والاستقرار ووضوح المناهج (…) لكن الشعور بأنك فقدت أشياء عزيزة أيضا يولد رغبة في استعادة بعض الأشياء القديمة.هذا يحدث مع التجديد(…)وأشواق كثير من الشباب تحملهم الي حركات أخري،حركات صوفية مثلا.”(الرأى العام17/11/2002)
هذه الاجابة ذات دلالات عميقة،فهناك ظاهرة لم ترصدها الحركة
الاسلامية جيدا وهي توجه قوي واندفاع كبير من الشباب نحو الطرق الصوفية الجديدة والمتجددة.وهذا ينفي الادعاء التاريخي الذي بنت عليه الحركة الاسلامية كثيرا من مبررات وجودها كبديل وكحركة تصر علي صفة “حديثة”.تدفق الشباب أو عودته للتصوف،يؤكد لديّ أكثر من حقيقة.أولها أن وجود الحركة الاسلامية لم يكن ضرورة تاريخية ونتيجة تطور طبيعي.فقد كانت اصطناعية ووليدة عملية قيصرية.ثانيها العودة دليل علي فطرة وبساطة تدين الطرق الصوفية وملائمتها للواقع السوداني.ورغم احتقار أعضاء الحركة المتعلمين”الحداثين” لممارسات المتصوفة وتفكيرهم؛فقد عادوا الي تملقهم سياسيا.وخصصت لهم أمانة”الذكر والذاكرين”في المؤتمر الوطني،كما لا تنقطع زيارات الرئيس ونائبه لهم في قراهم وقبابهم.

لم تكن الحركة الاسلامية المعاصرة نتيجة اصلاح وتجديد قامت به الجماهير الريفية والبدوية ملتفة حول شخصية كارزمية،صاحبة شعار بسيط،هو:أن يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. فقد كانت المهدية – الحركة الاسلامية الاولي حركة شعبية قواها الاجتماعية الفقراء والفلاحين والرعاة وصغار التجار والحرفيين(صناع المراكب والسواقي،والنسّاجين).ولكن الحركة الاسلامية الحالية هي صناعة صفوة أو أفندية،هندست في الجامعات والمدارس الثانوية بقصد محاربة الشيوعية وليس محاربة الفقر والجهل والمرض ،وهي شعارات الحركة الوطنية في نفس فترة نشأة الحركة الاسلامية والتي كانت مشغولة فقط بهزيمة الشيوعيين وابعادهم من اتحاد الجامعة.
ويصف أحد مؤرخي الحركة النشأة والبدايات عقب الصدمة التي ولدتها الهجرة الي المدينة والتعرض للتعليم الغربي الحديث، يقول:”إنها حياة جديدة بكل المقاييس،ولكن أين أصالة المجتمع السوداني وقيمه وموروثاته الرفيعة في هذا المجتمع الجديد؟أين تعاليم الإسلام وأنماطه السلوكية التي يتلقاها الطفل في بيئته منذ نعومة أظافره؟هكذا أخذ الفتية يفكرون ويتساءلون.ثم جاءت الطامة عندما خبروا طبيعة المناخ السياسي في أروقة اتحاد طلاب الكلية الجامعية.كان الاتحاد في قبضة الشيوعيين الذين أشاعوا جوا من الإرهاب الفكري والسياسي بين الطلاب…واستغلت الحرية الجامعية لممارسة أنماط من السلوك لا يرتضيها الخلق والعرف والدين وأخذت الأصوات المعارضة تهمس بالامتعاض والإنكار لما تري ولكن المعارضة كانت سالبة.”(عبدالقادر،ص65).

ويسرد الكاتب نشأة الحركة التي كانت عفوية تماما من خلال قصة الطالب بابكر كرار حين قال لزميل دراسته محمد يوسف محمد:” لم لا نفكر في إحياء الفكرة التي نقلها إلينا أستاذنا الصائم محمد إبراهيم،عندما زارنا في حنتوب عام1948″.(ص65)والفكرة كانت امتدادا لمبادئ جبهة الهرم التي أسسها في مصر بهدف:”حماية الطلاب السودانيين في مصر من خطر الشيوعية وحثهم علي الانصراف للدراسة والتمسك بأخلاقهم وقيمهم الحميدة”.(هامش صفحة65).ودعاهم الصائم الي استقطاب “العناصر الخيرة من بين الطلاب لمواجهة هذا النشاط الشيوعي الهدام علي أساس من قيم الإسلام وتعاليمه”.ويقول ان الفكرة سرت بين الكثيرين،فحددوا موعدا للقاء(خلال مارس1949)في الميدان الغربي بجامعة الخرطوم.

ودار نقاش طويل انتهي بقرار بناء حركة إسلامية”تتصدي للهجمة الشيوعية ومقاومة الاستعمار سعيا نحو مجتمع فاضل علي أسس تعاليم الإسلام وقيمه.”وفرض الظرف علي المشاركين أي صعود الحركة الوطنية،أن تكون”حركة تحرير إسلامي”.ويؤكد الكاتب أن المؤسسين لم تكن لديهم أي ايديولوجية،يقول:”ولم تكن في أذهانهم وقتئذ رؤية واضحة لعمل هذه الحركة:من أين تبدأ وماذا تفعل؟ ولكن حسبهم الاستعانة بالله وصدق التوجه وعزيمة الشباب”. (ص66).

و يقدم الشيخ حسن الترابي بمسرحته-كتابة وخطابة-وصفا للمرحلة السابقة لقيام الحركة الاسلامية.فقد قسم النخبة السودانية إلي تيارات،هي:الوطني،الليبرالي القومي والشيوعي؛وجميعها نتيجة مؤامرة أو تكييف خارجي.ويكتب الشيخ:” ونشط اليهود في نشر الشيوعية في الشرق الأوسط كما نشط النصاري في نشر القومية.وكان نصيب السودان بالطبع من كسب اليهود المصريين الذين استمالوا طائفة من الشباب السوداني للشيوعية،ولقي هؤلاء رعاية من عناصر غربية وسوفيتية،وصادفوا فراغا عقديا في الحركة الوطنية في البيئة الطلابية،فتمكنوا بيسر في قيادة الطلاب، وتسللوا لمواقع نقابية في العمال والزراع والعاملين،وسبقوا في مجال الصحافة والتحرك السياسي،فكان لهم صوت مقدر في الحياة العامة”.(1992:19).
وبالطريقة التبسيطية التي لا تحترم العقل،يحاول (الترابي)أن يقلب الصراع الايديولوجي إلي آخر ديني: اليهود خلف الشيوعية والنصاري خلف القومية.لذلك، حين يضرب طالب اسلاموي، شيوعيا أو قوميا بسيخة ؛فهو في الحقيقة قد ضرب يهوديا أو نصرانيا.

فالحركة ذات نشأة غير صحية لأنها قائمة علي النفي والسلب أي أنها في البداية قامت ضد كذا ولم تحدد مع ماذا؟فقد جاءت دعوتها الهلامية للدستور الاسلامي لاحقا.وسيطرت فوبيا الشيوعية أو الشيوعيوفوبيا، علي عملها وفكرها؛مما جعل منها حركة دفاع عن الذات فاقدة للمبادرة وتكتفي برد الفعل فقط.وقد اخترع الافندية ذوي الاصول الريفية(في الغالب)هذا الجهاز والذي احتاروا في تسميته في البداية،ومالوا الي اسم الاخوان المسلمين ثم فضلوا اسم الجبهة الفضفاض بتنويعاته المختلفة.ماهي مهمة أو وظيفةالجهاز الاساسية؟وقف المد الشيوعي في الداخل والتحصن ضد مفاسد الحضارة القادمة من الخارج أو التي قد يحتكون بها لو اوجدتهم الظروف في الخارج.ظلت الحركة مجرد رد فعل ولذلك لم تبدع فكريا ،وبقيت نشطة سياسيا وخامدة وخاوية فكريا ونظريا.

كان أول بيان أصدرته الحركة عام1949 الي مدرسة حنتوب الثانوية وانضم طلاب إليها باعتبارها حركة تحرير إسلامي لها أهدافها ومنهجها الذي لا يتعين-بالضرورة- أن يتفق مع منهج حركة الإخوان االمسلمين”.(عبدالقادر،ص77).ويضيف إن منهم من دعي إلي الانضمام إلي حركة إسلامية إصلاحية لا يعرف اسمها للاستزادة من فهمه للإسلام،وبعضهم اعجبته كتابات سيد قطب.ولم يكن هناك أي اهتمام بدلالات اسم الحركة ولم ينشغلوا بمسألة الاصالة او التبعية. وقد كانت الاولوية مختلفة وبعيدة عن مشاغل الفكر وتعقيداتها،وقد لازم هذا العوار الحركة حتي اليوم.ويقر أحد كتابهم:” وكانت القضايا التي استأثرت باهتمام قادة الحركة آنذاك تتمثل في كسب المزيد من تأييد الطلاب واستيعابهم في صفوفها وهذا يعني ممارسة نوع من النشاط السياسي الذي تمرست به الحركة الشيوعية كالتصدي لقيادة الإضرابات والدفاع عن قضايا الطلاب والتجاوب مع الحركة الوطنية في صراعها مع إدارة الاحتلال البريطاني”.

(المرجع السابق،ص78).من الواضح أننا لسنا أمام حركة بعث وتجديد ديني،لذلك لم تقدم للسودان أي اضافات ومساهمات فكرية يعتد بها،رغم صوتها العالي وتمجيدها لذاتها.
مع نهاية المؤتمر دشن السودان غير المحظوظ ميلاد حركة إسلامية محافظة ورجعية،حصرت كل مشكلات البلاد في محاربة الشيوعية والدستور الاسلامي.ولم تكن التنمية والتقدم الاقتصادي والرفاهية والعدالة الاجتماعية التي ركز عليها اسلاميون مثل سيد قطب.ولم تهتم بالوحدة الوطنية والتنوع الثقافي وبالتالي قضية الجنوب والاقاليم المهمشة مثل دارفور والتي تبنوا الآن قضيتها بقصد المكايدة السياسية-وفق لغتهم-وليس مبدئيا.ولم يطوروا فكرو الديمقراطية في السياق السوداني ولم يدافعوا حتي ولو شكليا لذلك لم يوقعوا علي ميثاق الدفاع عن الديمقراطية عقب الانتفاضة.وبعد انقلابهم ظلوا يحاولون تأكيد أن الديمقراطية غير صالحة للسودان أو أن السودانيين غير مؤهلين لممارسة الديمقراطية.وهكذا كان للسودان قدر انتاج حركة اسلاموية جلبت له كل الكوارث التي يعاني منها الآن.
رغم أن قرارات مؤتمر العيد اشارت الي بعض الاهداف السابقة، ولكن في تعميم يفقدها اي مضمون.ففي البند(5)نقرأ:”تحرير السودان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا علي أساس المبادئ الإسلامية والمشاركة في بناء المجتمع العالمي الإسلامي”.تصور خيالي أن يشارك السودان الفقير الجائع المثقل بالامية والجوع والمرض في بناء مجتمع إسلامي عالمي.ولكن هذا المساهمة لن تكن اقتصادية واجتماعية وسياسية بل تشريعية وفقهية ودستورية.فقد اسرع (الإخوان المسلمون) في اطلاق مبادرة الدستور،وذلك بتكوين(جبهة الدستور الإسلامي).وكان هذا عمل في توظيف ما تسميه: الواجهات.
فهم يقومون بتأسيس منظمات أو هئيات،بدعوى أنها مستقلة ولكنها في حقيقتها معبرة عن افكارهم وامتداد لبرنامجهم.فالإخوان يهيمون علي المواقع المفصلية، ويمررون ورقة العمل أو الخطة والأهداف المتضمنة لروح أفكارهم.فقد عقد إجتماع تأسيسي للجبهة في العاشر والحادي عشر من ديسمبر1955وحضرته أغلب الهئيات ذات الطابع الديني أو ترفع شعارات دينية.وقد التف (الاخوان المسلمون)حول احتمال تحفظ الحزبين الكبيرين.ولذا تمت دعوة اتحادات الختمية وليس الحزب الوطني الاتحادي وهيئات شؤون الانصار وليس حزب الامة.ولم تنج المقار من خطط الواجهات فقد كان نادي ام درمان الثقافي(كاد ان يصبح بمثابة المركز العام)ودار جماعة التبشير الاسلامي حيث عقد الاجتماع التأسيسي.ويكتب احدهم عن هذا الاختراق كسلوك عادي:” واختير الاخ عمر بخيت سكرتيرا للجبهة الإسلامية للدستور،وقد كان عمر مساعدا للأخ الرشيد في المكتب الاداري حينذاك،ومما لاشك فيه أن مجالات الحركة في الجبهة كلها كان يقوم بها الشباب الإخوان وانها كانت جزءا من عملهم اليومي المطلوب انجازه ووفق خططهم”.(أزرق،ص19).
كانت تلك اللحظة بداية انفصال جنوب السودان،فقد تجاهلت(جبهة الدستور الاسلامي)تماما أن ثلث السكان في البلاد من غير المسلمين.وتقول مذكرة قاضى القضاة،حسن مدثر،عن مشروع الدستور الاسلامي:”ولاشك أن قطرا إسلاميا كالسودان قد قام نظام جماعته علي العادات العربية والنظم الإسلامية وتقوم عقائد أكثر سكانه علي الإسلام فالضرورة والواجب تحتمان في بلد مثل هذا أن تسن أسس دستوره العامة من قواعد الإسلام.”(في عبدالقادر،ص196).ومن الواضح أن(الأخوان المسلمين)قد فرضوا هوية للسودان تقوم علي ثقافة الأغلبية علي حساب الثقافات الاخري.وتربط المذكرة الاسلام والعادات العربية نافية اسلام الافارقة.وبينما انشغل السودانيون بمهام ما بعد الاستقلال،شغلهم (الاخوان المسلمون)بالدستور الاسلامي،وعكسوا أولويات دولة حديثة الاستقلال.

المراجع

-حسن الترابي:الحركة الإسلامية في السودان..التطور-الكسب، المنهج.الخرطوم،1992.
– حسن مكي: حركة الأخوان المسلمين في السودان1944-1060.الخرطوم،دار البلد،1998.
– حسن مكي: الحركة الإسلامية في السودان1969-1985.تاريخها وخطابها السياسيي.الخرطوم،الدار السودانية ،الطبعة اثانية،1999.
– خالد موسى دفع الله:فقه الولاء الحركي-ملامح من التجربةالسودانية.الخرطوم،
مطبوعات الحركة الاسلامية الطلابية،1995.
-الإسلام في السودان.جماعي.الخرطوم،دار الاصالة،1987.
– محمد الخير عبد القادر:نشأة الحركة الاسلامية الحديثة في السودان،1946-1956.
الخرطوم،الدار السودانية للكتب،1999.
-عيسى مكي عثمان أزرق:من تأريخ الأخوان المسلمين في السودان1953-1980.
الخرطوم،دار البلد(ب.ت.)
د. حيدر ابراهيم علي
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *