د. سلمان محمد أحمد سلمان
1
كانت قضيةُ جنوب السودان، وفشلُ الحلِّ العسكري وبرنامج الدمج الثقافي للجنوب الذي تنبنّاه نظام الفريق إبراهيم عبود، المربعَ الذي التقت فيه القوى السياسية الشمالية، ونقطةَ الضعف التي استطاعت هذه القوى توظيفها لتصعيد المواجهة ضد نظام الفريق عبود. فقد أصدرت الأحزاب السياسية والاتحادات الطلابية البيانات والمذكرات المندّدة بطريقة التعامل مع قضية الجنوب. ثم تمّ عقد ندوة جامعة الخرطوم حول قضية الجنوب والتي كانت الشرارةَ التي أشعلت ثورة أكتوبر الشعبية العفوية.
ولكن كما سنوضّح في هذا المقال فقد اختفت قضية الجنو
ب بسرعة البرق من لائحة وبرنامج ثورة وثوار أكتوبر وقادتهم. بل إن القتل والموت والدمار الذي كان سمةَ التعامل مع قضية الجنوب أثناء فترة حكم الفريق عبود تواصل وزادت حدته بصورةٍ كبيرة، وأكثر عنفاً وشراسةً، بعد ثورة أكتوبر مباشرةً.
كما أن الأحزاب الشمالية أضاعت في غطرسةٍ واستبداد الفرصة التاريخية لحل مشكلة الجنوب والسودان خلال مؤتمر المائدة المستديرة الذي اقترحه ودعا إليه حزب سانو الجنوبي، وطالب فيه بالنظام الفيدرالي. فقد رفضت جميع الأحزاب الشمالية، بلا استثناء، مطلب الفيدرالية خلال ذلك المؤتمر.
2
شملت مهام الفريق إبراهيم عبود، إثر استيلائه على السلطة في 17 نوفمبر عام 1958، بتوجيه رئيس الوزراء وقتها السيد عبد الله خليل، مهام وزارة الدفاع، بالإضافة إلى رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء. وأعلنت الحكومة الجديدة بعد أيام قلائل من الانقلاب أن جنوب السودان في حالة تمرّدٍ على القانون والنظام، وأن الردَّ الوحيد والمناسب لهذا التمرد هو الحسم العسكري. تمّ تعيين حاكمٍ عسكريٍ لكلٍ من المديريات التسعة في السودان. لكنّ حكام المديريات الجنوبية الثلاثة مُنِحوا كافة الصلاحيات العسكرية التي يحتاجونها لدحر التمرد.
بدأت مباشرةً بعد الانقلاب حملاتٌ عسكريةٌ مكثّفةٌ في كل مناطق الجنوب التي يشتبه وجود متمردين فيها، نتجت عنها البداية الحقيقية للقتل والموت والدمار التي ستسود جنوب السودان منذ ذلك التاريخ. وصاحبت تلك الحملات اعتقالاتٌ واسعة شملت سياسيين وسلاطين وأكاديميين وطلاب مدارس. أعقبت تلك الحملات محاكماتٌ ايجازية أصدرت أحكاماً بالسجن لسنواتٍ طويلة لعددٍ كبير من المعتقلين. وكان ضمن من تمت محاكمتهم وإدانتهم وسجنهم لسنواتٍ طويلة عددٌ من السياسيين والأكاديميين والطلاب الذين كانت جريمتهم المطالبة السلمية بالنظام الفيدرالي لجنوب السودان.
3
ورغم أن حكومة الفريق عبود لم تتبنّى نظام الإسلام السياسي كفلسفةٍ لحكم البلاد، أو تصدر قوانين إسلامية، إلا أنها تحرّكت بسرعةٍ، وسذاجةٍ، في اتجاه أسلمة وتعريب جنوب السودان، باعتبار أن المشكلة هي قضية تكاملٍ ثقافيٍ بين شطري البلاد، سوف يحلّها اعتناق الجنوبيين للديانة الإسلامية وتحدثهم اللغة العربية. وقد قرّر النظام الجديد في الخرطوم فرض الاثنين – الإسلام واللغة العربية – بالقوة في جنوب البلاد كحلٍ طويل المدى لمشكلة الجنوب. من هنا أخذ الحل العسكري في الجنوب بُعداً إسلامياً عربياً حتى مع غياب أي ادعاء أو مناداةٍ بدولةٍ إسلاميةٍ في الشمال.
ولتطبيق هذا التوجّه والدمج الإسلامي العربي فقد أصدرت الحكومة قراراً بأن تحلَّ اللغةُ العربية مكان اللغة الإنجليزية واللغات المحلية في الجنوب، وأن تكون اللغة العربية هي لغة التدريس في المدارس ولغة التعامل في المكاتب. نتج عن هذا القرار إبعاد الموظفين والمدرسين الجنوبيين الذين لم يكونوا يتحدثون اللغة العربية.
ثم قامت الحكومة بطرد كل المنظمات الكنسية والتبشيرية والبالغ عددها أكثر من 300 منظمة من الجنوب، وإغلاق الكنائس والمدارس التابعة لها. وصدر في عام 1962 قانون الجمعيات التبشيرية والذي يتطلّب من كل جمعية الحصول على إذنٍ قبل ممارسة أي نوعٍ من النشاط في جنوب السودان.
وقد تقرّر أيضاً أن تكون عطلة نهاية الأسبوع هي يوم الجمعة بدلاً من يوم الأحد الذي كان العطلة منذ دخول الحكم الثنائي جنوب السودان. كما بدأت الحكومة في مشروعٍ عبثيٍ متكاملٍ لإرغام الجنوبيين على تغيير أسمائهم المسيحية والمحلية بأسماء عربية إسلامية، وفي فتح المساجد (مع إغلاق الكنائس) وتدريس المواد الإسلامية. وقد تمّ تطبيق هذه الإجراءات بقوة السلاح التي منحتها الحكومة، بدون قيود أو ضوابط، لحكام الجنوب العسكريين الجدد. وهكذا تزامن التصعيد العسكري لهزيمة التمرد مع تصعيد تطبيق برنامج الدمج الثقافي بفرض اللغة العربية والديانة الإسلامية في كل أنحاء جنوب السودان بنفس قوة السلاح.
4
عليه فقد أصبح الدمج الثقافي، وبقوة البندقية، وسياسة الأرض المحروقة هما برنامج نظام الفريق عبود لحلِّ قضية الجنوب. وقد أفصح اللواء حسن بشير نصر، الرجل الأكثر قوّةً في نظام الفريق عبود، عن سياسة الأرض المحروقة تلك عندما صرّح: “إذا كان لا بُدَّ مما ليس فيه بُدٌّ فستُضرم الحرائق في النبات والشجر والإنسان في الجنوب، ولن يبقى في تلك الأرجاء ديار، ولن تقوم بعدها لعقارب الأنيانيا السامة قائمة.” من المؤكّد أن تلك التصريحات لم تكن جوفاء، وقد وضح لاحقاً أن القيادات العسكرية في المديريات الجنوبية الثلاثة، بصلاحياتها الجديدة غير المحدودة، قد طبّقتها على أرض وإنسان وشجر الجنوب.
5
غير أنه لا بُدَّ من التذكير أن لكل فعلٍ نتائجه، طال الزمن أم قصر. والجيوش النظامية مهما كانت قوتها وعزيمتها، لن تقوى على حروب العصابات، خصوصاً عندما تندلع تلك الحروب في الأحراش والغابات التي لا تدري عنها تلك الجيوش شيئاً. لهذه الأسباب فقد بدأت الخسائر البشرية في أوساط الجيش السوداني تزداد بانتظام. وبدأت أخبار الموت في حرب الجنوب تدقُّ أبواب بيوت الأسر في الشمال بازدياد.
وقد كانت ردّة فعل حكومة الفريق عبود هي الحظر التام لتناول قضية الجنوب في المجال العام باعتبار أن تلك القضية تمسُّ الأمن القومي وسيادة البلاد وهيبة السلطة. وأصبح الحديث عن مشكلة الجنوب والكتابة عنها ومناقشتها جريمةً يعاقب عليها القانون.
عليه فقد أصبح الموت وسط الضباط والجنود الشماليين في حرب الجنوب، والتكتّم عليه، العوامل الرئيسية التي دفعت بقضية الجنوب إلى واجهة الاهتمامات الشعبية والحزبية، وأشعلت شرارة ثورة أكتوبر. وقد تعالت هتافات المتظاهرين تطالب بحلٍ عاجلٍ لمشكلة الجنوب.
6
ولكن رغم الاهتمام الذي أولاه المتظاهرون لقضية الجنوب، إلا أن التطورات المتلاحقة أوضحت بجلاء خذلانَ قادة ثورة أكتوبر لذلك المطلب خذلاناً كبيراً ومبكراً، وفشلَ قواعد الثوار في فرض ذلك المطلب على قيادات الثورة.
فقد اتفّق قادة الأحزاب والنقابات والاتحادات التي قادت ثورة أكتوبر، والتي سمّت نفسها “جبهة الهيئات”، على وثيقةٍ سموها “الميثاق الوطني” يوم 27 أكتوبر عام 1964، تضمّنت خارطة طريق لعودة الديمقراطية، شملت إلغاء الأحكام العرفية وعودة جميع الحريات التي صادرها نظام الفريق عبود.
تضمنت قائمةُ الموقّعين على الميثاق الوطني 28 من القيادات الحزبية والنقابية في السودان. غير أن تلك القائمة لم تشمل قيادياً واحداً من جنوب السودان، رغم وجود عددٍ من السياسيين والأكاديميين الجنوبيين في الخرطوم وقتها. كان ذلك خللاً كبيراً في تكوين جبهة الهيئات التي كان يفترض أن تكون قومية التكوين، وأن تشمل بعض قادة الجنوب الذين قامت الثورة – فيما قامت – من أجل حلِّ قضيتهم. ولكن لا يبدو أن أحداً من القيادات الشمالية قد حاول معالجة ذلك الخلل، لأنه تناسق مع التجاهلات الكثيرة السابقة لأبناء الجنوب، هذا بالطبع إذا كان أحدٌ من تلك القيادات الشمالية قد فطن إلى ذلك الخلل. وبالطبع أيضاً إذا افترضنا أن ذلك الخلل لم يكن متعمّدا.
وقد شملت قائمة الأحزاب والجهات المُوقّعة على الميثاق الوطني: الأنصار، الحزب الوطني الاتحادي، الختمية، الأخوان المسلمون، الشيوعيون، التجار، والجبهة القومية المهنية، ولم يكن بينها تنظيمٌ جنوبيٌ واحد. كما لم تشمل أيٌ من قوائم الأحزاب جنوبياً واحداً رغم إدعاء تلك الأحزاب أنها قومية التكوين.
7
لكن جبهة الهيئات أضافت خللاً أكبر وأخطر لذلك الخلل الكبير. فالميثاق الوطني نفسه لم يتضمّن أيّة فقرةٍ عن مشكلة الجنوب، رغم الاعتقاد الكبير والعام (الخاطئ) بشمولية القضايا التي تناولها الميثاق. وقد حدّد الميثاق الوطني نفسه أهمية أهدافه حين أعلن في الفقرة الأولى منه “تدعو الجبهة القومية الموحدة جماهير الشعب إلى الالتفاف حول هذه الأهداف والتمسك بها كميثاق وطني.” وقد تضمّنت تلك الأهداف إزالة الوضع العسكري القائم، وقيام حكومة انتقالية تمثل هيئات الشعب المختلفة، وتكون مهامها إطلاق الحريات العامة، إلغاء جميع القوانين المقيد للحريات، إدارة البلاد وإعدادها لوضعٍ ديمقراطيٍ في فترةٍ لا تتجاوز آخر فبراير عام 1965، إطلاق سراح المحبوسين السياسيين، واتخاذ سياسة خارجية ضد الاستعمار والأحلاف.
كان صمتُ الميثاق الوطني عن مشكلة الجنوب وفشلُ الموقعين عليه في تضمين أية فقرة عن المشكلة مدهشاً ومحيراً. فإذا كانت مشكلة الجنوب هي السبب الرئيسي لثورة أكتوبر في رأي قادتها وقواعدهم، فكيف يمكن تفسير عدم ورود فقرةٍ واحدة في الميثاق الوطني عن قضيةٍ مصيرية، وبتلك الأهمية؟
8
وهكذا تكوّنت جبهة الهيئات ولم تشمل قيادياً جنوبياً واحداً. ثم صدر الميثاق الوطني متضمناً أهداف ثورة أكتوبر، غير أنه لم يشمل فقرةً واحدة عن مشكلة الجنوب التي كانت الشرارة التي أشعلت الثورة. وقد مثّل هذان الخللان الكبيران والمبكران البداية الحقيقة لخذلان ثورة أكتوبر وقادتها وميثاقها لأهم وأكبر قضية قومية كان السودان يواجهها، والتي كانت المصدر الذي انطلقت منه الثورة.
9
وقد تناسقت الأقوال والأفعال اللاحقة لقيادات ثورة أكتوبر والأحزاب السياسية الشمالية مع هذين الخللين. لم يدر أيُّ نقاشٍ، ولم يصدر أيُّ بيانٍ عن وقفٍ لإطلاق النار في جنوب السودان ووقف القتل والدمار هناك. ولم يصدر تصريحٌ أو اقتراحٌ واحدٌ من أية جهة عن التفاوض مع المحاربين الجنوبيين، وعن وحدة الصف الشمالي والجنوبي، ووقف القتل والدمار.
بل على العكس، فقد تصاعد القتال والموت والدمار في جنوب السودان. وارتكبت حكومة السيد محمد أحمد محجوب بعد ثمانية أشهر من ثورة أكتوبر مجزرتي جوبا وواو اللتين راح ضحيتهما أكثر من خمسمائة من أبناء وبنات وأطفال وشيوخ ونساء الجنوب. وقد وثّق القاضي عبد المجيد إمام، أحد قادة ثورة أكتوبر، هاتين المجزرتين البشعتين عندما ذكر في حكمه في قضية صحيفة اليقظة: “إن الحكومة التي تمارس أفعال بطشٍ كهذه تخالف أحكام القانون وتجافي قواعد الإنسانية لهي حكومةٌ جديرةٌ بالاحتقار، وإن كل مواطنٍ يواجهها بذلك يتوجّب حمايته وافتراض أن قصده كان إزالة هذه التصرفات غير القانونية أو الإنسانية. وأن أي حكمٍ غير هذا سيحبط نص وروح القانون ويجردهما من الجدوى.”
ثم جاءت حكومة السيد الصادق المهدي لتضيف مجزرة السلاطين الخمسة عشر، الذين تم قتلهم رمياً بالرصاص أمام أسرهم، إلى قائمة مجزرتي جوبا وواو، بعد أقل من عامٍ من وقوع تلك المجزرتين.
10
وقد عبّدت هذه التطورات الطريق لنسف مؤتمر المائدة المستديرة الذي جاءت فكرته من حزب سانو الجنوبي في رسالة رئيسه السيد ويليام دينق لرئيس الوزراء السيد سر الختم الخليفة بعد حوالي الأسبوعين من ثورة أكتوبر. كانت رسالته تلك رسالةً هادئة هنأ فيها الشعب السوداني وحكومته بثورة أكتوبر، وترحّم فيها على الشهداء الذين سقطوا في ميدانها. اقترحت الرسالة باحترامٍ كبير فكرة عقد مؤتمر مائدة مستديرة لمناقشة مشكلة الجنوب، ووضعت على طاولة التفاوض مقترح النظام الفيدرالي.
ولكن تم نسف مقترح الفيدرالية بواسطة نفس القوى التي تولت مقاليد السلطة بعد ثورة أكتوبر. فقد رفضت الأحزاب الشمالية جميعها مطلب النظام الفيدرالي الذي طالبت به تلك الرسالة، مدعيةً ومتفقةً “أن الوضع الفيدرالي ما هو إلّا خطوةٌ نحو الانفصال لأنه درجةٌ بعيدة المدى نحو تلاشي الحكومة المركزية، ولأنه نظامٌ ثبت تشجيعه للنعراتِ الإقليمية والعصبيّات المحليّة لا سيما وأنه في هذه الحالة يشكّل نزعةً إلى الابتعاد عن الوحدة، بعكس المعتاد في النظم الفيدرالية التي تقرّب بين مقاطعاتٍ أو دولٍ كانت مستقلّةً أو شبه مستقلّة، أو لم يكن بينها إلّا الرباط الاستعماري.”
من الواضح أن قادة الأحزاب الشمالية اختلط عليهم النظام الفيدرالي والنظام الكونفيدرالي.
ولم يتم نسف فكرة الفيدرالية وحدها، بل طال الاغتيال بواسطة عناصر في الجيش (كما أوضح تقرير القاضي دفع الله الرضي صديق) السيد ويليام دينق نفسه، داعية السلام والحل الفيدرالي.
11
كانت مشكلة الجنوب بالنسبة للأحزاب الطائفية والحركة الإسلامية في السودان هي قضية الإسلام ضد المسيحية والكنائس العالمية، وهي حربٌ لا يمكن وقفها قبل هزيمة الصليبيين واستسلامهم.
وكانت مشكلة الجنوب بالنسبة للشيوعيين واليساريين السودانيين هي حربٌ ضد الإمبريالية العالمية والاستعمار الحديث بكل أشكاله.
وكانت مشكلة الجنوب بالنسبة للقوميين والاشتراكيين العرب والناصريين في السودان هي الحرب ضد إسرائيل والعدو الصهيوني الذي تغلغل في جنوب السودان، والذي يجب هزيمته هناك.
كانت هذه الهتافات الجوفاء هي برامج الأحزاب السياسية الشمالية لحل مشكلة الجنوب. ولا مكان معها للحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المواطنة والوحدة الطوعية، حتى في إطار ثورة أكتوبر.
12
لكن نفس هذه الأحزاب، وتحت معظم نفس قياداتها، عادت لتعلن لجماهيرها وللشعب السوداني وللعالم، بعد ثلاثين عاماً من ثورة أكتوبر، أن شعب جنوب السودان له الحق الكامل في تقرير مصيره لأن حق تقرير المصير حقٌ إنساني وديمقراطي لكل شعوب العالم.
وصلت الأحزاب الشمالية جميعها لتلك القناعة بعد مقتل أكثر من مليوني سوداني جنوبي وشمالي في حربٍ عبثيةٍ طائشة، وبعد أن أضاعت نفس الأحزاب أكثر من نصف قرن من عمر الدولة السودانية، وبدّدت مئات المليارات من الدولارات التي كانت كافيةً لبناء المدارس والمستشفيات والطرق ومحطات المياه في كل أنحاء السودان.
رفضت الأحزاب الشمالية في غطرسةٍ وعنادٍ إعطاء الجنوب النظام الفيدرالي الذي كان غاية طموحه ومطالبه. ثم عادت واعترفت نفس الأحزاب، بعد ثلاثين عاماً، وتحت نفس القيادات، لشعب جنوب السودان بحق تقرير المصير.
13
وانفصل جنوب السودان، تحت مظلّة حق تقرير المصير، في سلاسةٍ بالغة أظهرت مقدرات قياداته العسكرية والتفاوضية العالية، وعلاقاتها الدولية المتميزة. وأظهر الانفصال أيضاً ضعف مقدرات القيادات الشمالية جمعاء، ومحدودية علاقاتها الإقليمية والدولية.
وأصبح السودانُ، حتى هذه اللحظة، الدولةَ الوحيدة في كل العالم التي انشطرت إلى دولتين في القرن الحادي والعشرين، بعد قرابة نصف قرنٍ من ثورة أكتوبر التي أشعلتها قضية جنوب السودان، حين طالب القادة الجنوبيون بالنظام الفيدرالي فقط.
حقاً لقد كان خذلان ثورة أكتوبر لقضية الجنوب مبكراً وكبيراً!
[email protected]
www.salmanmasalman.org