تقنية لإنهاء 'اللعبة'السودانية

تقنية لإنهاء ‘اللعبة’السودانية
محجوب حسين

 
التطبيقات الواضحة للبلاغة السياسية في صراع المجال السوداني تقول بأن الجميع السوداني يقترب من رسم النهايات وتكريس الحقيقة، نسبية كانت أم مطلقة إن شئت، وبالتالي ليس هو زمن ‘التحديات’ أو ‘الإنكسارات’ أو ‘المهددات’ أو ‘الإنتصارات’ جاءت وهمية أو صحيحة، حكومية أو جهوية، ويأتي هذا في ظل عبور سوداني ونعتقد أنه هو جماعي من غرفتي التحنيط والإنتظار السودانيتين والتي إستغرقت أكثر من نصف حوٌل، إلى غرفة المواجهة أو المواجهات وهذا البند يتطلب رص الصفوف للتمايز ومعرفة فريق التسجيل لممارسة اللعبة الأخيرة في الشأن السوداني مع موت مدراس التفكير أو التكفير الأيدولوجية، علما أن اللعبة بدأت منذ سنوات إستقلال السودان الأولي وإلى يومنا هذا، جربت فيها ومعها أغلب أنواع المضادات والجراحات إلا تلك الجراحة الإستئصالية والمعنية حصرا بالداء والتي غابت أو غيبت لشيء في نفسه ‘هو’ أو ‘نحن’، حيث كان من المتوقع أن تنهي معها متاهة الإنتظار السوداني منذ بواكير تاريخ السودان الحديث.
ولأجل وضع حد لتلكم المتاهة السودانيةالممتدة تاريخا وراهنا دعا الكاتب الفرنسي جيراردبروينز – وهو الخبير في الشأن السوداني – في مقالته الدقيقة والعميقة والتي نشرت في الأسبوع الأول من أيار/مايو الجاري إلى ‘إعطاء فرصة للحرب بين السودان وجنوب السودان بل وفي داخل السودان نفسه ‘معللا دعوته ‘بأن من شأن ذلك إيجاد حلول نهائية عبر القتال لا تتوفر في إتفاقيات السلام التي سرعان ما يتم نقضها تاركا آلافا من الأطفال والنساء يتضورون جوعا حتى الموت ‘مضيفا’ إنه لا يمكن الوثوق بحكومة البشير لأنها نقضت الإتفاقيات بشكل ممنهج على مدار السنين ولأنها وقعت عشرات المعاهدات ثم سرعان ما نقضتها ‘مشيرا’ إنه لمن المفارقة أن إندلاع حرب شاملة في السودان قد تكون الطريقة الفضلى لتقليل حجم الخسائر وأن الصراع المنخفض الحدة من شأنه أن يؤدي إلى كارثة إنسانية …..وأن حكومات الخرطوم إستغلت أغلب المجموعات السكانية منذ القرن التاسع عشر الميلادي … إلخ ‘
إذن نحن أمام إبتكار نوعي بل مواكب ومطلوب وبإلحاح لأنه مرتبط بصيرورة ترومتر الأزمة السودانية ومآلاتها، كما من جانب ثان هو تنفيذ جيد لسياسة حرق مراحل الحلول والقفز مباشرة للحل النهائي عبر كي الجرح السوداني بتقنية الحرب كظاهرة إنسانية تنجم عن صراع عنيف لإرادات مجتمعية أو جماعية، والتي تأخذ أشكالا ثقافية، إقتصادية، تاريخية، عرقية، جهوية، دينية، تنافسية……، حيث الغرض هو حل معضلة الصراع في تلك الجغرافيا، وفي الحالة السودانية ما دام الصراع ليس حول قيم سياسية ترتبط ببناء الدولة الحديثة بقدر ما هو صراع حول الدولة للإستئثار بماهية الدولة قصد فرض ‘أنا’ تلك الإرادة المجتمعية، فتم تشويه السياسي والإقتصادي والديني ومسخ الإجتماعي، ويأتي هذا التحليل العميق للكاتب الفرنسي بعد فشل العقل الداخلي الجمعي السوداني، والذي رفض توصيف الأزمة من جذورها الموضوعية وفضل أن يدور حولها دونما نتيجة أو قل يتستر عليها حتى وصلنا إلى عشرينة حكم الإنحراف، فيها الأزمة تمددت أفقيا وعموديا بل عمت وفي إنتشار كمي ونوعي لرسم أخير ونهائي لنهاية مشهد اللعبة السودانية، وهو المشهد الذي إلتقطه الخارج السياسي / الإعلامي قبل الداخلي، وبالتالي كشف فيه أن الصراع السوداني هو أقرب إلى مفهوم صراع حضارات سودانية ومجتمعية وإنسانية محلية ولا يمكن حسمها إلا عبر طريقتين في هذه المحطة، وهي التسوية التاريخية بين كتلتين سودانيتين أو آلية الحرب والتي تبقى خيارا واقعيا وموضوعيا وشرعيا في ظل رفض هذه التسوية وفي ظل ‘أنا’ الدولة الهجليجية السودانية وأدبها التعبوي في شريطه الأحادي مؤخرا والذي لا يشمل ولا يعني وليس ملزما للكل السوداني بقدر ما يعني الجزء الآخر السوداني كما أشار الكاتب جيرارد بروينز، لتنتصر في هذه الحال واحدة على الأخرى كشأن شكل الصراع بين دولتي السودان شمالا وجنوبا، حيث لا ينتهي إلا بنهاية واحدة إما الخرطوم أو جوبا مهما علا شأن الإتفاقات والمعاهدات وتدخلات مجتمع المصالح الدولي، حيث في الغالب الأعم تصل لحلول مؤقتة في شكل هدنة طويلة أو مؤقتة أو محددة وفقا لمؤشرات المصالح والحاجة ولكن ليس من صميم الإستراتيجيا النهائية لكلتيهما.
هكذا وبالنظر إلى التاريخ القريب والبعيد منه، نرى وبجلاء أن الرفوف السودانية السياسية صدئة من عرمرم التسويات والإتفاقيات والمساومات والترضيات والتنازلات والمعاهدات والعهود والمواثيق….. إلخ وهو ما أوضحه الكاتب جيرارند بروينز، لتبقى الحرب المعنونة والواضحة هي الخيار العقلاني للحل السوداني النهائي والذي يعبر عن تطلعات وآمال الشعوب السودانية ويبقى الحوار أو التفاوض في الشأن السوداني هو الإستثنائي والخيار اللاعقلاني شكلا وموضوعا بالنظر إلى التاريخ السوداني الراهن والحديث، فضلا عن كونها الطريقة الفضلى كما أشار الكاتب ‘لتقليل حجم الخسائر’وأن الصراع المنخفض الحدة كما نشاهده اليوم مثل حروبات هجليج أو دارفور أو جبال النوبة أو النيل الأزرق من شأنه أن يؤدي إلي كارثة إنسانية أعمق، ليظل خيار تجريب الحرب الأكثر حدة لإنهاء الأزمات السودانية هو المخرج السريع. إنه حراك تاريخ إجتماعي سوداني نشاز والتعاطي معه لا يمكن إلا أن يكون نشازا أيضا، وعلى العاملين في جزارات توظيف اللاهوت والعرق والوطن والوطنية لترقيع ماكنة السيطرة والقيادة، عليهم البحث عن قاموس مفاهيمي جديد غير الإرتزاق والخيانة والعمالة والأجنبي والكفر والإلحاد والوطنية والأمبريالية أو الإسرائيلية أو الأوغندية، كلها شاخت وباتت غير ذي معنى ولا دلالة وتنضم إلى تراكم فعل ‘المسخرة والشطارة ‘التاريخي، ما دام الجميع يمتلك شرعية البحث عن إنسانية بعيدا عنه أو معه وبشروط متساوية. ويبقى في الأخير رغم سوداوية الحل السوداني في إنتهاج تقنية الحرب الشديدة الحدة للفرز النهائي دون عقلية المع أو الضد، نقول هي العتبة الأولى في ظل ضمور ثقافة ‘الأمير’ السوداني وصحبه الكرام ومن ثم يمكن للمجتمع الجديد أن يلقى قفزة هائلة لعملية التحول الفكري والمنهجي للبناء الإقتصادي والإجتماعي في الجغرافيا المفترضة أو تلك المنقرضة.

 
‘ كاتب سوداني مقيم في لندن
نقلا عن القدس اللندنية

مستشار رئيس حركة العدل والمساواة السودانية للشئون الاعلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *