تفاؤل وحذر في تغطية الصحافة البريطانية والأميركية لاستفتاء الجنوب
الـ«تليغراف»: «مولد دولة فاشلة».. الـ«أوبزيرفر»: ولادة دولة جديدة أمر خطير دائما
واشنطن: محمد علي صالح لندن: «الشرق الأوسط»
حفلت الصحف البريطانية والأميركية، أمس، بالكثير من القضايا الدولية والإقليمية، ولكن هيمن على معظمهم استفتاء تقرير مصير جنوب السودان أمس؛ حيث أفردت الصحف البريطانية الصادرة أمس مساحة كبيرة لتغطية الاستفتاء، وحفلت صفحات الرأي والتقارير بالكثير من التغطيات بهذا الشأن. كما اهتم الإعلام الأميركي كثيرا بالاستفتاء، ونشرت صحف رئيسية تعليقات وتقارير من جنوب السودان، بالإضافة إلى تغطية كبيرة في مواقعها في الإنترنت، مع خرائط ومعلومات وأرقام عن السودان.
وذكرت صحيفة الـ«أوبزيرفر» البريطانية في افتتاحيتها أمس تحت عنوان «استفتاء السودان»: «دولة أفريقيا الجديدة تجب رعايتها لكي تنجح». وقالت الصحيفة: «إن ولادة دولة جديدة أمر خطير دائما، الحدود الجديدة للدولة تميل تسويتها عن طريق العنف، ومن المتوقع عموما الموافقة على الانفصال عن الشمال، هو حكم من أحكام اتفاق سلام عام 2005 الذي أنهى 20 عاما من الحرب الأهلية. احتمال لمزيد من الصراع كبير، ولكن نتمنى تجنبه».
وتضيف الصحيفة: هناك أسباب للتفاؤل الحذر، منها: الرئيس السوداني عمر البشير الذي لمح مؤخرا إلى الاعتراف بالدولة الجنوبية بعد الاستفتاء، إضافة إلى ذلك إذا مرت الانتخابات بسلام سيكون ذلك أكثر مصداقية، وبيانا لنوايا سلمية. وشيء آخر يبشر بالخير هو اتفاق مؤقت بين الشمال والجنوب لاقتسام ثروة البلاد النفطية. لكن النفط قابل للاشتعال هو أيضا. وجوده جعل الشمال يطلب ألا يشمل الاستفتاء منطقة أبيي الغنية بالنفط، بينما تدعي حكومة الجنوب أنها جنوبية. وتعتبر هذه المنطقة مصدرا واضحا للنزاع، بالإضافة إلى التوترات الناجمة عن إعادة توطين عشرات الآلاف من لاجئي الحرب الأهلية.
وختمت الصحيفة في افتتاحيتها: يمكن لبقية العالم أن يساعد من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي والمالي للدولة الوليدة في الجنوب، والاستفادة من تعاون البشير النسبي مع المجتمع الدولي. والمهمة العاجلة هي ترسيم حدود إدارة جديدة. ولكن الهدف على المدى البعيد هو تعزيز الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد. وكتب رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي مقالا على صفحات الـ«أوبزيرفر» بعنوان «كل أفريقيا تحتفل لرؤية هذا الاستفتاء السلمي». ويرى رئيس جنوب أفريقيا السابق أنه على الرغم من «التقدم» الذي حققه السودان خلال السنوات الست الماضية، فإن «الإعلام العالمي جنح للتركيز على السلبيات». ويضيف مبيكي أن «النجاح» الذي تحقق في السودان «سيكون واحدا من الأعمدة الأساسية لبناء قارة مزدهرة وتنعم بالسلام».
وأبرزت الـ«تليغراف» على صفحات الشؤون العالمية صورة لـ3 سيدات من جنوب السودان، وهن يلوحن بعلامات النصر، لكن إلى جوار هذه الصورة كان عنوان الصحيفة يقول: «هل هو مولد دولة فاشلة؟».
تقول الصحيفة في التقرير الذي أعده بيتر مارتل من جوبا وأدريان بلومفيلد: إن الاستقلال سيتحقق لجنوب السودان، لكن تحقيق السلام ليس مؤكدا.
وتشير الصحيفة إلى أن السلطات في جنوب السودان كانت قد كشفت مؤخرا عن مشروع التخطيط الحضري وغريب الأطوار، الذي يكلف 6.4 مليار دولار سوف يتم توزيعها على عواصم الأقاليم الـ10، بدلا من أكواخ الطين والقش المبعثرة. ولكن الصحيفة تنقل صورة متشائمة عن مصادر للأمم المتحدة تذكر أن احتمال موت الفتاة البالغة من العمر 15 عاما خلال الولادة أكبر من احتمال أن تكمل دراستها.
أما صحيفة الـ«إندبندنت» فقد نشرت تقريرا للكاتب ديفيد راندال عن استفتاء تقرير المصير الذي يصفه بأنه «واحد من اختبارات الديمقراطية الفريدة».
ويضيف الكاتب أن الملايين من سكان جنوب السودان «الذين عانوا عقودا من الحرب سيصوتون للانفصال عن الشمال وتكوين دولة جديدة».
ويقول راندال: إن سكان جنوب السودان لو نجحوا في هدفهم، فإن أكبر الأقطار الأفريقية «الذي يعادل في مساحته ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبولندا وإسبانيا واليونان والمملكة المتحدة معا سيقسم».
ويرى الكاتب أن الاستفتاء الذي يستمر أسبوعا يمثل «تطورا مشجعا في جزء من العالم؛ حيث تندر أسباب التفاؤل».
لكن راندال يلفت النظر كذلك إلى افتقار الجنوب إلى البنية التحتية، مشيرا إلى أن منطقة تعادل في مساحتها فرنسا لا يوجد فيها أكثر من 38 ميلا من الطرق المعبدة. ويضيف الكاتب أن استفتاء جنوب السودان يختلف عن أي استفتاء آخر شهده العالم؛ حيث «لا توجد كلمات في ورقة التصويت، فقط رموز تدل على (نعم) أو (لا)».
ويشير التقرير كذلك إلى أن الدولة الجديدة لا اسم لها حتى الآن وأنه لا اتفاق على حدودها بعد. لكن الكاتب يعكس كذلك الأجواء الإيجابية التي يشعر بها الجنوبيون وهم يقبلون على الاستفتاء، ويقول إنهم «يلبسون الريش ويمسكون بالعصي المنحوتة ويرقصون في شوارع جوبا التي ستكون العاصمة المستقبلية للجنوب».
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريرا من جوبا غطى صفحة كاملة وبالصور عن الاستفتاء. وجاء فيه أن أغلبية ساحقة وسط الجنوبيين ستصوت مع الانفصال. كما نشرت الصحيفة خريطة للعالم عن الدول المهددة بالانفصال، بعد السودان. وتوجد أغلبيتها في أفريقيا، خاصة على خط التماس بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» رأيا كتبه الرئيس باراك أوباما عن السودان بعنوان: «انتخابات وبداية»، ورأيا عنوانه: «لعنة الاستعمار»، وتقريرا من جوبا عنوانه: «الجنوبيون السودانيون يبدأون التصويت».
ونقلت إذاعة «إن بي آر» الوطنية شبه الحكومية من مراسلتها في الخرطوم مقابلات مع مسؤولين كبار في حزب المؤتمر الحاكم، ومن مراسلة أخرى في جوبا مقابلات مع مسؤولين هناك.
في الوقت نفسه، أفردت إذاعة «صوت أميركا» برنامجا خاصا نحو جنوب السودان فيه إعلانات تشجع الجنوبيين للتصويت في الاستفتاء.