تجريم الإساءة للأديان مستحيل
عبد الرحمن الراشد (الشرق الااوسط)
في سويسرا حسم مجلس الأديان موقفه برفض مطالب من مواطنين سويسريين بمنع بناء المآذن عند السماح ببناء المساجد. المجلس اعتبر المئذنة جزءا من المسجد، ومنح المعماري الإسلامي حق تشييدها. وفي ألمانيا حكمت محكمة بتأييد أب قرر أن يسمي ابنه «جهادا»، ساندته المحكمة ضد جهة تسجيل المواليد الحكومية التي اعتادت على رفض الأسماء المثيرة للخلاف مثل «هتلر». المحكمة اعتبرته اسما شائعا وليس صفة تحريضية.
وفي نفس الأسبوع التقت ثلة من العلماء والسياسيين في القاهرة لتدارس مشكلة الإساءات للأديان، وأوصى المؤتمرون في «ملتقى الفكر الإسلامي» بإصدار تشريعات دولية تجرم الإساءات للأديان وتعاقب عليها. ومع أن فكرة حماية المعتقدات من الإساءات طرح جميل في هذه الأيام الملتهبة دينيا فإنه تفكير غير عملي البتة، وعلى من يدعو إليه أن يفكر مرتين قبل أن يوقع عليه. نحن نعيش في عالم يزداد اختلاطا بين الشعوب، بهجرات ملايين الناس، وفي زمن تنتقل الأفكار والآراء والجدل بلا حدود نتيجة التطور التقني. وبين تنقل البشر وتزايد الجدل تشكلت بيئة غير قابلة لصياغة العالم بفكر واحد أو وضع حدود عليه، لأنه أولا مستحيل وثانيا لأن تبعات التدخل أكثر خطورة من التفرج. ولو افترضنا أن الأمم المتحدة استمعت للمؤتمرين في القاهرة وأقرت قانون معاقبة التجديف والإساءة للأديان، فإننا سنواجه نفس الإشكالات والعقوبات. فالخلاف الإسلامي المسيحي في التفسير الديني عميق، المسلمون يرون تأليه المسيح عليه السلام كفرا، والمسيحيون يعتبرونه في صلب عقيدتهم، فهل يعقل أن نمنع المسلمين من التعبير عن آرائهم إرضاء للقانون الدولي الجديد؟ الجدل كذلك قائم منذ ألفي عام بين المسيحيين واليهود حول صلب المسيح فهل يجب إيقافه الآن؟ بل إن الجدل أعمق داخل الديانة الواحدة، كما هو الحال بين المذهبين السني والشيعي، فهل يمكن تكميم أفواه الشيعة باسم القانون الدولي المقترح ومنعهم من الحديث عن الأحق بالخلافة؟ أو إلزام السنة بالتفسير الشيعي لتاريخ الخلافة؟ لو صار ذلك لم يعد الشيعة شيعة ولا السنة سنة. علينا أن نعترف أن التجديف هو في صلب كل الأديان تقريبا وضمن تعاليمها، وليست أعمالا صحفية متمردة فقط.
الحل ليس في تجريم التجديف، وحظر انتقاد الأديان الأخرى، كون تطبيقه بالملاحقة والمعاقبة أمرا غير عملي، وقد يشعل الجدل حوله حروبا جديدة، بل الحل في التوعية بوجود مصلحة مشتركة للعالم كله في تجنب إثارة الخلافات الدينية، وتفهم خطورة التحريض. التوعية هي المخرج الوحيد، علاج مهدئ لكنه لن يوقف الكتب أو الأفلام أو المقالات أو الرسوم أو الخطب أو الرسائل المسيئة، فهذه ستبقى موجودة طالما وجد أناس تمتلئ صدورهم كراهية على الآخر. إنما نشر التوعية، خاصة للعاملين في مجالات الدعوة والتبشير والإعلام والسياسة والقانون، سيرشد هؤلاء إلى خطر الفتن على مجتمعاتهم، وأن تعاونهم بمنعها، أو تجنب الدعاية لها، سيضيق دوائر الصدام. ولو امتنعت على الأقل المؤسسات الإعلامية الكبرى عن إثارة الفتن الدينية، وتبنت المؤسسات الدينية الرئيسية اللباقة في التعبير، وحرص السياسيون والمشرعون على تجنب التحريض، سيبقى أناس هامشيون في المجتمع يعبرون عن رأيهم، لكن ضررهم أقل. توجد مصلحة عالمية في منع التوترات الدينية، وهي مصلحة اتباع كل الديانات. وهنا تكمن أهمية حوار الأديان الذي فتحت بابه السعودية، فالحوار ليس هدفه إقناع الآخر بالتخلي عن ديانته إنما احترام عقائد الآخرين كما هي، والعمل على تجنب الصدام مهما كان الاختلاف. لهذا بدأت مقالي بقصتين إيجابيتين حول التعايش تؤكدان على أن في العالم أناسا واعين وخيرين.