تجدد القصف في جنوب السودان والطرفان يتبادلان الاتهامات
رئيس الصين يجري محادثات مع رئيس جنوب السودان في بكين
لندن: إمام محمد إمام ومصطفى سري
يتبادل السودان وجنوب السودان الاتهامات، فبينما تتهم جوبا الخرطوم بشن غارات جوية على أرضيها، وأنها تعلن الحرب عليها، في الوقت الذي يتهم السودان جوبا بأنها تعمل على زعزعة استقراره. فقد اتهم رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي يزور بكين أمس السودان بـ«إعلان الحرب» على بلاده التي استهدفت بغارات ليلية من جانب الطيران السوداني على مقربة من الحدود.
من جانبه، اتهم السودان جوبا بأنها تريد «زعزعة استقراره» من خلال استمرارها في دعم المتمردين على أراضيه، وذلك غداة رفض الرئيس السوداني عمر البشير العودة إلى طاولة المفاوضات.
وقصف الطيران السوداني ليل الاثنين الثلاثاء عددا من المواقع النفطية الحدودية في جنوب السودان، كما أعلن تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة الجنوبية المحاذية للسودان. لكن السودان نفى شن غارات جوية على الأراضي الجنوبية. وقال دينق إن الطائرات السودانية استهدفت بلدتي باناكواش ولالوب الواقعتين داخل أراضي جنوب السودان، إضافة إلى مركز تشوين الحدودي، وهو منطقة متنازع عليها شهدت معارك شديدة بين قوات البلدين في الأيام الأخيرة، وأضاف أن عمليات القصف تواصلت حتى «الساعات الأولى» من صباح أمس، موضحا أن الضربات الجوية الأكثر عمقا داخل الأراضي سجلت على بعد نحو 25 كلم من خط الجبهة. وتنفي الخرطوم في شكل منهجي أي قصف جوي لأراضي جنوب السودان.
ودانت الولايات المتحدة «بشدة» أمس الغارات الجوية السودانية في أراضي جنوب السودان، داعية الجانبين إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى استئناف المفاوضات بينهما. وقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية «ندين بشدة العمليات العسكرية السودانية في جنوب السودان. على السودان أن يوقف فورا القصف الجوي والمدفعي لجنوب السودان».
وفي بكين، قال رئيس جنوب السودان سلفا كير في بداية لقاء مع نظيره الصيني هو جينتاو إن «زيارتي تأتي في وقت حرج بالنسبة إلى جمهورية جنوب السودان لأن جارنا في الخرطوم أعلن الحرب» على الجنوب. وقد تنجم عن زيارة سلفا كير إلى الصين انعكاسات إيجابية لما لبكين من استثمارات في المنطقة تدفعها إلى السعي لتهدئة الأجواء بين الطرفين.
وبكين هي المستورد الأول للنفط السوداني الذي يشكل رهانا كبيرا في الصراع المسلح بين الخرطوم وجوبا.
وبدت الحدود بين البلدين هادئة أمس، لكن السودانيين عمدا إلى تعزيز عدد قواتهما على طول الحدود المتنازع عليها والتي شهدت منذ نهاية مارس (آذار) الماضي مواجهات بينهما، وخصوصا في منطقة هجليج النفطية على بعد ستين كلم شمال بنتيو. وتدهورت العلاقات بين الخرطوم وجوبا التي تشهد توترا منذ انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) الماضي، بعدما سيطرت قوات جنوب السودان في العاشر من أبريل (نيسان) على هجليج التي يطالب بها الطرفان.
واستعاد الجيش السوداني في نهاية الأسبوع الفائت السيطرة على هذه المنطقة التي تؤمن نصف إنتاج النفط الخام للسودان. وفي حين أكدت الخرطوم أنها طردت منها قوات جنوب السودان قالت جوبا إنها انسحبت من المنطقة طوعا تلبية لدعوات المجتمع الدولي.
من جانبه، قال العبيد أحمد مروح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية لـ«الشرق الأوسط»: «إن علي كرتي وزير الخارجية قدم أمس شكوى رسمية ضد جنوب السودان لدى منظمة السلم والأمن الأفريقية في أديس أبابا، مطالبا بتكوين لجنة تقصي حقائق للوقوف على الأضرار والخسائر البشرية والمادية الناجمة من اعتداء جنوب السودان على منطقة هجليج، رغم المناشدات الدولية والإقليمية لحكومة جنوب السودان لوقف سلوكها العدواني الذي باء جميعه بالفشل بسبب الإصرار الأعمى على زعزعة استقرار وأمن السودان». ونفى مروح إعلان السودان للحرب ضد جنوب السودان، قائلا: «نحن لم نعلن الحرب، ولسنا بصدد إعلان الحرب على دولة جنوب السودان، ولكن نعتبر أنفسنا حتى الآن في حالة دفاع عن النفس، وذلك بتحرير أرضنا كما حدث في هجليج وطرد المتمردين المدعومين من حكومة جنوب السودان من حدودنا، وكذلك طرد المتمردين الذين هم جزء من الجيش الشعبي أمثال مالك عقار وعبد العزيز الحلو من داخل أراضينا. نحن في حالة تحرير لأراضينا، وتأمين لمواطنينا». وأشار إلى أن هجليج ليست منطقة متنازعا عليها. إن الحدود بين البلدين تبلغ نحو 2125 كلم، متفق على 80% منها، ومتفق أيضا على المناطق المتنازع عليها، وليس من بينها هجليج. وقال مروح «إن وزارة الخارجية بصدد تقديم شكوى جديدة إلى مجلس الأمن تجاه التصريحات العدوانية التي يطلقها بعض مسؤولي دولة جنوب السودان من قبيل إعلانهم بأن هجليج منطقة جنوبية، رغم انسحابهم منها، مما يعني تصميمهم على الهجوم مجددا على هجليج».
من جانبه، قال الدكتور رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان أمام جموع من المواطنين في رومبيك إن دخول قوات بلاده إلى بلدة هجليج وطرد الجيش السوداني مغامرة وإنما كانت لأهداف كثيرة، لكنه لم يخض في تفاصيلها، داعيا شعب جنوب السودان إلى الوقوف خلف الجيش الشعبي. وأضاف: «لقد أكدنا للبشير وقواته عمليا عندما كان يردد أن الجيش الشعبي لا يمكنه أن يصمد أمام القوات المسلحة»، مشيرا إلى أن هجليج كانت تدار قبل اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 من ولاية الوحدة وحتى وقت قريب. وقال: إن التغيير حدث عندما حدث الخلاف حول منطقة آبيي وتم وضع خارطة طريق. وأضاف: «لكن الخرطوم طمعت في المنطقة لأن بها نفط ولذلك عملوا على إبعاد هجليج رغم أننا أوضحنا أن البلدة تتبع للجنوب وكانت تدار من بنتيو».
وقال: إن وفد بلاده لم ينسحب من المفاوضات مع السودان التي تقودها الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي بل إن وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم هو الذي انسحب وأعد الهجوم على حدود البلاد. وتابع: «على المجتمع الدولي أن يضغط على الخرطوم لتوقف الهجوم والقصف الجوي على ولاية الوحدة ونحن لسنا ضعفاء، بل نحن قادرون على حماية حدودنا». وقال: «إذا لم تتدخل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي فإننا يمكن أن نغير رأينا ونعود إلى هجليج»، مؤكدا أن حكومته تعمل على استنفار المواطنين في المناطق الحدودية. وقال: إن البلدين لم يوقعا اتفاق وقف إطلاق النار وإن على الشعب أن يستعد بعد أن هدد البشير بغزو الجنوب. وأضاف: «البشير لا يفهم إلا لغة العنف، ومع ذلك نحن ملتزمون بالحوار وأن نبدأ بترسيم الحدود».
إلى ذلك قال اتيم قرنق زعيم الأغلبية في برلمان جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده لم تعلن الحرب على السودان ولم تتحدث عن أن الشمال عدو لها. وأضاف: «لكننا سنقوم بتعبئة شعب بلادنا لمواجهة أطماع البشير في غزو الجنوب»، معتبرا إعلان برلمان الخرطوم بسن قوانين ضد جنوب السودان فرقعة إعلامية. وقال: «يجب أن تتم محاسبة البشير الذي قتل أكثر من مليوني مواطن جنوبي منذ توليه السلطة في عام 1989 ومواصلته عمليات القتل». وأضاف: «لا بد من حل القضايا الحدودية سلميا وأن مصر وإسرائيل قاما بحل قضايا حدودهما سلميا رغم خوضهما حربين خلال عامي 1967، 1973».