الخرطوم ” أفريقيا اليوم ” صباح موسى
ساعة بعد الأخري تزداد حدة التوتر بين المؤتمر الوطني, وباقي المعارضة السودانية, وخاصة المشاركين في تحالف جوبا, والذي يضم الأحزاب الكبيرة بالسودان, على نحو يدعو للقلق والترقب, لمستقبل بلد كانت ملامحه قد ظهرت ولا حت مبشرة في الأفق مع بداية العملية الإنتخابية, بإنخراط الجميع فيها, إيذانا ببدء تحول ديمقراطي جديد وكبير يحتاجه السودان في هذا الظرف من تاريخه.
إلا أن المعارضة السودانية, وبعد قطع شوط كبير من الخطوات الإجرائية نحو وصول العملية الإنتخابية إلى نهايتها, وقفت وإعترضت مهددة بالمقاطعة, وطالبت بتأجيل الإنتخابات, لأنها رأت أن العملية برمتها في طريقها لتزوير كبير من جانب المؤتمر الوطني, وأنها – المعارضة – لو واصلت بهذه الطريقة ستكون عبارة عن” حامل يستند عليه الوطني ليقنن وضعه الدستوري داخل السودان ” , مما يساعده على مواجهة أي تحد خارجي, وخاصة في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية, والتي تطالب بإعتقال الرئيس البشير, للمثول أمامها, لإتهامه بإرتكاب جرائم حرب بدارفور.
الحزب الحاكم من جانبه يرى أن المعارضة بدأت تخشى على نفسها من الإنتخابات, ولذلك بدأت ترفع الحجج, وتضع العقبات حتى تنأى بنفسها من هزيمة محققة, ويصر الرئيس السوداني على قيام الإنتخابات بموعدها, وزاد “إذا المعارضة لاتريد الإنتخابات, إذن نحن لا نريد الإستفتاء”, وهذا الأمر مرفوض تماما من جانب الحركة الشعبية, والتي أخذت الأمر على عاتقها, وكأن السودان أصبح مباراة للتنس بين لاعبين أساسين, كل منهما يركل الكرة, ليرد عليه الآخر بقوة.
ويرى مراقبون أن الحركة الشعبية في هذه المباراة تصطحب خلفها المعارضة الشمالية وعلى رأسها الأحزاب السودانية الكبيرة الأمة والإتحادي والشعبي, لتسجل ضغوطا على الوطني, لتحقيق منافع شخصية لها, على حساب هذه الأحزاب, مثلما فعلت, وإجتمعت بهم في مدينة جوبا عاصمة الجنوب السوداني من قبل, وكونت تحالفا في مواجهة الوطني, واستطاعت بهذا التحالف أن تكسب لنفسها تمرير بعض القوانين, في مقابل إجراء الإنتخابات, كما يرى المراقبون أيضا أن الوطني يستقوى بالأحزاب الجنوبية, ضد الحركة الشعبية, ولكن يبقى أن هذه التحالفات تكسب الشعبية أكثر من الوطني, نسبة إلى قوة الأحزاب الشمالية نفسها.
الحركة الشعبية زادت الأمر تعقيدا وهددت أمس في وجود أحزاب تحالف جوبا بأن يقام الاستفتاء في موعده, و قالت أنه ليس من حق الوطني ربط تأجيل الإنتخابات بالإستفتاء, ورفعت سقف التهديد إلى أنها ستشارك في إنتخابات الجنوب, وسوف تقاطع إنتخابات الشمال, لو رفض المؤتمر الوطني التأجيل.
الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة ” محمد عثمان الميرغني” وبعدما كان يرى أن تأجيل الإنتخابات مجرد تضييع للوقت, إذا ماصاحبه فتح باب التسجيل, وحل أزمة دارفور, فقد غير موقفه, وإنحاز إلى طلب المعارضة في التأجيل, مبررا ذلك بأن الحزب تأكد أن العملية في طريقها إلى تزوير كبير, وخاصة الإنتخابات الرئاسية والولائية.
وقال ” حاتم السر” مرشح الإتحادي لرئاسة السودان لـ ” أفريقيا اليوم” أن الحركة الشعبية أكدت أن هناك عملية تزوير كبيرة سوف تحدث, مشيرا إلي أنها قدمت لبقية الأحزاب معلومات خطيرة حول هذا الأمر, بالإضافة إلى أن مفوضية الإنتخابات نفسها منحازة تماما للوطني, مؤكدا أن أمر تأجيل الإنتخابات ليس له علاقة بتأجيل الإستفتاء, وأن الإنتخابات لو تم تأجيلها فستكون في شهر نوفمبر المقبل, فيما يعقد الإستفتاء في شهر يناير, ولذلك فالإنتخابات سوف تسبق الإستفتاء, ولن تأتي بعده كما نصت إتفاقية السلام.
وتوقع ” السر” أن يقبل الوطني بالتأجيل, وقال أن المؤتمر الوطني يريد أن تظل الحكومة ونحن نوافق على إستمرار الحكومة, فنحن غير راغبين في السلطة, داعيا العاقلين في المؤتمر الوطني إلى تحكيم العقل, في معالجة الأزمة, حتى تنجو البلاد من أي مخاطر قد تهدد أمنها وإستقرارها.
أما المؤتمر الشعبي بزعامة ” الترابي” فإنه يرهن موقفه من عملية التأجيل بموقف الحركة الشعبية منه ويقول ” كمال عمر” الأمين السياسي للشعبي لـ ” أفريقيا اليوم” أن الحركة لم يتضح موقفها بعد فمازالت تهدد, رافضا موقف الحركة بأن تخوض إنتخابات الجنوب وتقاطع الشمال, وقال أنه على الشعبية أن تقاطع جميع الإنتخابات في جميع الدوائر التي تنازل فيها المؤتمر الوطني, على مستوى الولايات الجنوبية المختلفة أيضا, فيما عدا ذلك, فالتأجيل ليس له أي قيمة, مشيرا إلى أن الشعبي يرهن موقفه بالشعبية لأنها هي التي وفرت الغطاء المتعلق بالإنتخابات والدستور الإنتقالي مع المؤتمر الوطني, بالإضافه إلى أن الشعبي يعول على الجنوب, وأن هناك مواقف متضامنة في إتجاه واحد.
وأوضح أن المؤتمر الوطني لديه أزمة كبيرة, وأنه يبحث عن شرعية, وبيئة سياسية مناسبة, مؤكدا أن أكثر موسم لتحقيق ذلك للوطني, هو تحقيق بعض النتائج.
ويري الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي أن المقاطعة السلبية لن تحقق غرضا, وأنها ستكون في مصلحة الوطني, مضيفا أنه سوف يحدث تزوير في الإنتخابات وأن الشعبي يعي ذلك تماما, ولكن التزوير جريمة ليست حديثة, وبمشاركتنا سنقدم نموذجا حقيقيا لكشف هذا التزوير, لأن أهم مافي هذه العملية هي الحراك الجماهيري الكبير.
وتوقع ” عمر” أن يتمسك الوطني بإجراء الإنتخابات, وأن تقاطعها المعارضة مؤكدا أن الشعبي سيدخل الإنتخابات.
من جانبه قال ” الصادق المهدي” في تصريحات صحفية :لا أستطيع أن أجزم الآن وأحدد موقفنا إذا قررت الأحزاب الأخرى المقاطعة.. ليس لدي رأي قاطع الآن.. لأن الموضوع كله في حالة ميوعة». وحول توقعاته لموقف المؤتمر الوطني المنتظر قال المهدي: «المؤتمر الوطني وضع كل بيضه في سلة الانتخابات بصرف النظر عن كل المشكلات الحالية».
مضيفا نحن نرى أن حزبنا الآن خاض الإنتخابات.. وقطع شوطا كبيرا فيها.. يصعب معه الإنسحاب منها.. وقمنا بتعبئة لا بأس بها.. لذلك فإن توجهنا أكبر نحو خوض الانتخابات, وأنا أعتقد أن 50% نزاهة تكفينا لتحقيق نتائج باهرة.. ولكن الخوف من أنه بإستمرار الأساليب الفاسدة سنحرم من النتائج التي نريدها.
وأكد المهدي أن من مصلحة السودان تأجيل الإنتخابات لمعالجة المشكلات العالقة.. حتى لا تتحول الإنتخابات إلى السيناريو الكيني، وهو وارد فيما استبعد “د. مصطفى عثمان إسماعيل” مستشار الرئيس السوداني وأمين العلاقت الخارجية بالمؤتمر الوطني أن تقوم الحركة الشعبية بعملية إنسحاب من الإنتخابات, بإعتبارها إستحقاقاً نصت عليه اتفاقية السلام، مبيناً أنه لا يوجد أي نص قانوني بالإتفاقية يدعو إلى تأجيل الإنتخابات, مضيفا أن الإتفاقية قدمت الإنتخابات على الاستفتاء واشترطت حكومة منتخبة لإجرائه, وإذا أرادت الأحزاب تأجيل الإنتخابات عليها الذهاب إلى الحركة الشعبية لإقناعها بتأجيل الإستفتاء عندها فقط يمكن الحديث عن تأجيل الانتخابات.
مفوضية الإنتخابات من جانبها فندت كل إتهامات المعارضة لها بالإنحياز إلى الوطني, وأكدت أنها ستقيم الإنتخابات بمن حضر.