لا شّك أنّ نعمة الأمن هو أساس الإستقرار الإنساني، وعماد النماء البشري، في حضورها تنصب مقاصل القصاص، وتورف ظلال العدالة، وتعم السكينة النادي والبادي، لذا يعتبر الأمن بالنسبة للأفراد والمجتمعات مطلبا ملحا تتوقف عليه صيرورة وجوده وحياته الطبيعية. وللأمن وجهان، الأمن من الخوف على النفس من أن تزهق أو تقهر، والأمن على البدن من الجوع والفاقة والمرض، ومتى ما اطمأن الإنسان إستقر من النزوح واللجوء، سلك سبل ربه ذُلُلا فأنتج وعمّر الأرض.
قبل مواجهة بواعث الكفاح المسلح في هوامش البلاد، يتوجب على الموقعين على إتفاق جوبا للسلام، التصدي العاجل لإفرازات الحرب اللعينة، وعلى رأس هذه الإفرازات الفرط الأمني من قتل ورعب وتشريد للمدنيين العزل، سيما في دارفور وجبال النوبة، توفير الأمن وبث الطمأنينة للمواطنين في القرى والبوادي ومعسكرات النزوح واللجوء تعتبر أولوية ملّحة لا تحتمل التأجيل.
يمكن الجزم بأنه كلما كان الأمن مستتبا وسط أية بيئة إجتماعية، كان الإنسان مستقرا والعلاقات الاجتماعية سلسة وإيجابية، وحيث ينعدم الأمن والاستقرار فإنّ فرص تحقيق التنمية تكون جد ضعيفة إن لم نقل منعدمة، ومن المعلوم بديهياً أنّ إنعدام أو إختلال التنمية في مكونات الدولة السودانية، هو باعث الكفاح المسلح في هوامش البلاد، أي أنه لا يمكن الولوج إلى جذور الحروب المستمرة، قبل إستتباب الأمن، وتوفير الطمأنينة وتحقيق العدالة، وإنعاش التعايش السلمي.
بالطبع هنالك جدلية الأمن والتنمية، كجدلية البيضة والدجاجة، إيهما تأتي أولاً، فهناك من يرى أن التنمية هي أساس الأمن والإستقرار، بينما يرى آخرون العكس، ولكن الراسخ عندنا، أنّ الفرط الأمني سيعطل آليات التنمية كافة، ويعيق التفكير المنطقي ويربك أولويات المشروعات التنموية، فالتعايش السلمي الإجتماعي، ينعش الإنتاج الزراعي، والنماء الرعوي، ويولد الأمن الإقتصادي والمعيشي، والذي بدوره يقلل من الجريمة العامة المهددة للبناء والتعمير، وهنا تتبلور العلاقة بين المواطن والإدارة وبين الحاكم والمحكومين في إطار صيغة من التعاقد الاجتماعي. لكن الخلاصة، يمكن الجزم أنه لا تنمية بلا أمن ولا أمن بلا تنمية.
فالإطعام من جوع، والأمان من الخوف، هما وجهات للأمن الشامل، في مواجهة الاضطرابات الاجتماعية، لذا من الضرورة بمكان، أن تتبلور أولويات تنقيذ إتفاق جوبا للسلام، في تكريس وقف ومنع التعديات المتكررة على المدنيين، وتأمين الحصاد للموسم الزراعي الواعد لهذا العام، من التعديات المتكررة منذ إندلاع الحرب، سيما والمزارع على أعتاب “الدَرَت” وتقديم المعينات الضرورية للنازحين لإستئناف نشاطهم الزراعي، المشجع على التهيؤ للعودة الطوعية، والإنعتاق من مذلة “كوتات” الإغاثة الدولية، والتحرر من سجون المعسكرات المهينة وتحرير طاقاتهم المكبوتة والمتشوقة للإنتاج.
مقارنة بين اليوناميد وقوة حفظ الأمن في دارفور حسب إتفاق جوبا
بعثة اليوناميد التي تشّكلت بالقرار 1769 في31 يوليو 2007 مخولة بتعيين 25.987 شخصا كقوات حفظ سلام. وهذا يشمل 19.555 جنديا و360 من المراقبين العسكريين وضباط تنسيق، و 3.772 من مستشاري الشرطة و 2.660 من وحدات الشرطة المشكلة بلغ حجم قوة البعثة حتى منتصف يونيو 2011 قرابة 90 بالمئة من كامل قوتها المصرح بها، مما جعلها واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام. في العام 2012، خولت البعثة بتعيين 26.167 شخصا كقوات حفظ سلام. وهذا يشمل 16.200 جنديا و2.310 من مستشاري الشرطة و 2.380 من وحدات الشرطة المشكلة وبلغت ميزانية البعثة 1,039,573.2بليون دولار أمريكي للسنة المالية 2016-2017
بينما “اتفق الطرفان في إتفاق جوبا لسلام السودان على أن يكون قوام حفظ الأمن في دارفور 12 ألف قابلة للزيادة إذا دعت الضرورة ذلك”
أي أنّ العدد الأولي لقوات حفظ الأمن في إتفاق جوبا، أقل من نصف قوات اليوناميد، ناهيك عن الميزانية البليونية السنوية لليوناميد بالعملات الصعبة، والتي تفوق الميزانية المقدرة لإحلال السلام برمته، وإن كانت قوات اليوناميد بكافة إمكانياته المادية واللوجستية، قد فشلت فشلا ذريعاً في توفير الأمن في دارفور، يمكننا القول، وأنّ العدد المقدر لقوات حفظ الأمن حسب أتفاق جوبا قليل جداً، ونشك في مقدرتها على إستتباب الأمن، آخذين في الإعتبار عراقيل النظام السابق، وتسخير إمكانيات اليوناميد لصالح مخططاتها الأمنية. هذا الرقم يجب أن يضاعف فوراً، إن كانت الأطراف جادة في إستتباب الأمن كضرورة على رأس أولويات الحكومة الإنتقالية.
الضرورة الماثلة على الأرض، تُملي على الموقعين على إتفاق جوبا للسلام، الشروع الفوري في تنفيذ مخرجات بروتكول الترتيبات الأمنية، لتوفير الأمان للمدنيين في المعسكرات والمزارع والبوادي والمراحيل، والحرص على تحقيق الأمن الغذائي من خلال التشجيع على الإنتاج الزراعي وتسهيل تدفق الإغاثات الإنسانية بصورة سلسلة، والتمهيد للحقيقة والمصالحة كإرهاص للتعايش السلمي، التعافي المجتمعي ورتق النسيج الإجتماعي المهترئ.
//إبراهيم سليمان//
أقلام متّحدة