عبد الجبار دوسه: بدون إمتلاك القوة العسكرية اللازمة، يصبح التفاوض مع النظام الحالي فاشلاً.

بد الجبار دوسه: بدون إمتلاك القوة العسكرية اللازمة، يصبح التفاوض مع النظام الحالي فاشلاً.
عبد الجبار دوسه في حوار شامل وصريح مع آفاق جديدة 1/3
حاوره : إبراهيم سليمان/ لندن
[email protected]
• لا أعتقد بأن المؤتمر الوطني أعاد الإنتخابات في جنوب كردفان ليخسرها
المهندس عبد الجبار محمود دوسه، ناشط سياسي مرتب الأفكار وخبير تفاوضي بارع في هندسة أطروحاته، درس الهندسة في الكلية المهنية العليا سابقاً (معهد الكليات التكنلوجية لاحقاً وجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا حالياً) وعمل نقيبا للمهندسين بشمال دارفور، كان ضمن قلائل خططوا ونفذوا إنتفاضة دارفور عام 1981 ضد حاكم الإقليم آنذاك الطيب المرضى الطيب، هاجر إلى الخليج في بداية الثمانينيات ومكث به حتى 2004 حيث إلتحق بحركة تحرير السودان في العام 2003 وشغل بها منصب الأمين العام ثم الأمين السياسي وكبير المفاوضين بأبوجا ودستوريا ترأس صندوق دارفور للإعمار والتنمية، وكان عضواً في مجلس السلطة الإنتقالية الإقليمية لدارفور وقد إستقال من منصبه الدستوري بالدولة والتنظيمي بالحركة في 2008 ومنذ ذلك التاريخ وإلى حينه لم يحدد وجهته التالية، ، ثوري عاقل وسياسي متصالح مع نفسه إلا أن البعض يصفه بالتردد وقد تحسر كثيرون على ركوبه قطار أبوجا المعطوب رغم معارضته العلنية له، ورغم ذلك ورغم حملات التشهير التي إنطلقت مستهدفه شخصه ومشككة في نزاهته فور مغادرته السودان وإعلان إستقالاته الشاملة من جميع مناصبه، تمكن من الإحتفاظ بإحترام واسع وسط ناشطي دارفور، فتحنا معه غطاء صندوق الإعمار والتنمية المغري وظيفيا وملفات ابوجا المبعثرة وحاورناه من مقر إقامتة بمدينة مانشستر بالمملكة المتحدة، وجاءت إجاباته مثيرة وشفافة إلى حد كبير، وقد خصصنا هذا الجزء من الحوار لبدايات حياته السياسية وإستنطاق لبعض مواقفه فإلي وقائعه.

• بدون إمتلاك القوة العسكرية اللازمة، يصبح التفاوض مع النظام الحالي فاشلاً.
• معارضتي لأبوجا كانت قائمة على فرضيات حقيقية
• لم أفشل في دوري ككبير المفاوضين في أبوجا
• أثق في قدراتي في صياغة الدفاع عن الحقوق تخطيطاً ومنطقاً
• لهذه الأسباب فشل أبناء دارفور في إدارة الأزمة

• حدثنا عن خلفيتكم السياسية قبل الإنضمام إلى حركة التحرير؟
ج‌. ليست لدي خلفية سياسية قبل إنضمامي إلى حركة تحرير السودان، فقد كنت مثلي وكل الطلاب أمارس التفاعل مع الأحداث في الساحة السياسية، بيد أنني خلال حياتي العملية كنت أواكب الأحداث دون أن أكون منتمياً لأي تنظيم سياسي.

• هذا الموقف نتاج عدم قناعة بالتنظيمات السياسية المطروحة في الساحة أم كفر بواح بالسياسة المأطرة؟
ج. كان ذلك إلى حد كبير عدم قناعة بالفلسفة القيادية داخل التنظيمات.

• كنت ضمن خمسة أشخاص خططوا ونفذوا إنتفاضة دارفور ضد الحاكم الطيب المرضي الطيب عام 1981 من هم زملاؤك الآخرين؟
ج‌. زملائي الأربعة في التخطيط وتنفيذ إنتفاضة دارفور 1981 هم الدكتور محمد آدم عبد الكريم وقد انضم إلى حزب الأمة وأصبح عضواً في برلمان انتخابات 1986، والأستاذ أيوب عز الدين اسحاق والأستاذ الشفيع أحمد محمد وهو الآن قيادي في المؤتمر الوطني، والأستاذ حسن سيف الدين وقد هاجر إلى المملكة العربية السعودية والأستاذ محمد يعقوب معلا وآمل أن لا أكون قد أخطأت في إسمه، وشخصي الضعيف، هؤلاء هم مَن حضر الإجتماع الأول، وهو شأن أي عمل عام يبادر به البعض ثم يصبح ملكاً للجميع. بعد اجتماعات اليوم الأول، التحق بالمجموعة عشرون شخصاً آخرين في خمسة أيام، فيها تم تشكيل خلايا المدن الأخرى. تبع ذلك خروج مئات الآلاف الذين ساهموا وشاركوا بقوة في ملحمة تاريخية حققت الهدف. تلك الثورة لم تجد حقها من التوثيق، وهي دعوة للمؤرخين والمتخصصين للبحث فيها وفي تجربتها لتوثيقها بما يُمكّن الجميع من الإستفادة منها، لأن فيها الكثير مما يمكن أن يساهم في استقامة إعوجاجات النسخة الحالية من الثورة.

• كيف كان وقع مغادرة حاكم الإقليم السيد أحمد إبراهيم دريج للسودان تاركا الأهالي تحت وطأة الجفاف منتصف الثمانينيات؟
ج. مناوأة النظم الدكتاتورية دائماً يضع القيادات المناوئة للظلم والإستبداد أمام خيارين إثنين بعد إعلان الخلاف، إما أن تهاجر إلى خارج أوطانها إلى حيث يمكنها أن تجد مساحة حرة للتحرّك لتبدأ في تنظيم عمل المقاومة ، وإما أن تقع في قبضة النظام الدكتاتوري الذي يكون تواقاً لكبت نوايا وتحركات القيادة قبل تنظيم نفسها وتنظيم جماهيرها إذا بقيت في الداخل، وذلك بوضعها داخل غرفة من أربعه جدران أي (سجن). قيادات الجبهة الوطنية ضد النميري مثالاً، وقيادات التجمع الوطني الديموقراطي وحركات دارفور والجنوب وجبهة الشرق وغيرها أمثلة أخرى، كلها آثرت الخروج لتتمكن من تنظيم عملها. في الواقع هذا منهج متكرر لدى القيادات المناوئة للنظم الإستبدادية في كل شعوب العالم وعبر العصور، والمعلوم أن النظم الإستبدادية أول ما تستهدف هي القيادات لإدراكها بأنها مكمن الخطر. الأكثر أهمية في تقديري لسؤالك هو ما الذي يمكن أن تكون قد فعلته تلك القيادات في تحقيق الهدف الذي خرجت من أجله.

• هل تعتقد مغادرته كان مبررا وافيد للإقليم من تكرار المحاولات مع الرئيس الراحل جعفر نميري؟
ج. في تقديري المغادرة كانت حتمية عاجلاً أم آجلاً، لكن هل تم إستنفاذ كل السبل والوسائل مع النظام، ذلك أمر يمكن أن يشرح فيه بتفصيل الأستاذ أحمد إبراهيم دريج نفسه، إنما يبقى الجدل في التوقيت والكيفية. وهذان تحددهما عوامل كثيرة من بينها عمق الخلاف وقناعة المغادر وتجاوب الجماهير المتأثرة حينها ورد فعل السلطة القائمة وعمق الأزمة من حيث الحجم والنوعية. أما مدى الفائدة فذلك مقياس ليس بالسهل تقديره لأن حكومة النميري أزيحت بعد سنة وبضعة أشهر من خروج الأستاذ دريج.

• بإعتبارك شخصية متصالحة مع نفسك، إلى أي مدى تتفق معنا في الآتي: عبد الجبار دوسه
• مهندس ضل طريقه في دروب السياسة
ج‌. هذه فرضية يمكن أن تقبل الجدل فيما لو كنّا في وطن يتمتع بممارسة ديموقراطية راسخة ودائمة في ظل تعددية تنظيمية حيث ينصرف المهنيون إلى أداء دورهم في مجالاتهم بسخاء، لكننا في وطن غُيّبت فيه الحقوق، وبالتالي ما نفعله بغض النظر عن تسميته سياسه أو غيرها، هو فرض عين على جميع المتضررين للنضال من أجل إقرار تلك الحقوق أولاً، حينها يأتي سؤالك متوائماً.

• سياسي متردد
ج‌. متردد في ماذا؟ حتى الآن وحيثما اقتضت الضرورة أن أتخذ قراراً فعلته.

• مثلاً رغم معارضتك لأبوجا إلتحقت بقطاره في الآخر، إستقلت من رئاسة صندوق الإعمار والتمنية ثم فيما إستقلت من عضوية حركة التحرير قبل حوال ثلاث سنوات وحتى الآن لم تحدد وجهتك التالية؟
ج. لم ألتحق بقطار أبوجا أنا قلت أنني سجّلت موقفي المعارض وجئت مع الحركة منذ البداية، وهذا ليس تردد في القرار، التردد يكون إذا وقفت في منطقة وسط بين التوقيع وعدم التوقيع، والإستقالات قرارات تأتي في الوقت الذي تستوي فيه معطيات إتخاذ القرار، وأنا لا أنتظر تلك المعطيات أن تأتي بمحض صدفتها وإنما أسبقها بعمل ما ينبغي من معالجات. أما كون أن وجهتي لم أحددها بعد فهذا تريث وليس تردد.

• مستشار تفاوضي عند الطلب
ج‌. أولاً أنا لست مستشاراً تفاوضياً لأي جهة، ثانياً، طلبتني حركة التحرير والعدالة للإستشارة والنصح وشرح تجربة أبوجا فذهبت إلى الدوحة مرة واحدة، ملّكتهم خلالها التجربة وأعطيتهم نصحي، لم يكرروا دعوتي ولم يستشوروني بعدها، ولعل ذلك أقرب إلى تفسير أن نُصحي ربما يتعارض مع أهدافهم فأسقطوه. لكنني لن أبخل بتمليك التجربة وتقديم النصح لأي جهة رغبت في ذلك لمصلحة القضية، أما أمر الأخذ بذلك أو تركه يعود للجهة المعنية.

• أمير يبحث عن مجد مفقود
ج‌. أظنّك تتفق معي بأن ما نحن فيه الآن من نضال مترامي الأبعاد لاسترداد الحقوق الدستورية لوطن وشعب بكامله لا يمكن اختزاله في هذا الإطار.

• في مقال لكم وصفت نفسك بالفشل في ابوجا، والآن تعمل مستشاراً تفاوضياً للتحرير والعدالة، أليس في هذا محاولة لتكرار ذات الفشل في الدوحة؟
ج‌. كما أكّدت في إجابة سابقة بأني لست مستشاراً لحركة التحرير والعدالة ولا غيرها، أما فيما يتعلق بموضوع أبوجا، على الصعيد الشخصي البحت، أنا لم أفشل في دوري كمفاوض أو كبير مفاوضين في أبوجا. كما أثق في قدراتي في صياغة الدفاع عن الحقوق تخطيطاً واستراتيجية وتكتيكاً ونهجاً وحُجّة ومنطقاً، ودونك المشاركين في أبوجا من الحركات والوساطة والمجتمع الدولي والحكومة طوال جولاتها. أما الفشل الذي عنيته وأوردته في مقالاتي تحت صياغة الجمع (نحن) إنما هو حزمة أبعاد وعوامل شارك فيها الجميع وهي تعني منظومة التقاطعات السلبية لعمل الحركات المتواجدة هناك حينها، ولا يمكن لهذه المساحة المقتضبة أن تستوعب كل ذلك. حيث أن ذلك يحتاج إلى منابر ومنتديات.

• ضمن كتاباتكم اقررت بفشل أبناء دارفور في إدارة أزمة إنسان الإقليم، ماذا ينقصهم الحنكة السياسية ام إخلاص النويا ام ماذا؟
ج‌. إخلاص النوايا لا أستطيع الجزم القطعي فيه، لكن أعتقد أن الفهم بالقضية وبالطرف الآخر ما زال فطيراً. كما يفتقد الكثيرون الإرادة، وهناك عدم الإهتمام بالمعلومة وعدم الإستفادة من تجارب الآخرين والترتيب الخاطيء للأولويات وتعجّل النتائج.

• لماذا يهجر الصفوة تخصصاتهم ويمتهنون السياسة؟
ج‌. قطعاً معيار الصفوة ليس هو مستوى التعليم التطبيقي الذي ناله الفرد، إذا كان الأمر كذلك هذا المعيار يظلم الآخرين. النضال ضرورة تقتضي ترتيب الأولويات، والأولوية اليوم للنضال من أجل إقرار دولة ديموقراطية قائمة على التعدد والتداول السلمي للسلطة وتحفظ حقوق الإنسان، وهي بذلك أولية عين وليس كفاية. نستطيع أن ندرك مدى تأثير المناخ السياسي المضطرب في تشكيل سؤالك نفسه، لأنه لو كان الوضع طبيعياً كما هو في الدول التي قطعت شوطاً بعيداً في الديموقراطية، لما كنت في حاجة إلى طرح مثل هذا السؤال واقدّر ذلك. وعموماً بشكل مطلق وفي ظل حرية الإختيار والإنضمام إلى التنظيمات السياسية، تصبح ممارسة السياسة خياراً كما هو حال اختيار الفرد للتخصص الذي يريد أن يدرسه.

• أليس من الملفت ألا ينضم أحد من آل دوسه لحركة JEM؟
ج‌. أولاً الإنضمام إلى أي تنظيم سياسي أو حركة يقوم على القناعة والتقييم الشخصي للفرد لبرنامج ورؤية الجهة التي يود الإنضمام إليها، وليس لآل دوسه مركزية توجيه سياسية لأفرادهم، لذلك تجد من هو في حزب الأمة ومن هو في حركة العدل والمساواة ومن هو في حركة تحرير السودان ومن هو في المؤتمر الوطني ومن لا ينتمي لأي تنظيم وغير ذلك، وقد انضم الأستاذ عبد المجيد دوسه والأستاذ خليل دوسه والأستاذ محمد منصور دوسه لحركة العدل والمساواة منذ إنطلاقتها، وظلّوا فيها لوقت قريب، ربما بعضهم تركها، والأستاذ خليل دوسه كان ضمن القيادات العسكرية الميدانية للحركة، هنالك آخرين ليس من المستحسن الإعلان عن أسمائهم. لكن بشكل مطلق آل دوسه ليس فقط من يحملون إسم دوسه في تركيبة أسمائهم، وإنما هو إمتداد أسري متجذّر، ومن بين هؤلاء حُظيت حركة العدل والمساواة بالنصيب الأكبر.

• رغم معارضتكم العلنية لإتفاق أبوجا، لماذا عدت إلى السودان وقبلت رئاسة صندوق الإعمار والتنمية؟
ج‌. عودتي للسودان مع الحركة كانت قائمة على أربعة عوامل، العامل الأول هو أن المجلس القيادي للحركة الذي يتكون من خمسة أشخاص، قد اختار التوقيع بموافقة أربعه من أعضائه ومعارضة واحد، وهو قرار دستوري وواجب الإمتثال إذا كنا نبحث عن إرساء المبدأ الديموقراطي رغم تسجيلي لموقفي من التوقيع. العامل الثاني هو أنني لم أشأ اتباع نهج الإنشقاقات لمجرد الإختلاف في أمر التوقيع برغم أهمية الأمر، وآثرت أن أعطي الفرصة لإنضاج الممارسة الديموقراطية داخل الحركة لا سيما وآثار إنشقاق الحركة بعد مؤتمر حسكنيتة ما زال مؤثّراً. العامل الثالث هو أن أسد كل الثغرات التي يمكن أن تستغلها الحكومة في تبرير عدم رغبتها في إنفاذ الإتفاق عبر وصم الحركة بأنها لم تفعل ما عليها أن تفعله، وأظنني وفقت في ذلك بما أعددناه في الصندوق من خطة إستراتيجية ومشروعات مدروسة وجاهزة للتنفيذ في وقت قياسي. والعامل الرابع هو أن أثبت للحركة وبوجودي بينهم أثناء التنفيذ، أن معارضتي للتوقيع كانت قائمة على فرضيات حقيقية وأن أعمل معهم على المخرج الصحيح. الواقع كنت آمل أن نبني تنظيماً مستقبلياً قادراً على امتصاص تبايناته وتحويلها إلى إيجابيات.

• من هو ذالك العضو القيادي الذي إعترض على توقيع الإتفاقية؟
ج. هو أركو سليمان ضحيه الذي كان يشغل حينها منصب رئيس هيئة الأركان لجيش الحركة، وقد إنضم فيما بعد إلى حركة العدل والمساواة.

• أين مكمن الخلل في إتفاق أبوجا، في النصوص أم في النظام أم في قادة التحرير؟
ج‌. كل هذه العوامل ساهمت في بناء الخلل بتفاوت، وإن كان نصيب النظام منها كبيراً. فكم من إتفاقيات في المحيط الإقليمي والدولي لم تحمل بداخلها سوى طيب النوايا، حوّلتها الإرادة الإيجابية للطرف الممسك بالسلطة بتنازلاته وتجاوبه إلى واقع إيجابي.

• إتفاق أبوجا لا يزال حياً أم مات بعودة السيد مني للميدان؟
ج‌. في تقديري قانونية أي إتفاق تقوم أساساً على إلتزام الأطراف به قولاً وفعلاً، أما وقد أعلن الأستاذ مني أركو باعتباره رئيس الحركة الموقّعة تنصّله من الإتفاق، تفقد الإتفاقية قانونيتها، الحكومة أيضاً تنصّلت منها منذ أكثر من أربعة سنوات برفضها مبدأ تنفيذ بنود بعينها، بيد أنها أصلاً وحتى الآن لم تتجاوز في تنفيذ إتفاقية أبوجا 10% غالبها في شق المناصب.

• هل تعتقد لا يزال هنالك فرصة لتحقيق سلام شامل وعادل في دارفور عبر التفاوض؟
ج‌. التفاوض دائماً وسيظل وسيلة من وسائل فض المنازعات، ولكن قدرة طرف ما على التأويل على الوسيلة المعنية تقوم على فهم طبيعة الطرف الآخر بشكل دقيق، فضلاً عن فهم أهداف الأطراف الأخرى كالوساطة وغيرها، وإعداد الوسائل والآليات الداعمة التي تمكّنك من إستخلاص الأفضل من التفاوض. عموماً في الحالة الحالية للنزاع السوداني في دارفور ومع وجود هذا النظام الحاكم الآن، إذا كنت لا تمتلك اللغة التي يفهمها النظام وأعني بذلك القوة العسكرية اللازمة، ومتى وأين وكيف تستخدمها، يصبح التفاوض فاشلاً حتى وإن وقّعت الحكومة على وثيقة فيها كل الحقوق، لأنك لا تملك ضمانات التنفيذ وبالتالي ولأن الحكومة لا تتعامل بأخلاقيات الإلتزام، كما أن الوسطاء لا يملكون آليات للإلزام، أو فالنقل يدركون أين هي لكن لا يسعون إلى تفعيلها، ستمكر الحكومة وتستخدم الإتفاقية للتسويق وفق رغبتها.

• وهل أوضحت هذه القناعة لقيادات التحرير والعدالة التي تفاوض بالدوحة؟
ج. أوضحت لهم ذلك عندما كنت معهم في الدوحة قبل 10 أشهر، ولهم الخيار.

• حسب تقييمكم بأي قدر أضر إتفاق أبوجا بالقضية؟
ج‌. إتفاق أبوجا أضر بحجم ضعف فهم العمل الإستراتيجي للقضية لدي الجميع.

• بالأمس تم توقيع تحالف بين حركتي تحرير السودان بقيادة الإستاذ عبد الواحد نور وجناح السيد مناوي، هل بالإمكان أن تعيد حركة التحرير سيرتها الأولي ما قبل مؤتمر حسكنيته؟
ج. دعنا نبارك أي خطوة في إتجاه التوحّد، حتى وإن كانت هذه الخطوة هي تحالف. لكننا نأمل أن يتعمّقوا أكثر في قراءة مقتضيات المرحلة ويوفّقوا خطواتهم بموجبها.

• بات من المؤكد خسارة المؤتمر الوطني في جنوب كردفان، ما هي دلالات هذا الحدث أن صدق، وما هو تصوركم لمستقبل جبال النوبة في كلا الحالتين؟
ج. أنا لا أعتقد بأن المؤتمر الوطني أقام الإنتخابات ليخسرها، وهي في مسارها ومآلاتها لا تختلف عن الإنتخابات التي جرت في أبريل الماضي، حيث أن المعطيات هي بل سارت في إتجاه أكثر موالاه للمؤتمر الوطني لا سيما مع دنو إعلان دولة الجنوب. والمؤتمر الوطني يريد أن يردّ للحركة الشعبية صفعة النيل الأزرق. جنوب كردفان له تركيبة سكّانية مشابهة في عوامل التجانس الإثني للشعب الصومالي مع اختلاف طفيف في التنوع الديني، لكن العامل الأول هو أكثر تأثيراً في شدّ الولاية إلى نزاع داخلي تخطط له الحكومة وتكون بعيدة منه مستغلة بعض فراغات الجفوة بين ثوار جنوب كردفان والحركة الشعبية واختلال جهود قيادات الحركة الشعبية في الولاية لتحويل عوامل التجانس الإثني لمنع انفجار ذلك النزاع. بيد أنني لا أستبعد أن هدف الحكومة من كل ذلك هو تحسين متحصلاتها من دولة الجنوب، في تقديري أن الحكومة لن تدخل في حرب مع دولة الجنوب على الأقل في السنوات الخمس الأولى.
_____________.
في الجزء التالي من الحوار:
يكشف غطاء صندوق الإعمار والتمنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *